تابعنا
في عام 2019 طوّر الجيش الإسرائيلي استراتيجية جدعون لتكون الوحدات المقاتلة أكثر اندفاعية وقدرة على القتال البري، وذلك في خطة وضعها رئيس الأركان أفيف كوخافي، وأُطلق عليها خطة تنوفا.

في خضمّ الحرب على قطاع غزة تخسر إسرائيل يومياً عديداً من جنودها نتيجة العمليات العسكرية المتواصلة، واللافت في الأمر هو أعداد الضباط الذين يسقطون نسبة إلى أعداد القتلى من الجنود.

وحتى نهاية عام 2023 قتلت المقاومة أكثر من 170 ضابطاً من القوات البرية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، فما أسباب سقوط هذا العدد الكبير من الضباط خلال المعارك؟

تغييرات جوهرية

على مدى العقد الماضي أجرى الجيش الإسرائيلي تغييرات كبيرة على هيكله وأولوياته القتالية، وخضع لتغييرات جوهرية تهدف إلى تحسين فاعلية وحداتها في الصراعات المستقبلية المتوقعة ضدّ حماس وحزب الله.

وسعت القوات الجوية والبحرية قدراتها الحربية التقليدية وغير التقليدية، كما خصصت إسرائيل موارد هائلة لتعزيز بنيتها التحتية الدفاعية، وأُعطيت وحدات الاستخبارات أولوية كبيرة، وجرى تشكيل ونشر الوحدات السيبرانية.

وكانت التغييرات الهيكلية والعقائدية التي أدخلها جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل عام بمثابة رد فعل على التحول التدريجي لحماس وحزب الله من حركات مقاومة محلية إلى منظمات مسلحة قوية.

وخلال السنوات الخمس والعشرين الماضية تحولت حركة حماس من حركة اجتماعية دينية جماهيرية إلى نظام سياسي له جناح عسكري يمتلك عدداً من المقاتلين يُقدر بأكثر من 30 ألف مسلح، وتضم ترسانته ما يقرب من 20 ألف صاروخ قادر على ضرب أهداف على مدى يصل إلى 200 كيلومتر.

أما حزب الله فقد خضع لتغييرات تنظيمية أكبر، وتطوّر من حركة شعبية إلى ما يعتبره عديد من الخبراء أقوى قوة عسكرية غير حكومية في العالم، ويقدر عدد قواتها بـ50-60 ألف مقاتل، وقدرتها على الضرب أكثر من 100 ألف صاروخ.

وتغيرت القدرات التكتيكية لدى حزب الله بشكل كبير وأصبح الآن قادراً على القيام بعمليات هجومية خارج حدود لبنان وخلف الخطوط الإسرائيلية.

وقد رفعت الخبرة القتالية والقوة النارية والثقة التي تتمتع بها حماس وحزب الله مكانتهما في نظر القيادة العسكرية الإسرائيلية، التي تعتبرهما الآن من بين التهديدات العسكرية الرئيسية لأمن الدولة، ولهذا حصلت هذه التغييرات.

استراتيجية جدعون

ويقول المحلل العسكري العميد هيثم البياتي إن هذه التغييرات تُعَدّ أمراً طبيعياً في ظل غياب التهديد العسكري التقليدي من الجيوش العربية، إذ تعتبر حرب عام 1973 هي آخر حرب خاضها الجيش الإسرائيلي ضد قوات عسكرية نظامية، قبل أن يجنح معظم دول الطوق إلى السلام أو التهدئة.

ويضيف البياتي لـTRT عربية أنه في مثل هذه الحالات، ومع التغييرات العسكرية الحاصلة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي بداية التسعينيات والتحول نحو الحرب غير المتوازية (الحرب غير النظامية)، يصبح مفهوماً أن تجنح إسرائيل لتغييرات محورية في بنية جيشها استجابة لهذه المخاطر الجديدة.

ويشير إلى أن حروب إسرائيل خلال السنوات الـ40 الماضية كانت جلّها ضدّ منظمات مسلحة، مثل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله اللبناني.

وفي صيف عام 2015 أطلق الجيش الإسرائيلي بقيادة رئيس الأركان العامة حينها بيني غانز خطة جدعون، وكان جوهر الخطة هو تقليص وتحديث وإصلاح القوات المسلحة الإسرائيلية، من أجل مواجهة القوات غير التقليدية.

وبدأ الجيش الإسرائيلي بتقليص الوحدات القتالية وغير القتالية في التشكيلات العسكرية النشطة والاحتياطية، كما صدر أمر بتخفيض عدد مناصب المراتب العسكرية بنسبة 10%، وتخفيض عدد ضباط الصف من 45 إلى 40 ألف عسكري.

وفي الوقت ذاته كان في الاحتياطي المعبأ انخفاض، وانخفضت أيضاً مدة خدمة المجندين بمقدار 4 أشهُر، كما انخفضت قوات الاحتياط بنسبة 30%، ما يعني تسريح 100 ألف شخص من 300 ألف جندي احتياطي نشط قبل الحرب.

آثار وتداعيات سلبية

وفقاً للاستراتيجية الجديدة جرى اعتبار الألوية مجموعات قتالية مستقلة، وليست وحدات هيكلية تتكون منها الفرق، وتضمنت اختصاصات كل لواء القدرة على تخطيط وتنفيذ العمليات البرية من دون دعم قيادة الفرقة.

ويتكون فريق اللواء القتالي الجديد من 6 كتائب، بما في ذلك وحدات المشاة والمدرعات والمدفعية ووحدات المهندسين، كما يمكن لكل كتيبة وفق الاستراتيجية الجديدة التواصل مباشرة بشكل منفرد مع القوات الجوية والبحرية من أجل التسلل أو الدعم الناري، من دون الاستعانة بالتراتبية العسكرية المعروفة من قيادة الفوج صعوداً إلى اللواء ومروراً بالفرقة، ولضمان سيطرة وتنسيق أفضل بين الكتائب حصل كل لواء جديد على مقر خاص به.

وتطلبت هذه التغييرات العميقة في هيكلية الجيش، بتحويل القوات إلى مجموعات صغيرة مقاتلة على الأرض، وجود عديد من الضباط لقيادة التشكيلات المقاتلة غير المرتبطة بالفرقة، ومعظم هؤلاء الضباط هم ضباط ميدانيون يقودون المعارك مباشرة من الأرض لا من قواعدهم العسكرية البعيدة.

وفي عام 2019 طوّر الجيش الإسرائيلي استراتيجية جدعون لتكون الوحدات المقاتلة أكثر اندفاعية وقدرة على القتال البري، وذلك في خطة وضعها رئيس الأركان أفيف كوخافي، وأُطلق عليها خطة تنوفا.

في ظل هذه التغييرات، ومع احتدام المعركة في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، قُتل كثير من الضباط، وذلك بسبب سعة انتشارهم في خطوط التماس في أثناء القتال خلال العمليات البرية في القطاع، وهو ما يفسر سقوط هذا العدد الكبير منهم.

وفي هذا الصدد يؤكد العميد هيثم البياتي أن فقدان هذا العدد الكبير من ضباط الصف في أثناء المعارك له آثار نفسية وعملياتية سلبية في الجيش الإسرائيلي.

ويرى المحلل العسكري أن "استمرار فقدان الوحدات العسكرية لقادتها خلال المعارك والاشتباكات المباشرة يعطي المقاتلين الفلسطينيين أفضلية كبيرة، لأن قوات العدوّ ستتخلخل وتتعرض للعشوائية في أثناء القتال المباشر، خصوصاً أن المقاومة الفلسطينية تعتمد تكتيكات أشبه بمعارك خاطفة قصيرة، تقتضي الهجوم السريع باستخدام كثافة نارية عالية والانسحاب لمنع الطيران من التدخل".

ويبيّن البياتي أن هذا النوع من المعارك يقضي على نفسية المقاتل، فالجنود الإسرائيليون يجدون أنفسهم في أتون معارك مميتة، ومن دون قائد في معظم الأحيان.

TRT عربي
الأكثر تداولاً