تابعنا
شهد العام الحاليّ بشكل عامّ تصاعداً في أعمال القتل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية من قِبل المستوطنين، إلا أن هذه الوتيرة أخذت بالارتفاع بشكل كبير بعد عملية طوفان الأقصى.

بالتزامن مع الحرب الدموية التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى التي بدأت 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يستغلّ المستوطنون الإسرائيليون انشغال العالم بهذه الحرب لتصعيد اعتداءاتهم الممنهجة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وشجّع قرار وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي ينص على شراء أكثر من 10 آلاف بندقية رشاشة لتوزيعها على وحدات الحراسة المدنية في بلدات تقع ضمن غلاف غزة والضفة الغربية والمدن اليهودية-العربية المختلطة في إسرائيل، على زيادة حدّة التوتر والمواجهات الميدانية في الضفة الغربية.

وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) فإنّ متوسط اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ارتفع من 3 إلى 7 اعتداءات يومياً.

وقال المكتب في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إنّ 123 فلسطينياً، من بينهم 34 طفلاً، قُتلوا على أيدي القوات الإسرائيلية أو المستوطنين الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، كما أنّ نحو ألف فلسطيني هُجّروا قسراً من منازلهم في الضفة الغربية خلال الفترة نفسها.

هذه الممارسات دفعت الاتحاد الأوروبي للدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف "الإرهاب الذي يمارسه المستوطنون اليهود" على الفلسطينيين في الضفة المحتلة، والذي أدى إلى مقتل عديد من المدنيين، محذراً من خروج الوضع عن السيطرة.

عمليات قتل ممنهجة

شهد العام الحاليّ بشكل عامّ تصاعداً في أعمال القتل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية من قِبل المستوطنين، إلا أن هذه الوتيرة أخذت بالارتفاع بشكل كبير بعد عملية طوفان الأقصى.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية يوم الثلاثاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني عن بلوغ حصيلة الشهداء برصاص الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 163 شهيداً، فيما بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري 371.

وفي هذا السياق يوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن "هذه العمليات دعمتها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتطرفة، التي عملت بعد طوفان الأقصى على تسليح المستوطنين من أجل ملء الفراغ الذي تركه الجيش نسبياً بعد انتشاره في غزة والجبهة الشمالية والداخلية وانشغالهم في الحرب".

ويقول الباحث المقيم في الضفة الغربية لـTRT عربي إنّ "ما يقوم به المستوطنون ليس مجرد اعتداءات، إنما هي سياسة ممنهجة مرتبطة بتطلعاتهم وأطماعهم تجاه الضفة، نظراً إلى القوة السياسية والحزبية والميدانية التي باتوا يمتلكونها، والتي أصبحت بالفعل تشكل تهديداً وجودياً للفلسطينيين، وهذا ما نلمسه من خلال تنظيمهم الآخذ بالتعاظم، إذ بدؤوا يتحركون باعتبارهم ميليشيات منظمة على الأرض وليس باعتبارهم أفراداً".

اعتقال وتعذيب

تشهد أنحاء متفرقة من الضفة الغربية والقدس يومياً حملات مداهمة واقتحامات للقرى والبلدات من قِبل الجيش الإسرائيلي، يصحبها مواجهات واعتقالات وإطلاق للرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز السامّ المسيل للدموع على الشباب الفلسطينيين.​​​​​​​​​​​​​​

وأعلن نادي الأسير الفلسطيني الثلاثاء أنّ إسرائيل اعتقلت 55 فلسطينياً على الأقل فجر الثلاثاء في الضفة الغربية المحتلة​​​​​​​، ما يرفع عدد المعتقلين بالضفة إلى 2200 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بدوره وثَّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقرُّه جنيف) عمليات تنكيل وتعذيب شديدة بحق مدنيين ومعتقلين فلسطينيين خلال اعتقالهم من قِبل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد عملية طوفان الأقصى، في انتهاك صارخ للقواعد الدولية بشأن حماية المدنيين.

ونشر المرصد مقاطع فيديو يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تُظهِر جنوداً إسرائيليين يسحلون وينكّلون بمدنيين فلسطينيين ينحدرون من بلدة يطا في الخليل جنوب الضفة الغربية، بعد تجريدهم من ملابسهم وعصب أعينهم وتقييدهم من أيديهم وأرجلهم ثم تركهم في العراء لساعات طويلة.

ويؤكد رامي عبده، مؤسس ومدير المرصد الأورومتوسطي، أنه يوجد "تعمُّد من قِبل قوات الاحتلال لارتكاب عمليات تعذيب وتنكيل بحق المعتقلين، ونشر صورهم بهذا الشكل، بما في ذلك تعريضهم للضرب المبرح وتركهم في العراء لعدة أيام".

ويضيف عبده لـTRT عربي أن فريق المرصد وثَّق حالات اعتقالات لأشخاص من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضُطرّوا إلى تسليم أنفسهم تحت الضغط، واحتجاز أفراد من عائلاتهم رهائن.

تهديدات بالتهجير

أخذت الاعتداءات الإسرائيلية بعد عملية طوفان الأقصى منحى جديداً، تمثَّلَ بتوزيع منشورات تدعو سكان القرى المجاورة للمستوطنات شمالي الضفة إلى الهجرة إلى الأردن، مهددين إياهم بـ"نكبة ثانية" على غرار ما جرى عام 1948 من عمليات قتل وتهجير وهدم للقرى والبلدات الفلسطينية.

لكنّ هذه التهديدات لم تبقَ مجرد منشورات، إذ يؤكد الباحث عصمت منصور أنّه بعد عملية طوفان الأقصى هجَّر المستوطنون التجمعات البدوية الواقعة بين أريحا ورام الله، وهي اثنا عشر تجمعاً، كان سكانها يستقرون فيها منذ عشرات السنيين، مضيفاً: "ما جرى يمكن وصفه بأنّه (بروفة) لما قد يجري من عمليات تهجير واسعة مستقبلاً في حال توسع الصراع".

ويشير الباحث في الشأن الإسرائيلي إلى أنّ ما يحصل هو "جزء من خطة يمينية متطرفة بدأت تتبلور بعد عملية طوفان الأقصى، وهي تنص على أن الحل الجذري كي لا يتكرر ما حدث في غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول هو إخلاء الضفة من الفلسطينيين". وهذا ما عبّر عنه، حسب منصور، كثير من المقالات واللقاءات في مواقع يمينية مثل القناة السابعة العبرية وموقع سوركيم.

وكانت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية أكدت نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنّ 250 مواطناً أُجبروا على ترك أراضيهم ومغادرة قريتهم جرّاء اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين جنوبي الضفة الغربية.

الاعتداء على الممتلكات الخاصة

وبالإضافة إلى عمليات القتل، أبلغ الفلسطينيون في الضفة الغربية عن هجمات على الأشخاص والممتلكات، فضلاً عن منعهم من الوصول إلى أراضيهم، إذ أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنّ الفترة التي أعقبت بدء الحرب على غزة شهدت تسجيل 171 اعتداءً من المستوطنين على الفلسطينيين.

وفي ذات السياق يشير رئيس بلدية قصرة في الضفة الغربية هاني عودة إلى أنّ قوات الاحتلال جرّفت مساحات واسعة من البلدة، واقتلعت 150 شجرة زيتون خلال الأيام القليلة الماضية.

ويضيف عودة في حديثه مع TRT عربي أنّ كثيراً من الفلسطينيين في المنطقة مُنعوا من الوصول إلى أراضيهم وجني محصولهم، من خلال إطلاق النار عليهم في أثناء قطاف الزيتون.

وينوه بأنّ هذه الأعمال العدائية من قِبل المستوطنين ليست جديدة، إلا أنها ازدادت بشكل كبير بعد الأحداث التي تشهدها غزة، إذ يحاول المستوطنون الانتقام من المقاومة الفلسطينية عن طريق الاعتداء على المنازل وإحراق السيارات والمحال التجارية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً