تابعنا
عاد الحديث من جديد عن استئناف المفاوضات بين الوسطاء القطريين والمصريين مع حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية للوصول إلى صفقة تبادل جديدة للأسرى بعد فترة من الجمود.

وشكلت عملية اغتيال صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس نقطة توقف في عملية التفاوض التي كانت تجري بشكلٍ غير مباشر عبر الوسطاء للوصول إلى اتفاق جديد يبدو أنه سيكون مغايراً عن ذلك الذي جرى الوصول إليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وكانت حماس والاحتلال الإسرائيلي توصلا إلى هدنة مؤقتة يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استمرت أسبوعاً كاملاً، وشهدت تبادلاً للأسرى من النساء والأطفال بوساطة قطرية ودعم مصري-أمريكي، وجرى خلالها الإفراج عن عشرات الأسرى الإسرائيليين ومئات الأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال.

اغتيال العاروري عقّد التفاوض أياماً عدّة وجمّد الاتصالات، لا سيّما من قِبل الوسيط المصري، وهو ما أكده رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي أبلغ أفراد عائلات 6 محتجزين أمريكيين وإسرائيليين لدى حركة حماس أن التوصل إلى صفقة جديدة لتبادل الأسرى مع حماس أصبح أصعب بعد اغتيال إسرائيل صالح العاروري.

هذا إضافةً إلى شروط إسرائيلية تعقد المفاوضات، إذ ذكرت مصادر إسرائيلية وجود تحرك في مفاوضات تبادل الأسرى بواسطة مصرية وقطرية تشترط انسحاب حماس من القطاع وتسليم جميع الأسرى الإسرائيليين، لوقف إطلاق النار.

وحسب مصادر مصرية لصحيفة وول ستريت جورنال، قال مسؤولون مصريون إنّ وفداً إسرائيلياً وصل إلى القاهرة في محاولة لإحياء محادثات الرهائن، في الوقت الذي عقد فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اجتماعات في إسرائيل تهدف إلى منع تصعيد الحرب في غزة ووصوله إلى صراع إقليمي.

والتقى الوفد الإسرائيلي الوسطاء المصريين في العاصمة المصرية يوم الثلاثاء، وقال المسؤولون إنّ المحادثات المتجددة تهدف إلى إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة مقابل وقف إطلاق النار لفترة طويلة.

موقف حركة حماس.. لن نعود إلى التجربة السابقة

أما موقف حماس فيبدو متشدداً في رفض أي عرض لهدنة إنسانية في المرحلة الحالية والتمسك بوقف إطلاق نار شامل يقود لوقف الحرب والانسحاب الكامل للآليات الإسرائيلية، وهو ما يعبّر عنه القيادي في حركة حماس محمود مرداوي الذي يقول إنّ إصرار حركته على رفض الهدن الإنسانية يعود إلى أنه جرى تجريبها في السابق لظروف محددة، وكانت مرتبطة بصنف من الأسرى الذين كانت هناك رغبة في إطلاق سراحهم من دون أي مفاوضات، غير أن سلوك الاحتلال جعل الإفراج عنهم يأتي في سياق صفقة.

ويضيف مرداوي لـTRT عربي أن "الاحتلال الإسرائيلي يناور في ما يتعلق بالمفاوضات الخاصة بالتبادل، لا سيّما رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، خصوصاً مع رفض التيار الديني القومي إنجاز صفقة تبادل".

ويشير القيادي في حركة حماس إلى أن "نتنياهو يستديم الحرب للحفاظ على منصبه رئيساً للحكومة الإسرائيلية، ويقدم مصلحته الشخصية على المصالح الخاصة بالمستوطنين وأسراه الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية، لذلك هو يقوم بمناورات متتالية في ما يتعلق بالمفاوضات".

ووفق مرداوي فإن حلفاء نتنياهو في مجلس الحرب الذين يتفقون معه في أهداف محددة هُم على وعي تام بأن نتنياهو يناور ولا يريد أن يصل إلى الحقيقية، إذ إنه يرسل المسؤولين الإسرائيليين للتفاوض في ما يعرقل خطواتهم بعد إرسالهم، وبالتالي هو من يعوق التبادل والوصول إلى صفقة.

الجهاد الإسلامي على خطى حليفتها حماس

في حين يبدو موقف حركة الجهاد الإسلامي متسقاً مع الحلف الاستراتيجي حركة حماس من خلال تأكيد الموقف الخاص بها برفض أي حديث عن هدن إنسانية مؤقتة واستمرار التمسك بالوقف الشامل، يشدد محمد الهندي نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي على أن موقف الفصائل واضح، وهو التوصل إلى اتفاق شامل يقوم على أساس وقف إطلاق نار كامل وانسحاب للاحتلال.

ويقول الهندي لـTRT عربي إن الانقسام في المجتمع الإسرائيلي يتمثل في استئناف العدوان بعد إتمام صفقة تبادل شاملة واستعادة الأسرى أو مواصلة الحرب بغض النظر عن مصير أسراه في قطاع غزة الموجودين لدى الأذرع العسكرية لقوى المقاومة.

ويؤكد نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي أن "ورقة الأسرى هي أهم ورقة لدى المقاومة الفلسطينية وتزيد حالة التوتر داخل دولة الاحتلال، لا سيّما أنه يعطي مسألة التبادل أولوية فيما ينقسم حول جدوى الإصرار على استعادة أسراه بالقوة مع فشله في ذلك".

ويضيف الهندي أن "موقف المقاومة الفلسطينية حالياً نابع من المصلحة العامة للشعب الفلسطيني بوجوب وقف الحرب الإسرائيلية حالياً بشكلٍ تام، ونحن نعتقد أن الإصرار على التبادل بعد وقف العدوان وانسحاب القوات سيتحقق وسيجد الاحتلال نفسه مضطراً إليه".

المسارات والتوقعات

ومنذ انتهاء الهدنة الماضية في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فإن موقف الفصائل الفلسطينية وتحديداً حركة حماس كان رافضاً لأي حديث عن واقع مماثل للهدنة السابقة، وهو ما يفتح المجال أمام احتمال واحد وهو استمرار الحرب بذات الواقع الحالي أو الذهاب نحو وقف شامل لإطلاق النار.

بدوره يقول الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري إنّ موقف المقاومة من الإصرار على وقف إطلاق النار يمكن تفسيره برغبتها في وقف حرب الإبادة في ظل مواصلة عمليات التدمير الشامل لمناطق كاملة في قطاع غزة.

ويضيف المصري لـTRT عربي أن المقاومة تصرّ على موقفها في ظل استنادها إلى الموقف الشعبي في القطاع الذي لا يفضل هدنة لأسبوعين أو أسابيع عدة تستأنف الحرب بعدها، بل يرى أن المطلوب وقف العدوان والحرب أولاً، وتمكين المساعدات الإنسانية من التدفق والشروع في عودة المهجرين وإعادة الإعمار ثانياً.

ويتابع القول: "تستند المقاومة في موقفها إلى الخسائر البشرية الفادحة التي اعترفت إسرائيل بها، وبلغت باعتراف الناطق باسم جيش الاحتلال نحو 1200 قتيل في اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، إضافة إلى 168 ضابطاً وجندياً سقطوا منذ بدء الحرب البرية، فضلاً عن آلاف الجرحى، وسط تباين الأرقام ما بين الجيش والصحافة والمستشفيات الإسرائيلية".

ويعتقد المصري أن المقاومة فاجأت الجميع بصورة فاقت مختلف التقديرات، بما فيها وأولها التقديرات الأمريكية والإسرائيلية، علاوةً على الضغوط الداخلية الإسرائيلية الناجمة عن الخسائر الاقتصادية.

على جانب آخر يرى مدير مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي أحمد الطناني أن اغتيال العاروري لن يؤثر كثيراً في مسارات التفاوض المتعلقة بإمكانية الوصول إلى صفقة تبادل شامل.

ويبيّن الطناني في حديثه مع TRT عربي أن المقاومة ترى في الهُدن المؤقتة مساراً يساهم في التخفيف من أزمات الاحتلال ولا يصل إلى وقف فعليّ للحرب العدوانية على القطاع، وأن سعي الاحتلال الرئيسي للوصول إلى هذه الصيغ يحمل في طياته مدخلاً لتخفيف الضغوط متعددة المستويات التي يقبع تحتها مجلس الحرب.

ويوضح أنه بعد دخول الشهر الرابع على التوالي للحرب على غزة فإن جيش الاحتلال لم يتمكن من حسم أي مهمة من مهماته، وبات يدور داخل حلقات الاستنزاف، وعدد الجنود القتلى في ارتفاع مستمر.

وعلى الصعيد الدولي يرى الطناني أن العامل الزمني يشكل ضغطاً كبيراً على الاحتلال الذي بات يتقلص هامش التفويض الدولي أمامه شيئاً فشيئاً وصولاً حتى إلى الموقف الأمريكي الداعم بشكل مطلق.

ويعتقد مدير مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي أن المقاومة حسمت خياراتها بأن الأولوية هي لوقف العدوان وعدم منح الاحتلال فرصة للهروب من أزماته، وتسعى للاستثمار الأمثل للضغوط الحالية من أجل وقف آلة الحرب بشكل نهائي والبدء بمسار جدّي لتبادل شامل للأسرى على قاعدة الكل مقابل الكل، فيما ترى أن ما يجري تقديمه عبر الوسطاء أو عبر الرسائل الضمنية التي تصل بشكل غير مباشر من الإدارة الأمريكية هو انكسار كبير في الموجة المراهنة على إمكانية هزيمة المقاومة وإزاحتها من المشهد الفلسطيني وإعادة ترتيبه وفق المقاييس الإسرائيلية-الأمريكية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً