تابعنا
نغم الخطاب (20 عاماً)، وضعت طفلتها الأولى حديثاً في مركز العودة الصحي في المنطقة التي نزحت إليها، تقول: "عملية الولادة استغرقت ساعتين، وبعدها عدت إلى الخيمة، لم يكن داخل المركز مكان فارغ حتى أمكث فيه، وأحصل على كامل الرعاية الطبية".

في خيمة صغيرة ضيّقة داخل مدرسة حكومية حُوِّلت إلى مركز إيواء في النصيرات وسط قطاع غزة، تكتم نغم خطاب حزنها لفقدانها منزلها بعد استهدافه من الجيش الإسرائيلي في شارع يافا شرقي مدينة غزة، فلم يعد لديها مكانٌ تحتمي فيه من نيران القصف سوى مركز الإيواء.

نزحت نغم من مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة إلى وسط القطاع، وهي تحمل في أحشائها طفلتها، إذ سلكت شارع صلاح الدين الرئيسي مشياً على الأقدام وتحت أصوات القصف وأشعة الشمس وقلة المياه، واضطرت إلى المشي مسافة ستة كيلومترات تقريباً.

وسمح الجيش الإسرائيلي بدخول النازحين من منطقتي شمال قطاع غزة ومدينة غزة إلى مناطق جنوب وادي غزة، عبر شارع صلاح الدين الرئيسي، لفترة زمنية محدّدة تبدأ من الساعة العاشرة صباحاً، وتنتهي عند الساعة الرابعة مساءً، وهو إجراء محاط بكثير من المخاطر وخصوصاً مع عمليات القنص التي تستهدف النازحين وعمليات الابتزاز والاعتقال وكذلك التفتيش.

الحياة في خيمة

نغم الخطاب (20 عاماً)، وضعت طفلتها الأولى حديثاً في مركز العودة الصحي في المنطقة التي نزحت إليها، تقول: "عملية الولادة استغرقت ساعتين، وبعدها عدت إلى الخيمة، لم يكن داخل المركز مكان فارغ حتى أمكث فيه، وأحصل على كامل الرعاية الطبية، نتيجة الاكتظاظ الكبير من النساء الحوامل والإصابات التي تتوالى على المركز نتيجة القصف الإسرائيلي".

وتضيف نغم لـTRT عربي: "أعيش أصعب أيام حياتي مع فقدان مقومات الحياة الرئيسية وانعدام الرعاية الصحية داخل مراكز الإيواء، إذ تفتقد للمياه النظيفة ومياه الاستحمام والطعام والمستلزمات الخاصة بالنساء في هذه الفترة تحديداً، وأغراض الأطفال حديثي الولادة، كلها باتت أشياء مفقودة من الصعب توفيرها مع النقص الشديد للمستلزمات الضرورية داخل المحال التجارية".

ما يزال الاحتلال الإسرائيلي يطبق حصاره على قطاع غزة، المتمثل بإغلاق كامل معابر قطاع غزة مع العالم الخارجي، وأبرزها كرم أبو سالم المخصّص لتصدير وتوريد البضائع، ويمارس الاحتلال عقاباً جماعياً ضد سكان القطاع، ويحرمهم من أبسط مقومات الحياة.

وكما أن المصائب لا تأتي فرادى، فسوء الأحوال الجوية وهطل الأمطار بشكل متفاوت وهبوب الرياح تضاعف من آلام النساء داخل مركز الإيواء، وخصوصاً أن الملابس الشتوية الثقيلة التي يحتاجها الأطفال والنساء باتت من الرفاهية، و يصعب توفيرها في ظل الظروف الاقتصادية التي يمرّ بها النازحون.

وبحسب وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، فإن هناك 830 ألف نازح يقيمون الآن في 154 منشأة تابعة للوكالة، في محافظات قطاع غزة الخمس كافة، بما في ذلك الشمال.

البرد يزيد من معاناتهم

تشير التحذيرات من منخفضات جوية عميقة محمّلة بكثير من الأمطار والرياح والأجواء الباردة، وهذا ما يخشاه النازحون وخصوصاً أن مأواهم عبارة عن خيمة، إضافة إلى أنهم يعانون من قلة الأغطية والمفارش والملابس الثقيلة الخاصة للأطفال والنساء، وتشترك في هذه المأساة جلُّ مراكز الإيواء، وأكثر المتضررين من ظروفها الأطفال والنساء، تحديداً الحوامل والمصابات بأمراض مزمنة.

السيدة لمياء فرام، التي نزحت على كرسيّها المتحرك، فهي مريضة بالسرطان وأجرت سابقاً عمليات عدة في مستشفى الصداقة التركي المخصّص لعلاج الآلاف من مرضى السرطان في غزة.

تقول لمياء إنها "تعيش في ظروف مزرية مع عدم حصولها على أدويتها اللازمة لبقائها على قيد الحياة، فهي لا تستطيع توفيره من الصيدليات، والمستشفى التي كانت تتعالج فيه استُهدف وخرج عن الخدمة، وأوصدت أمامها كامل الطرق".

وتضيف لمياء لـTRT عربي، أنه لا يوجد أي من المساعدات الطبية داخل مراكز الإيواء، ولا حتى المساعدات المتعلقة بالطعام والشراب، فوجبتها الرئيسة هي عبارة عن بسكويت بالتمر فقط.

"البرد لا يرحم، أنا أموت في الخيمة"، كما توصف لمياء الذي ينهش البرد جسدها النحيل كما المرض، وتخشى أن تدخل عليها الأمطار، وتنهدم خيمتها على رأسها، كحال العديد من الخيام التي لم تحتمل الرياح وكان مصيرها الخراب.

وتوافقها بالقول ميسر ظاهر (63 عاماً)، التي نزحت من تل الزعتر شمالي قطاع غزة، وتعيش مع عائلتها المكونة من 25 فرداً في خيمة داخل مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط القطاع، إذ تعتمد ميسر بشكل أساسي على النار والحطب من أجل تأمين طعام أحفادها وأبنائها، الذين يخرجون في النهار، يبحثون عن الحطب في الشوارع والمقابر القريبة من المستشفى.

تجلس ميسر أمام خيمتها مع حفيداتها باحثين عن بعض الدفء في نار الحطب المشتعلة، وتروي كيف نجت من الموت بأعجوبة بعد القصف الشديد الذي تعرضوا له خلال عبورهم شارع صلاح الدين الرئيسي.

وتقول لـTRT عربي: "كنا طوال الطريق نتلفّظ الشهادة، وخرجنا من بيوتنا بأجسادنا فقط، لم نأخذ ملابس ولا حتى أوراقنا الرسمية، وبعض أحفادي نسوا أجهزتهم الإلكترونية".

وتتذكر ميسر الأحداث التي كانت ترويها لها والدتها قبل وفاتها عن نكبة 1948، مؤكدة أنها مصرّة على البقاء في غزة حتى لو عاشت في خيمة فوق ركام ديارها، ولن تعيد تجربة الهجرة مرة أخرى.

بين أربعة بيوت هرباً

زهوة البالغة من العمر 56 عاماً، قضت معظم فترات حياتها بين الزرع والحقل، فهي من منطقة السموني شرقي مدينة غزة، وأبناؤها يعملون في الزراعة، حكايتها أكثر ألماً، اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة من أبنائها في شارع صلاح الدين الرئيسي في أثناء نزوحهم، وشهدت مجزرة مدرسة الفلاح التي استهدفها الجيش الإسرائيلي رغم أنها تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا".

وتقول زهوة لـTRT عربي، إنها تنقلت بين أربعة بيوت هرباً من القصف في مدينة غزة، إضافة لنزوحها إلى مدرسة الفلاح، وصولاً إلى مستشفى شهداء الأقصى، مع أولادها وزوجاتهم مع أبنائهم، وعندما سلكت شارع صلاح الدين اعتقل الجيش الإسرائيلي أبناءها عبد الله السموني (24 عاماً)، همام السموني (16 عاماً)، فرج السموني (37 عاماً)، وهي لا تعرف عنهم شيئاً إلى الآن، وبات مصيرهم مجهولاً.

قاطعتنا في الحديث حفيدة زهوة وابنة المعتقل فرج السموني، باكية تقول: "أريد أبي، لا أريد طعاماً ولا شراباً ولا ملابس، فقط أريد أبي".

كلمات من طفلة تخرج بحرقة، دفعت النساء اللواتي مع زهوة في خيمة مهترئة مكشوفة إلى الحديث عن ظروف النوم، إذ أضفن أن جميعهن تعرضن لنزلة معوية، ومعظم الأطفال تعرّضوا لجفاف؛ بسبب قلة المياه وعدم توافرها، فضلاً عن الحياة غير النظيفة التي يعيشونها من جراء تداعيات الحرب على غزة.

وتلفت زهوة خلال حديثها إلى أن في قلبها حسرة على ما حل بمنطقتها من دمار وخراب، نتيجة القصف الإسرائيلي لها، حتى أضحت معالم المنطقة شبه مخفية.

TRT عربي