تابعنا
بعد الاجتياح البري الذي نفّذه الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة عقب عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتقل الاحتلال مئات الفلسطينيين في مختلف مناطق القطاع وتحديداً مدينة غزة وشمالها، وطالت الاعتقالات النساء والأطفال والشباب وكبار السن.

لا يستطيع الفلسطيني محمد خليل نسيان ما تعرض له من تعذيب شديد داخل السجون الإسرائيلية بعدما جرى اعتقاله في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في أثناء وجوده بمنطقة سكنه في مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.

"لن أنسى طوال حياتي الوحشية التي عاملني بها جنود الاحتلال الإسرائيلي"، بهذه الكلمات يصف الأسير المحرر محمد خليل لـTRT عربي ما حدث له مطلع الشهر الماضي، إلى جانب تعمّد الاحتلال إطلاق النار عليه بشكلٍ مباشر في اللحظات الأولى لاعتقاله.

وبعد الاجتياح البري الذي نفّذه الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة عقب عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتقل الاحتلال مئات الفلسطينيين في مختلف مناطق القطاع وتحديداً مدينة غزة وشمالها، وطالت الاعتقالات النساء والأطفال والشباب وكبار السن.

وأبلغ كثير من المعتقلين الذين جرى الإفراج عنهم عن تعرضهم لإجراءات تعسفية من قِبل الجنود الإسرائيليين خلال عملية اعتقالهم، فيما جرى توثيق مشاهد مصورة تثبت تعمّد الجنود إذلال المعتقلين الفلسطينيين خلال نقلهم إلى مراكز التحقيق داخل الأراضي المحتلة.

تعذيب وإذلال

ويصف خليل اللحظات الأولى لاعتقاله على أيدي القوات الإسرائيلية بأنها كانت "مثيرة للرعب"، إذ حاول في البداية حماية أطفاله في ظل طلب القوات من جميع الرجال التجمع في أحد الشوارع بمنطقة مشروع بيت لاهيا بعد أن جرى إخراج الأطفال والنساء.

ويضيف أن الجنود طلبوا منهم خلع غالبية ملابسهم والبقاء جالسين في العراء لساعات طويلة، قبل أن يجري نقلهم إلى معسكر في منطقة زيكيم القريبة من الحدود الغربية للقطاع، من أجل توزيعهم على السجون والأقسام للتحقيق معهم من قِبل الأجهزة الإسرائيلية.

ويؤكد الأسير المحرر أنهم تعرّضوا للضرب على أقدامهم ومختلف أنحاء أجسادهم وإجبارهم على الوقوف لساعات طويلة في وضعية "القرفصاء"، وهو ما تسبب له لاحقاً في أضرار صحية انعكست بالسلب على أعصابه وعلى منطقة الظهر، إضافةً إلى تفاقم إصابته التي تعرض لها في اليد.

ويلفت خليل إلى أنه مرّ برحلة طويلة قبل أن يُنقل إلى أحد السجون في مدينة القدس المحتلة، إذ خضع للتحقيق والحرمان من الأكل والنوم لساعات طويلة، بالإضافة إلى منع الاحتلال المعتقلين من الدخول إلى الحمامات لقضاء الحاجة واقتصار ذلك على مرة واحدة كل 24 ساعة فقط.

وفي وقت سابق قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي إن "اقتياد الأسرى المدنيين في غزة للاشتباه في كونهم إرهابيين، عندما نجد في المناطق التي نطالب بإخلائها منذ أكثر من شهر رجالاً في سن التجنيد نكون بحاجة إلى اعتقالهم وتحديد الإرهابيين من بينهم، فهذه المناطق هي معاقل لحماس، وشهدنا فيها معارك عنيفة".

أما الفلسطيني عاهد صالح الذي اعتقله الاحتلال الإسرائيلي من منزله في حي الزيتون شرق مدينة غزة، فقد كان موجوداً في منزله خلال بداية المعارك البرية التي نفذها الجيش في تلك المنطقة على مدار الأسابيع الماضية من الحرب الإسرائيلية المستمرة.

ويقول صالح لـTRT عربي إن الجنود الإسرائيليين وضعوا أغطية على أعين المعتقلين في البداية وادّعوا أنهم سينقلونهم إلى مكان آمن، إلّا أنهم اقتادوهم إلى أحد المنازل وأخضعوهم للتعذيب لساعات طويلة خلال فترة احتجازهم.

ويلفت إلى أن الضابط المسؤول عن اعتقالهم وضَعهم هو والجنودُ في إحدى الشاحنات ونقلوهم إلى الحدود بين غزة والأراضي المحتلة، وجرى ضربهم بشكل عنيف وقوي من قِبل الجنود الإسرائيليين، ما تسبب في إصابات في صفوف معظم الأسرى جرّاء ضربهم بأعقاب البنادق على مفاصلهم.

ومن بين الأدوات التي استُخدمت مع صالح وغيره من الأسرى المحررين هي تقييد اليدين وإبقاؤهم أياماً عدة من دون حركة، إلى جانب رش بعض المواد على أفواههم ذات رائحة كريهة ومذاق سيئ للغاية، قبل أن يجري نقلهم إلى أحد المعتقلات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ووفقاً للمعتقل الفلسطيني المفرج عنه مؤخراً فإن الاحتلال حرم المعتقلين من الطعام لمدة 4 أيام قبل أن ينقلوهم إلى أحد السجون في مدينة القدس المحتلة، وجرى خلالها وضعهم في البرد وحرمانهم من الحصول على الأغطية أو الفراش اللازم للنوم عليه خلال فترة السجن.

ويشير صالح إلى أن الاحتلال حرمهم من الطعام وكان يمنحهم خبزاً غير صالح وعليه علامات العفن، بالإضافة إلى كمية شحيحة من الجبن لا تكفي لوجبة واحدة، فيما كانت هذه الوجبة هي طعامهم على مدار يوم كامل، ما تسبب في مضاعفات صحية.

السيدات لم يسلمن من الاعتقال

أما الفلسطينية شريهان عودة التي تعيش في منطقة وادي العرايس بمدينة غزة، فقد اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال العملية البرية التي جرى تنفيذها، مع مجموعة واسعة من أفراد عائلتها الذين كانوا يوجدون في نفس المنزل، حيث طالت الاعتقالات حينها النساء والأطفال والرجال.

وتقول عودة لـTRT عربي إنها حاولت حماية ابنها البالغ من العمر 14 عاماً، إلا أن أحد الجنود الإسرائيليين هددها بالقتل وإطلاق النار عليها، قبل أن يجري تقييدهم ووضع أغطية على أُعينهم ونقلهم إلى مكان آخر غير المكان الذي جرى فيه اعتقالهم من قِبل الجيش.

وتتحدث السيدة الفلسطينية بأن الجنود الإسرائيليين تعمدوا إهانتهم خلال الاعتقال من خلال الضحك بصوت مرتفع والسخرية منهم بعبارات غير لائقة، عدا عن التحقيق لفترات طويلة بحثاً عن المقاومين والمقاومة في تلك المنطقة التي جرى اعتقالهم منها.

وتشير عودة التي سيطر عليها الحزن في أثناء حديثها إلى أن الاعتقال الإسرائيلي لها وللسيدات ألحق ضرراً نفسياً بها نتيجة التعامل اللاإنساني والأسلوب الذي استخدموه من دون مراعاة أنهن سيدات، وهو أمر "لن يُمحى من ذاكرتها".

مطالبات حقوقية.. مصير مجهول

ويؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ضرورة ضغط المجتمع الدولي على إسرائيل للتوقف فوراً عن كل الجرائم التي ترتكبها ضدّ الفلسطينيين من قطاع غزة، لا سيما الاعتقالات التعسفية والحبس غير القانوني والإخفاء القسري لمئات المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة.

ويشدد رئيس المرصد رامي عبده في حديثه لـTRT عربي على أهمية الكشف عن مصير وظروف اعتقال مئات الفلسطينيين، لا سيّما في ظل المعلومات عن تعرض عديد منهم للتعذيب وسوء المعاملة، وكذلك لعمليات إعدام تعسفية تخرج عن نطاق القانون والقضاء.

ويشير عبده إلى الواقعة التي أعلنت عنها الشرطة العسكرية الإسرائيلية يوم الاثنين الموافق 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن فتح تحقيق بشأن قتل جندي إسرائيلي لأسير فلسطيني كان من المفترض أن يحرسه، بأنه ليس حادثاً منعزلاً أو فردياً، في ظل تلقي المرصد شهادات عدة حول قتل الجيش الإسرائيلي العشرات من المعتقلين الفلسطينيين.

ووفق المرصد الأورو متوسطي فإنه لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد المعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة حتى الآن، نظراً إلى حوادث الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي داخل القطاع وصعوبة تلقي البلاغات في قطاع غزة بسبب تشتت العائلات وانقطاع الاتصالات والإنترنت شبه الدائم.

وتشير تقديرات أولية إلى تسجيل أكثر من 3 آلاف حالة اعتقال، بينهم ما لا يقل عن 200 امرأة وطفل، ولا توجد أي معلومات رسمية عن مواقع احتجازهم أو الظروف والتهم الموجهة إليهم.

TRT عربي
الأكثر تداولاً