تابعنا
حسب نتائج استطلاع أجري في 18 دولة من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، يمكن لليمين المتطرف أن يحقق قفزة حقيقية، وقد يمثل واحدٌ من كل خمسة نواب اليمينَ المتطرف في البرلمان المقبل، أي 22% من المقاعد

قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية التي ستُجرى في يونيو/حزيران المقبل في 27 دولة من أجل اختيار 720 عضواً في البرلمان الأوروبي، توقع معهد "إبسوس" لاستطلاعات الرأي زيادة في عدد النواب المنتمين إلى اليمين المتطرف.

وحسب نتائج الاستطلاع الذي أجرته المؤسسة في 18 دولة من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، يمكن لليمين المتطرف أن يحقق قفزة حقيقية، وقد يمثل واحدٌ من كل خمسة نواب اليمينَ المتطرف في البرلمان المقبل، أي 22% من المقاعد، في حين كانت النسبة 18% عام 2019 وأقل من 10% قبل عشرين عاماً.

وهو ما يمكن تفسيره من خلال استطلاعات الرأي الجيدة لحزب "الجبهة الوطنية"، التي بلغت 30.7% في فرنسا، وتقدُّم حزب "البديل من أجل ألمانيا" في ألمانيا وحزب "الحرية" في هولندا، بل إن حزب "الهوية والديمقراطية" اليميني المتطرف، الذي يعدّ حزبُ التجمع الوطني الفرنسي جزءاً منه قد يثبت نفسه قوةً ثالثة في البرلمان على حساب حزب اليمين الوسطي "تجديد أوروبا".

وسبق أن توقعت بدورها دراسة أجراها المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية، نُشرت في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، تحقيق "اختراق مذهل" للأحزاب اليمينية المتطرفة في مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلال الانتخابات الأوروبية.

ووفقاً لتحليل مركز الأبحاث، فإن "9 من أصل 27 دولة عضواً يمكن أن تشهد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات التي ستُجرى في الفترة من 6 إلى 9 يونيو/حزيران في الاتحاد، وهي: بلجيكا، وفرنسا، وبولندا، والتشيك، وسلوفاكيا، والنمسا، وهولندا، وإيطاليا، والمجر".

ويُتوقع أيضاً أن ينخفض ​​في المقابل عدد مقاعد حزب "الشعب الأوروبي" من 179 إلى 173 عضواً في البرلمان الأوروبي (أقل بستة مقاعد)، في حين سيحصل "الديمقراطيون الاشتراكيون" على 10 مقاعد أقل مما هو عليه حالياً (131 مقابل 141 اليوم).

تقدُّم متوقَّع

يقول جان إيف كامو، المدير المشارك لمرصد الراديكالية السياسية التابع لمؤسسة جان جوريس، إن هذا التقدم لليمين المتطرف "لا يبدو مفاجئاً للغاية" لأن الاتجاه الملحوظ في مختلف الدول الأعضاء سينعكس بالطبع على البرلمان الأوروبي.

ويوضح كامو في حديثه مع TRT عربي أنه في السنوات القليلة الأخيرة، تقدمت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا بشكل لافت، فمثلاً في نوفمبر/تشرين الثاني كان حزب "من أجل الحرية" اليميني المتطرف هو الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية في هولندا، وكذلك في فنلندا ولاتفيا وسلوفاكيا، تشارك أحزاب اليمين المتطرف في الائتلافات الحكومية.

ويضيف أنه في إيطاليا يتولى حزب "فراتيلي ديتاليا" بقيادة جورجيا ميلوني، السلطة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، في حين سجلت أحزاب اليمين المتطرف في بلدان أخرى زيادات انتخابية، كما حدث في فرنسا عام 2022، أو في فنلندا، أو في ألمانيا.

وتُظهر خريطة أوروبا التي رسمها مركز الأبحاث الألماني (SWP) أن الأحزاب اليمينية المتطرفة واليمينية المتشددة تشارك بالفعل في ائتلاف الحكومات في خمس دول أعضاء.

وتحتل هذه الأحزاب المركز الأول أو الثاني في نيات التصويت الخاصة بالبرلمان الأوروبي، لا سيما في فرنسا، إذ حصل حزب "التجمع الوطني" على 28% من الأصوات في الانتخابات الأوروبية، وفي ألمانيا يأتي حزب "البديل من أجل ألمانيا" في المرتبة الثانية بعد "الديمقراطيين المسيحيين"، وفي النمسا يهيمن حزب "الحرية النمساوي" على المشهد السياسي.

في المقابل يرى رئيس معهد الأمن والاستشراق الأوروبي إيمانويل ديبوي، أن اليمين المتطرف "لن يحقق الأغلبية أو يُحدث تغييراً جذرياً" في تكوين البرلمان الأوروبي.

وفي حديثه مع TRT عربي يعلل ديبوي سبب ذلك قائلاً: "لأن أحزاب اليمين واليمين المتطرف لا تنتمي إلى نفس التكتل السياسي في البرلمان الأوروبي".

من ناحية أخرى، يرى الخبير السياسي برونو كوتريس، أن التغيير سيكون على مستوى عدد النواب البرلمانيين المنتمين إلى اليمين المتطرف، إذ بمجرد انتخابهم يتجمع النواب معاً، ليس حسب البلد ولكن "حسب الانتماء السياسي لتشكيل مجموعات".

ويُحذر كوتريس في حديثه مع TRT عربي من ألمانيا في المقام الأول التي قد تورد عدداً مهماً من النواب من حزب اليمين الراديكالي "البديل من أجل ألمانيا"، إلى جانب البرتغال وبلجيكا وهولندا والنمسا وفرنسا أيضاً.

ويرى كوتريس أن السؤال الكبير المطروح حالياً هو: "هل يمكن أن تتغير التحالفات قليلاً، ويتأثر بذلك التحالف الكبير للمحافظين؟".

من ناحيته يرى كامو أن ما يغذّي هذا التقدم في صفوف اليمين المتطرف التي تجنبت أن تحمل أجندتها طلب الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وبدلاً من ذلك فضّلت الدعوة إلى سيادة القانون الداخلي لكل دولة على القوانين الأوروبية، عكس ما هو موجود حالياً.. هو "عدم قدرة الأوروبيين على تحقيق الرواية المشتركة".

ويلفت المدير المشارك لمرصد الراديكالية السياسية إلى أن "الفرنسي مثلاً لا يعرّف نفسه على أنه فرنسي أوروبي، يكتفي بانتمائه إلى فرنسا لكن لا يعبّر عن انتمائه لأوروبا".

عواقب الصعود المرتقَب

ويبدو أن الوجه المستقبلي للبرلمان الأوروبي، إذا تحقق فعلاً صعود اليمين المتطرف، سيُخلف عواقب على القرارات الأوروبية من خلال رئاسة اللجان في البرلمان الأوروبي.

وفي هذا السياق، يوضح كوتريس أنه في حال حازت جورجيا ميلوني مثلاً مزيداً من الأصوات داخل مجموعتها، "ستسعى إلى الحصول على رئاسة بعض اللجان، وهذا سيكون له تأثير جليّ، خصوصاً لو كانت لجان الدفاع التي يترأسها الوسطيون حالياً أو المالية والميزانية".

ويُحذّر الخبير في المجموعات اليمينية المتطرفة جان إيف كامو، من تعرّض قدرة المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي على اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية، "لأن نتائج الانتخابات يمكن أن تشكّل النقاش الوطني بطريقة قد تدفع بعض الدول الأعضاء إلى تغيير موقفها بشأن السياسة الخارجية، الأمر الذي قد يؤدي على المدى الطويل إلى تغيير موقفها بشأن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي".

ويعتقد كامو أنه قد يكون لذلك تأثير في "الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا أو حتى تأخير انضمامها إلى الاتحاد"، وكذلك في إجراءات الاتحاد الأوروبي الطموحة لمكافحة تغير المناخ وتعطيل التحول الأخضر للاتحاد الأوروبي.

وإلى جانب هذا، يلفت كامو إلى أن قوى اليمين المتطرف تحاول الاستفادة من استياء المزارعين والصيادين المحبطين من ثقل السياسات الخضراء، الذين خرجوا مؤخراً إلى الشوارع للاحتجاج في عدد من الدول الأوروبية.

من جهته يستبعد إيمانويل ديبوي أن تركز أحزاب اليمين المتطرف كعادتها على ملف الهجرة فقط، بل ستستغلّ أيضاً المشكلات المترتبة على ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في أوروبا.

TRT عربي