تابعنا
مقابل التصاعد في انتهاك المحتوى الفلسطيني الرقمي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، رصد مركز صدى سوشال انتشاراً واسعاً لمنشورات التحريض ضد الفلسطينيين ومناصري فلسطين حول العالم، بعدد يفوق 27 ألف محتوى تحريضي وخطاب عنف وكراهية.

منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023 رصد مركز صدى سوشال للحقوق الرقمية الفلسطينية أكثر من 14 ألف انتهاك رقمي ضد المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، 32% من هذه الانتهاكات تمثل في حذف حسابات شخصية وصفحات عامة بشكل كامل، بشكلٍ يزداد عن حجم الانتهاكات الموثّقة قبل الحرب الإسرائيلية على غزة.

ومن الصفحات التي حذفتها منصة فيسبوك، إحدى منصات شركة ميتا، كانت شبكة قدس الإخبارية، التي تعرّف نفسها على أنها مستقلة، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الإعلامية الفلسطينية متابعةً في الفضاء الرقمي داخل فلسطين، وفق تقرير صادر عن شركة آيبوك لعام 2022، بعدد متابعين تجاوز 10 ملايين متابع على صفحات الشبكة باللغتين الإنجليزية والعربية على فيسبوك.

ويوضح رئيس تحرير الشبكة يوسف أبو وطفة في حديث لـTRT عربي أن منصة فيسبوك حذفت الصفحتين العربية والإنجليزية بتاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول، وتبعتها سلسلة حذف بشكل كامل لكل الصفحات التي حاولت الشبكة إنشاءها، حتى اضطرت إلى تحويل جهدها في التغطية الإعلامية للأخبار الفلسطينية إلى قناة تليغرام بشكلٍ أساسي، والمنصات الأخرى.

وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أشارت شبكة قدس الإخبارية في بيان أصدرته إلى نوعٍ آخر من محاربة المحتوى الفلسطيني وشبكات الأخبار الفلسطينية تحديداً، تمثل في "محاولة خلق روايات مزيفة وغير صحيحة في موقع ويكيبيديا، من خلال فريق من محرري الموقع المرتبطين بالاحتلال الإسرائيلي".

وحول ذلك يقول أبو وطفة إن "محررين مرتبطين بالاحتلال الإسرائيلي عدلوا وبشكل مكثف وصف الشبكة عبر موقع ويكيبيديا وقدموا وصفاً غير صحيح عنها، وربطوا أجندتها بالأحزاب والفصائل الفلسطينية، رغم أن شبكة قدس تعمل بشكل مستقل، وفي كل مرة حاولت الشبكة تغيير الوصف يجري تعديله بشكلٍ مباشر من أولئك المحررين، الذين يعتمدون على مصادر إسرائيلية وأخرى مرتبطة باللوبي الإعلامي الإسرائيلي".

بالنسبة إلى حذف شبكة قدس فهو "حرب ممنهجة" كما يصف أبو وطفة، مشيراً إلى أن الأمر لم يقتصر على حذف صفحات الشبكة على فيسبوك، والحساب الإنجليزي على إنستغرام، بل انتقلت أيضاً إلى منصة المقاطع الصوتية ساوند كلاود، إذ حذف الأخير حساب الشبكة الذي احتوى على بودكاست صوتي ثقافي، وبرامج فلسطينية أنتجتها الشبكة، وفقدت بذلك أرشيفها الصوتي.

ارتفاع ملاحقة المحتوى الرقمي بعد الحرب

من جانبها، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير صدر يوم الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول، إن شركة ميتا عبر تطبيقي فيسبوك وإنستغرام، أسكتت بشكلٍ متزايد الأصوات الداعمة لفلسطين، إذ أساءت ميتا استخدام سياساتها بشأن "المحتوى العنيف والصادم"، و"العنف والتحريض"، و"الخطاب الذي يحضّ على الكراهية"، و"العري والنشاط الجنسي للبالغين"، وأزالت الشركة عشرات المنشورات التي توثّق الإصابات والوفيات الفلسطينية التي لها قيمة إخبارية.

وحددت المنظمة الحقوقية، في تقريرها الذي حمل عنوان "نكث الوعود: سياسات ميتا والرقابة على المحتوى المتعلق بفلسطين على إنستغرام وفيسبوك"، ستة أنماط رئيسة للرقابة على المحتوى، يتكرر كل منها في 100 حالة على الأقل، وهي: إزالة المحتوى، وتعليق الحسابات أو إزالتها، وتعذّر التفاعل مع المحتوى، وتعذّر متابعة الحسابات أو ذكرها بـ"تاغ"، والقيود على استخدام ميزات مثل البث المباشر في فيسبوك/إنستغرام، والـshadow banning، أي انخفاض كبير في ظهور منشورات الشخص أو قصصه أو حسابه من دون إشعار.

بدوره يقول الباحث والمختص بالشؤون الرقمية إياد الرفاعي لـTRT عربي إن "انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ليست بعيدة عن الفضاء الرقمي وملاحقة المحتوى الفلسطيني، حتى حين يلجأ الفلسطينيون إلى منصات أقل انتهاكاً من المنصات الأخرى، ليؤرشفوا ويبثوا المواد الخاصة بهم، تضغط حكومة الاحتلال على أي منصة جديدة لمحاربة المحتوى الفلسطيني".

وحسب موقع فوربس تلقت شركتا ميتا وتيك توك أكثر من 8 آلاف طلب من النيابة العامة الإسرائيلية لإزالة المحتوى المتعلق بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بزعم أنه ينتهك سياسات الشركتين، وأزيل 94% من المحتوى المبلغ عنه عبر منصات الشركتين، في ارتفاع للنصف الأول من عام 2023 الذي أعلنت فيه ميتا أنها تلقت 1088 طلباً من الحكومة الإسرائيلية، واستجابت لـ78% منه.

ويوضح الرفاعي أنه من المعروف أن يتناسب تفاعل المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي بشكلٍ طردي مع الأحداث الواقعة على أرض الواقع، وفي الحالة الفلسطينية فقد راقب طوال السنوات الماضية ارتفاعاً في الانتهاكات ضد المحتوى الفلسطيني مرتبطاً بمدى حجم الأفعال الميدانية الإسرائيلية على أرض الواقع.

ويضيف الرفاعي أنه "من الطبيعي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول ازدادت عمليات الرقابة والملاحقة ومحاربة المحتوى الفلسطيني، بالتوازي مع ازدياد عمليات الاعتقالات التي نفذتها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بسبب نشاطهم على منصات التواصل الاجتماعي".

وتشير بيانات نادي الأسير الفلسطيني إلى اعتقال أكثر من 45 صحفياً وصحفية فلسطينيين في الضفة الغربية والقدس بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول حتى 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تبقى 32 منهم رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعدد كبير من هذه الاعتقالات جاء نتيجة العمل الصحفي ومنشورات على منصات التواصل الاجتماعي.

رغم ذلك فإن السردية الرقمية الفلسطينية تأثرت بشكل كبير خلال هذه الجولة من القتال، إذ تطورت وبشكل ملموس مجريات التفاعل الرقمي على مختلف المنصات سواء من قبل الفلسطينيين أنفسهم أو من خلال مناصري القضية الفلسطينية، وهذا ما أفضى خلال هذه المرحلة إلى ازدياد المحتوى الفلسطيني الرقمي باللغة الإنجليزية، وفقاً للرفاعي.

التحريض على المنصات

مقابل التصاعد في انتهاك المحتوى الفلسطيني الرقمي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، رصد مركز صدى سوشال انتشاراً واسعاً لمنشورات التحريض ضد الفلسطينيين ومناصري فلسطين حول العالم، بعدد يفوق 27 ألف محتوى تحريضي وخطاب عنف وكراهية، وفق بيانات المركز.

وحسب المركز، "لم تتخذ منصات التواصل الاجتماعي إجراءات ضد هذا المحتوى الصادر باللغة العبرية ولغات أجنبية، بل مارست ازدواجية معايير بحذف المحتوى الفلسطيني تحت بند (التحريض والمحتوى العنيف والإرهابي) دون أن تصدر تعريفاً واضحاً لمعنى هذا المعيار وماذا يندرج تحت العنوان".

وتقول مديرة السياسات في مؤسسة Access Now في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -وهي منظمة دولية تدافع عن الحقوق الرقمية للمستخدمين- مروة فطافطة لـTRT عربي إن "الحكومة الإسرائيلية تشن حرباً على المحتوى والرواية الفلسطينية بالتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي، إذ أبلغت وحدة إسرائيل السيبرانية عما يزيد على 21 ألف منشور فلسطيني بذريعة أنها تحض على العنف والإرهاب"، وحسب ادعاء الوحدة، تجاوبت منصتا ميتا وتيك توك بحذف 92%؜ من هذه الطلبات.

في المقابل، نشطت مجموعات عبرية تحرّض على الفلسطينيين وتدعو إلى قتلهم وإبادتهم، منها مجموعة "صيادو النازيين" عبر قناة تليغرام، وهي ما يمثل خطراً حقيقياً يجب مواجهته وفق فطافطة، مشيرةً إلى تبعات هذا الخطاب التحريضي على المنصات في سياقات أخرى أدت إلى ارتكاب فظاعات وجرائم مروعة مثلما حصل في الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينغا في مينمار أو إثيوبيا.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول قتل مستوطنون 8 فلسطينيين في الضفة الغربية بعد إطلاق النار عليهم، وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى زيادة في هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، إذ بلغ المتوسط الأسبوعي للهجمات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 37 هجوماً، مقارنة بـ21 هجوماً في الأسبوع، خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني و6 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وترى فطافطة أن شركات منصات التواصل مسؤولة عن انتشار المحتوى التحريضي وتبعاته وعليها تتبعه وإزالته، كما برزت ظاهرة أخرى على منصة ميتا التي سمحت بالإعلانات الممولة التحريضية ضد الفلسطينيين، وهي "اتجار بالدم، عملياً تجني الشركة الأرباح من وراء إعلانات تدعو إلى قتل وتهجير الفلسطينيين، مع العلم أن هذا المحتوى مخالف للقواعد التي وضعتها المنصة"، حسب قول فطافطة.

وتضيف: "حذف المحتوى وإغلاق الحسابات وغيرها من التشديدات والتقييدات على الرواية الفلسطينية والتغطية الصحفية للأحداث هو انتهاك صارخ للحق في حرية التعبير والرأي وحرية الوصول إلى المعلومات، كما هو انتهاك للحق في المساواة، خصوصاً أن معايير المنصات في الأصل تنطبق على جميع المستخدمين، ولكنها في الواقع تفاضل وتفرق بين مستخدم وآخر".

وفي عام 2022 أصدر مركز BSR للاستشارات تقريراً بتكليفٍ من شركة ميتا حول ممارسات الشركة بحق المحتوى الفلسطيني في مايو/أيار 2021، وأوضح التقرير أن "ميتا مارست رقابة مفرطة في إدارة المحتوى باللغة العربية، في الوقت الذي لم تمارس فيه الشركة الرقابة المطلوبة على المحتوى باللغة العبرية".

TRT عربي