تابعنا
فشلت المنظومة الأمنية الإسرائيلية في 7 أكتوبر الماضي في المهمات المنوطة بها لمنع عملية أسر جنود ومدنيين إسرائيليين في ظل وجود عدد غير مسبوق من الأسرى لدى المقاومة في غزة، وعدم التمكُّن من تحريرهم بالقوة العسكرية عبر الحرب على المقاومة وحركة حماس.

اعتبرت إسرائيل أن النتيجة الأكثر دراماتيكية وخطورة، وتنطوي على آثار وتداعيات إستراتيجية وبعيدة المدى، التي خلّفتها عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في مستوطنات وبلدات غلاف غزة، هي أسر واحتجاز نحو 240 إسرائيليّاً وإسرائيلية، بين مدني وعسكري، لدى فصائل المقاومة في قطاع غزة.

تنظر منظومة الأمن الإسرائيلية إلى عمليات خطف الجنود والمدنيين على أنها "حدث ذو أبعاد إستراتيجية" يجب منعه بأي ثمن في مراحله الأولى وقبل وقوعه، من خلال توفير المعلومات المسبقة التي تضمن إحباطه والوصول إلى مَن يخططون له، أو في حال وقوعه، منع استمراره وعدم نجاحه، من خلال اعتراض منفذيه وتحرير الأسرى، حتى لو كان الثمن قتل الخاطف والمخطوف (إجراء هانيبال).

أما في حال نجاح عملية الخطف أو الأسْر، فتكون المهمة التالية هي إجراء عمليات بحث، ومحاولة الوصول إلى معلومات تُمكِّن الجيش ووحداته المختارة من تحرير الأسرى أو المخطوفين بالقوة.

وأخيراً، حال تعذَّرت كل هذه الأسباب وفشلت جميع المحاولات، فعندها يجري اللجوء إلى التفاوض وتبادل أسرى مقابل استعادة المخطوفين والأسرى وإعادتهم، على اعتبار أن مهمة (افتداء الأسرى) مهمة مقدسة في الديانة اليهودية، ومُركّب حيوي في ثقافة المجتمع وجيش الاحتلال الإسرائيلي.

مسارات متوازية

فشلت المنظومة الأمنية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في المهمات المنوطة بها كافة لمنع عملية أسْر جنود ومدنيين إسرائيليين، ما وضعها أمام الخِيارين الأخيرين المتبقيين، في ظل وجود عدد غير مسبوق من الأسرى لدى المقاومة في غزة، وعدم التمكُّن من تحريرهم بالقوة العسكرية عبر الحرب على المقاومة وحركة حماس، والضغط الإنساني والاقتصادي والحصار الشامل الذي فُرض على قطاع غزة منذ بداية الحرب.

في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال عن تعيين العميد احتياط نيتسان ألون مسؤولاً عن ملف الأسرى والمفقودين الإسرائيليين واستعادتهم، وهذا الضابط سبق أن قاد وحدة رئاسة الأركان (سيريت متكال) التي نفذت عشرات من عمليات الاغتيال خارج حدود إسرائيل، وشغل موقع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

بقيت مهمة ألون غامضة وغير واضحة في ظل تولي رئيس الموساد الإسرائيلي، ديفيد برنيع، الذي يخضع لإشراف رئيس الحكومة مباشرة، مهمة التواصل مع الوسطاء وإدارة مفاوضات التبادل.

مهمة نيتسان ألون تُظهر أن إسرائيل تسير في مسارات متوازية عدّة للوصول إلى صيغة تُعيد من خلالها أسراها، فهي إلى جانب جهود جهاز الأمن العام (الشاباك) على الأرض من خلال مرافقة قوات الجيش التي تعمل في غزة، وتنفيذ حملات اعتقالات وجمع وثائق ورصد أخبار في محاولة لجمع معلومات تقود إلى مكان وجود الأسرى، تعمل وحدات من استخبارات جيشها، وأهمها الوحدة 405 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية والمسؤولة عن جمع المعلومات البشرية (الاتصالات ومراقبة الهواتف وزرع العملاء)، إلى جانب وحدة السايبر والتنصت، المعروفة باسم الوحدة 8200 التي تراقب شبكات المعلومات والاتصالات وتطور أنظمة وتقنيات اختراق تكنولوجية معقدة.

قلب كل حجر من خلف الكواليس

وصف تقرير نشره موقع "والا" الإسرائيلي طبيعة مهمة العميد نيتسان، التي قال إنها "مقدسة وتدور في السرّ ومن خلف الكواليس"، بأنها ستقوم على تركيز جهود من الاختصاصات كافة في عالم الجيش والاستخبارات ومنظومات الأمن والطب العدلي والتكنولوجيا المتطورة، وستنضوي تحتها كل أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات من أجل "قلب كل حجر في غزة"، وبناء ملف معلومات يُحدَّث يوميّاً ويُقدَّم للقوات العاملة على الأرض "من أجل الوصول إلى الأسرى" وتحريرهم.

صحيفة "يسرائيل هيوم" ألقت ضوءاً إضافيّاً على طبيعة المهمة التي تولاها نيتسان، وقالت إنها ترشد القوات التي تمشّط كل متر مربع وبئر مياه ومغارة وبيت في غزة، وذلك من خلال رفدها بالمعلومات التي تُحدَّث على مدار الساعة.

تضم الوحدة إلى جانب عشرات من ضباط الاحتياط السابقين من التخصصات كالة في جيش الاحتلال، مئات المتطوعين من مجالات متنوعة بعيدة عن عالم الأمن، مثل الطب العدلي و"السايبر"، كما أنها تستعين بكاميرات تعرّف على الوجوه، ومعلومات تُجمع عبر الشبكات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وصورة استخبارية تُستكمل من التحقيقات الميدانية وعمليات الاعتقال التي تجري يوميّاً، بالإضافة إلى المعلومات الجغرافية والإنشائية المتوفرة لدى المنظومة الأمنية حول قطاع غزة منذ عقود في أثناء خضوعه للاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر (1967-2005).

عمليات البحث التي يجريها طاقم نيتسان لا تقتصر على الأسرى الأحياء، بل تشمل البحث عن جثث المفقودين، وهو ما استلزم نبش مئات القبور الفردية والجماعية، ودخول ثلاجات الموتى في المستشفيات، وفحص مئات العينات من جثامين القتلى الفلسطينيين داخل غلاف غزة وفي مقابر وثلاجات مستشفيات القطاع أو داخل الأنفاق التي يجري اكتشافها.

تتوسع مهمة الفريق المختص بالبحث مع توسع المساحات التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ومعها يتزايد كم المعلومات والعينات التي تحتاج إلى فحص.

خيار التفاوض

خلال قرابة الأربعة أشهر، وإلى جانب الجهد الذي تبذله وحدة الأسرى والمخطوفين على الأرض، وفي ضوء عدم تمكُّنها حتى الآن من الوصول إلى نتائج مشجعة، تجدَّدت في باريس محاولات التوصل إلى صفقة تبادل عبر التفاوض غير المباشر مع حركة حماس.

ويشارك ألون نيتسان إلى جانب رئيس جهاز الموساد، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، في هذه المفاوضات، وهو ما يقود إلى الافتراض بأن الخيار التفاوضي الذي وُضع في آخر سُلّم الأولويات لدى إسرائيل عاد ليتصدَّر الواجهة ويثبت أن عمليات البحث في بيئة معقدة، ولدى فصيل متمرس ومنظم ومنغرس في الميدان منذ عقود، مثل حركة حماس، ورغم التكنولوجيا المتطورة والأدوات الحديثة، تبقى نتائجها محدودة وغير قادرة على فك شفرة غزة ودهاليزها المعقدة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً