تُحيي إسرائيل الخميس، الذكرى 44 لحرب أكتوبر/تشرين الأوّل مع مصر، وذلك وفق التقويم العبري، إذ يصادف اليوم "يوم الغفران" الذي اندلعت فيه الحرب، بمشاركة مصر وسوريا.
وبينما يحيي الإسرائيليون هذه الذكرى، عادت صحف عبرية كثيرة إلى الوراء لتكشف تفاصيل لم تكن كُشفت بعد في ظلّ سياسة التعتيم الإسرائيلية والرقابة على المحتوى بأشكاله كافة، فيما سعت صحيفة هآرتس لإثارة الموضوع الأكثر جدلاً، وهو موضوع "العميل" أشرف مروان" الذي كان مقرباً من الرئيس جمال عبد الناصر، ثم أنور السادات، إضافة إلى إدارة حسني مبارك.
تثير الصحيفة خلال لقاء مع مسؤول سابق في جهاز الموساد، وهو المشغّل الفعلي لأشرف مروان، كثيراً من التساؤلات، وتكشف خبايا عدّة، أهمها كيف تسببت إسرائيل في مقتل الجاسوس الذي كان يُطلَق عليه لقب "الملاك" نتيجة الجهود والخدمات التي أسداها إليها، وكذلك كيف تأكدت تل أبيب من أنه لم يكن عميلاً مزدوجاً، وما أهم المعلومات التي زوّد بها مشغليه.
تقول الصحيفة إن "دوبي" وهو لقب مسؤول الموساد الذي أشرف على متابعة أشرف مروان لا يزال حتى اليوم لا يسمح بنشر تفاصيل اسمه خشية على نفسه.
والتقى الصحفي الإسرائيلي ومحرر الشؤون الأمنية يوسي ميلمان في "دوبي" قبيل ذكرى "حرب يوم الغفران" لنقل تفاصيل جديدة وفتح قضايا تفتح لأوّل مرة حول قضية "الملاك" التي لا يزال كثير من رموزها غامضاً حتى اليوم.
يقول "دوبي" إن الجلسة الأولى التي عقدت مع أشرف مروان في لندن كانت بعد ثلاثة أسابيع فقط من وفاة جمال عبد الناصر، مشيراً إلى أن مروان استطاع بسرعة فائقة التقرب من خليفته السادات حتى بات "بئر أسراره".
كما يكشف أن "الملاك" اتصل به هاتفياً قبل اندلاع حرب أكتوبر/تشرين الأول بيومين فقط، وقال له كلمة السر وهي "مواد كيميائية"، مشيراً إلى أن هذه الكلمة التي تلفظ بالعبرية "كيميكليم" كانت تعني بالنسبة إلى الموساد بناءً على ما جرى الاتفاق عليه مع مروان أن "حرباً على الأبواب".
يضيف دوبي أنه سأل مروان على الفور: "عن أي مواد كيميائية تتحدث؟ فقال: الكثير منها، الكثير"، ويقول دوبي: "كانت تلك إشارة من مروان إلى أن الوضع خطير للغاية".
ويضيف: "كلمة كيميكليم كانت كلمة سرية تجيب أسئلة كثيرة منها حول موعد الحرب وكيف سيباشرون الهجوم، وهل ستبدأ بقصف جوي أو من خلال اجتياح أرضي"، مشيراً إلى أن المكالمة التي أجراها مروان مع الموساد كانت من العاصمة الفرنسية باريس.
ويقول إن "المكالمة جاءت عقب عودة مروان من ليبيا، كان هناك من أجل التنسيق مع القذافي بناءً على أوامر السادات، كانوا ينسقون من أجل نقل الخط الجوي لشركة الخطوط الجوية المصرية إلى طرابلس خلال الحرب، وكذلك جميع السفن التابعة لسلاح البحرية المصرية إلى ميناء طبرق كي لا تكون هدفاً لإسرائيل".
يضيف دوبي: "لأن مروان أشرف على هذا التنسيق، كُنّا نعرف كل شيء".
يشير مسؤول الموساد إلى أنه زوّد الجهات المعنية فوراً بالمعلومات التي زوّده بها مروان "لكن يبدو أن مسؤولين في إسرائيل لم يتخذوا القرار المناسب وشككوا في صحة المعلومات، ما أدى في النهاية إلى دخول حرب كأنها مفاجئة وجاءت على غفلة".
يقول دوبي إن مروان كان على علاقة بأجهزة استخبارية عدّة في العالم من ضمنها الاستخبارات الإيطالية والبريطانية وذلك بموجب تكليفه من الرئيس أنور السادات، "لكن الجهاز الوحيد الذي حصل مروان منه على أموال كان جهاز الموساد، يمكننا القول إنه كان عميلاً مدفوع الأجر".
ويحتفظ دوبي لنفسه بمسدس حتى اليوم يقول إنه "كان هدية من الملاك، وقد حاولت أن أرفضه لكنه أصرّ بأن لا يعيده إلى جيبه".
كيف تسببت إسرائيل بقتله؟
يوضح دوبي أن "رئيس جهاز الاستخبارات "أمان" السابق زعيرا كان قد سرّب معلومات حول أشرف مروان، وأهمها كان اسمه بالتالي هذا تسبب في نهايته الأليمة.
وتوفي مروان بعد أن "سقط" من شرفة منزله في لندن في يونيو/حزيران عام 2007، وقد وقع الحادث بعد ظهر الأربعاء، وقد ذكر بيان صادر عن الشرطة أن التحقيقات حول ظروف حادث سقوطه من شرفة منزله لا تزال مستمرة، وعلى الرغم من وجود كاميرات مراقبة بموقع وفاته فإن تعطلها حال دون توافر تسجيل للحادث.
وتشير تقديرات إلى أن مروان لم يسقط وحده من شرفة منزله ولكن تعرض للقتل بعدما كشف اسمه، ويشير دوبي إلى أن مسؤول الموساد "زمير" كان قال في سياق اجتماع: "لقد قتل الرجل"، في إشارة إلى تداعيات تسريبات زعيرا.
تقول "هآرتس" إن دوبي وافق على إجراء المقابلة في المقام الأوّل من أجل "الدفاع" عن أشرف مروان وتفنيد الروايات التي تشكك في إخلاصه لإسرائيل وتتهمه بأنه كان عميلاً مزدوجاً وهو ما ينفيه دوبي تماماً.
يقول رجل الموساد إن "اتهام أشرف مروان بأنه كان عميلاً مزدوجاً عارٍ عن الصحة".
ويضيف: "لقد كان العميل الأكثر أهمية بالنسبة إلينا، للأسف لم تستجب إسرائيل قبل الحرب التي أنهكتها لمعلوماته ومن أجل ذلك خسرت".
يوضح: "لدينا الكثير من الأدلة التي تؤكد أن مروان كان جاسوساً ذا معايير عالية ساعد إسرائيل، لقد حاول التواصل معنا عندما كان عبد الناصر حياً وكان يسعى لإقصائه، ليس وارداً أن يجنده عبد الناصر في تلك الفترة للعمل عميلاً مزدوجاً".
ويشير إلى أن "جودة المعلومات التي كان يزودنا فيها تنفي كونه مزدوجاً، لقد زودنا بمعلومات هامة عن خطط الحرب، وكذلك عن نقل طائرات وسفن إلى ليبيا قبل الحرب، كذلك زودنا بمخطط مصري كان يهدف إلى إسقاط طائرات إسرائيلية وكل هذه المعلومات تأكد لنا أنها ذات مصداقية".
ويقول إن "مروان زود إسرائيل بمعلومات هامة قبل وقوع الحرب، من ضمنها حول لقاء بين السادات والرئيس السوري في حينه حافظ الأسد بالقاهرة في أبريل/نيسان عام 1972 الذي تقرر خلاله تأجيل الحرب للتزود بالسلاح".
كما كشف دوبي أن أشرف مروان شارك في أغسطس/آب عام 1973 في اجتماع عقده أنور السادات مع الملك فيصل في الرياض لطلب التزود بالسلاح، "وقد رأيت بأم عيني تقريراً من (الملاك) حول هذا الاجتماع".