المعركة الأخيرة.. كيف دحرت الثورة المسلحة التونسية الاستعمار الفرنسي؟
بعد مرور سبعة عقود على آخر معركة في مسيرة النضال الوطني لحصول البلاد على استقلالها من الاستعمار الفرنسي، يتذكر التونسيون اليوم أهم محطات الثورة الشعبية المسلحة، والرموز الوطنية التي كانت أعلنت الكفاح المسلح لافتكاك الاستقلال والسيادة الوطنية.
تغلبت الفلاقة التونسية على قوات الاحتلال الفرنسي في عدة معارك (Others)

إن حصول تونس على الاستقلال يوم 20 مارس/آذار 1956، كان ثمرة لمسيرة طويلة من النضال والكفاح الوطني والآلاف من الشهداء.

وبينما يحتفي التونسيون في كل عام بتاريخ استقلالهم وحصولهم على السيادة الوطنية، يستذكرون في الأثناء العديد من المحطات البطولية التي خاضتها البلاد في طريقها إلى الاستقلال، ولكن تغيب عن ذاكرة البعض منهم محطة تاريخية فارقة كانت تعتبر، حسب رأي العديد من المؤرخين والناشطين، بداية الاستقلال الحقيقية.

فالثورة المسلحة الشعبية التي أطلقها التونسيون عام 1952، لطالما كانت بمثابة الثورة المنسية، بالرغم من أنها كانت سبباً هاماً في دحر الاستعمار، وتتويج بطولات المقاومين والرموز الوطنية والنضالية طيلة سنوات.

القيادات الوطنية تدعو إلى الكفاح المسلح

بعد العديد من المفاوضات والضغوطات السياسية، تمكن التونسيون عام 1950 من تشكيل أول حكومة تونسية برئاسة محمد شنيق، وذلك دون الرجوع إلى المستعمر الفرنسي. وتعهدت آنذاك الحكومة التونسية بقيادة المفاوضات مع فرنسا لحصول البلاد على الاستقلال.

وعلى عكس المتفق عليه، تنصلت فرنسا تدريجياً من كافة تعهداتها، حتى أدى ذلك إلى انقطاع قناة الحوار بينها وبين الحكومة التونسية، بالرغم من كل الجهود الديبلوماسية والسياسية.

أدى ذلك إلى غضب واحتقان شعبي، وتأججت الاحتجاجات والمطالبات الشعبية، التي تزعمها في ذلك الوقت الحزب الدستوري الجديد بقيادة رئيسه آنذاك الحبيب بورقيبة، والاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة الرحل فرحات حشاد، إضافة إلى المنظمات الشبابية والكشفية والطلابية والنسائية.

حاولت فرنسا في ذلك الوقت احتواء المظاهرات وإجهاض أي احتجاج أو تحرك من شأنه أن يضعف قبضتها على البلاد، فعينت مقيما عاما جديد، يدعى جان دي هوتكلوك، وصفه حينها الكثيرون بكونه متعصباً ومتشدداً.

وصادف يوم وصول المقيم العام الجديد إلى تونس، يوم 13 يناير/كانون الثاني 1952، اليوم الذي توجه فيه بورقيبة بخطاب إلى الجماهير التونسية، في مدينة بنزرت الواقعة شمال البلاد، يدعوهم فيها لضرورة المواجهة مع المحتل.

وكانت دعوة الحزب الدستوري إلى المقاومة العسكرية، واحدة من بين العديد من الأصوات الوطنية التي قد دعت من جانبها في ذلك الوقت إلى ضرورة الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي.

وتقدم في ذلك الوقت أيضاً وفد تونسي يضم صالح بن يوسف ومحمد بدرة بشكاية ضد المحتل الفرنسي لدى الأمم المتحدة.

فاقمت هذه التحركات والاحتجاجات من غضب القوات الفرنسية، التي شنت حملة اعتقالات واسعة طالت عديداً من الناشطين والقيادات الوطنية من بينهم الحبيب بورقيبة والمنجي سليم. وذلك صبيحة يوم 18 يناير/كانون الثاني 1952، أي قبل ساعات قليلة من انعقاد المؤتمر الرابع السرّي للحزب الدستوري الجديد المقرر للمطالبة بإلغاء الحماية الفرنسية وإعلان استقلال تونس، وتنظيم علاقتها مع فرنسا على أساس الاحترام المتبادل.

الثورة الشعبية المسلحة.. المعركة الأخيرة

أثار خبر اعتقال بورقيبة والمنجي سليم وبعض الناشطين غضب الشارع التونسي وعمت الإضرابات والاحتجاجات كافة البلاد، ووقع عديد من الصدامات بين المتظاهرين وقوات الاحتلال الفرنسي التي قابلتها القوات الفرنسية بالرصاص، وأسفرت عن سقوط عشرات الجرحى والقتلى.

وكانت تلك شرارة الثورة الشعبية المسلحة التي امتدت إلى كافة ربوع البلاد. واندلع عديد من المعارك المسلحة من شمال البلاد إلى أقصى جنوبها، توحدت فيها صفوف التونسيين.

وحاولت القوات الفرنسية التصدي لهذه التحركات الشعبية، وتوسعت في الأثناء دائرة الاعتقالات من كافة المنظمات والأحزاب والتيارات التونسية، وامتلأت السجون بآلاف التونسيين الذين مورست عليهم أسوء أشكال العنف والتعذيب.

وحوكم أكثر من 3 آلاف تونسي، أصدرت في حق الكثير منهم أحكام قاسية من إعدامات وأعمال شاقة.

وفرضت القوات الفرنسية قانون حظر التجوال، ونزلت الدبابات إلى الشوارع لبث الرعب في قلوب التونسيين، الذين لم يثنهم ذلك عن الاستمرار في المقاومة. ومع امتداد الحركة الشعبية، نفذت قوات الاحتلال الفرنسي أبشع المجازر البشرية في عدة مدن تونسية وهدمت المئات من المنازل.

وقدم التونسيون في ذلك الوقت الدعم اللازم، إلى ثوار الفلاقة الذين التجؤوا بدورهم إلى الجبال، لمحاربة المحتل. ووفروا لهم المؤونة وهربوا إليهم السلاح عبر الدواب والإبل.

وخاض الفلاقة حينها عديداً من المعارك المسلحة، التي منيت فيها القوات العسكرية الفرنسية بالعديد من الهزائم الموجعة في مناطق متفرقة من البلاد، بالرغم من استخدامهم عدداً صغيراً من الرصاص وبعض البنادق البدائية.

ونفذ من جانبه الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابات واسعة، واستمرت المظاهرات والاحتجاجات بالبلاد.

واستمر ذلك عدة سنوات، مارست فيها فرنسا أبشع جرائمها الإنسانية، ولقيت فيها الدعم من المجموعات المتشددة من المعمرين الذي احتضنوا عصابة اليد الحمراء والتي نفذت العديد من الاغتيالات وكان ابرزها اغتيال فرحات حشاد.

حتى انتهت آخر معارك النضال الوطني، بإعلان الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي يوم 20 مارس/آذار 1956.

TRT عربي