يكافح ذوي الاحتياجات الخاصة من أجل البقاء في ظل ظروف الحرب والنزوح التي يعاني منها سكان غزة / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

في غرفة صغيرة تضم أربع نساء مصابات، يُسمع صوت أنين السيدة الأربعينية عبير مطر (من فئة البكم) من شدة الألم بعدما أصيبت بحروق في جسدها وكسور في العظام أفقدتها الحركة مؤقتاً، جرّاء القصف الإسرائيلي الذي استهدف المنزل الذي تقطنه في قطاع غزة.

وتقول عطاف، وهي شقيقة عبير لـTRT عربي إن "عبير نجت من الموت بأعجوبة وانتشلت من تحت الركام بعدما فقدوا الأمل ببقائها على قيد الحياة بعد قصف استهدف منزل أخيها فيما كانت فيه رفقة زوجة أخيها وأبنائها التوأم الذين خرجوا بإصابات أيضاً".

عبّرت عبير عن عن خوفها وألمها بالإشارات والصراخ بعد إعلامها خبر استشهاد زوجة أخيها، فمع استمرار القصف تزداد حالات خوفها مع سماعها أصوات الانفجارات العالية.

حالة عبير تشترك مع حالة آلاف من ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة، ويقدر المركز الفلسطيني للإحصاء نسبتهم في قطاع غزة بـ 3٪ من السكان، خمسهم من الأطفال.

وفي اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، يكافح الفلسطينيون في غزة من ذوي الإعاقة من أجل البقاء في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل، وانعدام أبسط مستلزماتهم الخاصة في مراكز للإيواء تكتظ بالسكان وتنعدم فيها مقومات الحياة.

العمليات العسكرية تزيد معاناة ذوي الإعاقة

وجدت أسماء فروانة في ممر ضيق في قسم الولادة في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، مأوى تنزح إليه رفقة طفلها أنس ابن السنوات العشر، الذي يعاني من إعاقة حركية وذهنية بعد إصابته بشلل دماغي.

تقول أسماء لـTRT عربي إن "حالة أنس الصحية والنفسية تراجعت خلال الحرب على غزة، وبخاصة إن علاقته بوالده قوية جداً، وخلال الحرب أجبر على ترك أنس لانشغاله في مجال عمله في الصحافة".

تحاول أسماء يائسة الاستعانة بمقاطع الرسوم المتحركة لإلهاء أنس عن أصوات الحرب والقصف، وفي أغلب الأوقات تبوء محاولاتها بالفشل.

نزحت أسماء من مناطق شرق غزة إلى مستشفى الشفاء ومنها إلى مستشفى شهداء الأقصى، وتصف الرحلة بـ"الصعبة"، خاصة مع الوضع الخاص لطفلها، وعن هذا تقول: "التحرك للإنسان الطبيعي بالحرب كان صعباً، فكيف سيكون عند الشخص الذي يعاني من شلل كامل، كانت مرحلة النزوح صعبة".

صعوبة الرحلة وتكرار النزوح وسرعة خروج العائلة دفع أسماء إلى التخلص من بعض الحاجيات الأساسية من كساء مثلاً "لم نأخذ بعين الاعتبار أن الحرب ستطول، وأننا سوف نعاني من قلة الملابس التي باتت شحيحة في الأسواق، وحتى إن توفرت فأسعارها مرتفعة جداً"، وفق تعبيرها.

وتشير الإحصائيات الصادرة من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" إلى أن أكثر من 1.7 مليون فلسطيني نزح من بيته منذ بدء العمليات العسكرية في 7أكتوبر/تشرين الأول، فضلاً عن تجدد طلبات التهجير لسكان مناطق مختلفة في قطاع غزة، كان آخرها الطلب من سكان مناطق شرق خان يونس الإخلاء إلى رفح.

ذات الظروف يعانيها محمد حرب (33 عاماً)، الذي أصيب بركبته في مسيرات العودة عام 2018 على الحدود الشرقية لقطاع غزة، واضطر إلى النزوح عبر شارع صلاح الدين.

سرعة الخروج من المنزل تحت القصف والنار أنست محمد عكازيه، ليقطع مسافة النزوح دونها، فكانت طريقه عبارة عن جلوس وقوف.

واستمرت معاناة محمد مع النقص الواضح الذي تعاني منه غزة في الأغذية والأدوية، ويقول محمد لـTRT عربي إنه يعاني كثيراً من نقص الطعام والشراب، لا يتذكر أنه شعر بالشبع طوال أيام الهدنة، ما يتوفر قليل من الخبز وقليل من الجبن أو الزعتر.

إضافة إلى ذلك يواجه محمد أزمة النقص الحاد في الأدوية، فسبق أن أجرى عدة عمليات في قدمه، وآثارها باقية إلى الآن، لا سيما أنه يحتاج باستمرار إلى الأدوية ومنها المسكنات التي يجد صعوبة في توافرها داخل الصيدليات.

وحسب منظمة "هيومن رايتس ويتش" فإن المخاطر الجسيمة التي يواجهها جميع المدنيين في غزة جراء العمليات العسكرية تتضاعف على الأشخاص ذوي الإعاقة.

وتضيف المنظمة أن معاناة هؤلاء الأشخاص زادت مع قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي تهجير سكان مناطق شمال غزة إلى جنوب القطاع الذي لم يأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ لا يستطيع كثيرون منهم المغادرة. وقد عرّضهم أمر الإخلاء لمخاطر الحرب ولم يضمن توفير سكن مناسب وظروف مقبولة لهم.

عمل إنساني في ذروة الحرب

من شمال قطاع غزة إلى وسطه حمل محمد لبد مدير جمعية مبرّة فلسطين الخاصة برعاية الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تقدم خدماتها لـ550 من ذوي الإعاقة من كل الفئات، وعدد منهم من فئة فاقدي الأهل يعيش داخل مركز إيواء دائم داخل الجمعية.

نزح محمد لبد مع عديد من ذوي الإعاقة بعد أن وردهم اتصال من جيش الاحتلال الإسرائيلي يخبرهم بالإخلاء من المكان، نزحوا بعد الاستهدافات التي طالت المكان، التي أدت إلى استشهاد اثنين من طاقم العمل، وإصابة أحد النزلاء من ذوي الإعاقة، إلى مدرسة في مدينة غزة.

ويقول لبد لـTRT عربي إنهم لجؤوا إلى توزيع النزلاء على عائلاتهم بعد النزوح، ومن بقي أحد عشر فرداً لم يستطع الوصول إلى عائلاتهم، منهم من فقد ذويه خلال الحرب، نزحوا إلى مكان وهو شاليه خُصصت فيه غرفتان للنزلاء في النصيرات وسط قطاع غزة.

وعن ضعف الإمكانات المتاحة لإعانة ذوي الاحتياجات يشير لبد إلى أنه "شخص إداري وليس لديه معرفة بطريقة التعامل مع النزلاء"، ويضيف أنه حتى زوجته التي تساعده في إعالتهم ليس لديها خبرة في التعامل مع هذه الفئة، لكنهما يقدمان كل ما يستطيعان تقديمه من رعاية واهتمام.

وحول توفر الاحتياجات الأساسية لذوي الإعاقة يقول لبد: "خلال الحرب توفيت إحدى النزيلات لعدم توفر الأكسجين، ولم أستطع إنقاذ حياتها، فكثير من المستلزمات ناقص ومفقود، وعلى رأسها الأدوية، أضطر عادة إلى المشي ساعة ذهاباً وساعة إياباً حتى أشتري بعض الأدوية ولا أجدها داخل الصيدليات".

ولا يقتصر الأمر على الأدوية، فالمكان غير مهيأ لاحتواء أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، لعدم توفر المستلزمات الخاصة بهم، كالمرتبات الطبية الضرورية لبعض الحالات التي تعجز عن النوم في ظل عدم توفرها بسبب الآلام التي يعانون منها، حسب لبد.

وتحاول زوجة محمد لبد على التأقلم مع الوضع الجديد الذي وجدت العائلة نفسها فيه، من حيث الاهتمام بشؤون العائلة وذوي الاحتياجات الخاصة الذين ترعاهم العائلة، وتقول: "إحدى النزيلات لا تقدر على النوم إلا بعد أن تتناول العصير، كنا في بداية الحرب نجلب كميات من العصير، لكن مع نفادها، اضطررت إلى شراء جالون عصير أصبحت أخلطه بالمياه حتى ألبي طلباتها، وتستطيع النوم".

وعلى الرغم من أن إسرائيل من ضمن الدول الموقعة على على "اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" التي تنص في مادتها الـ11 على "اتخاذ كل التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية" فإنها، كبقية الاتفاقيات الأخرى، ضربت بها عرض الحائط، فما زال الاحتلال يستخدم المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية سلاحاً في مواجهة المجتمع الفلسطيني في غزة.

وفي ظل الوضع الخاص لذوي الإعاقة الذي يجعلهم الفئات الأكثر ضعفاً في مواجهة هذه السياسات، يصبح من الضروري التدخل لحماية هذه الفئة، وتوفير احتياجاتها التي تكفل لها البقاء على قيد الحياة.

TRT عربي