في أوّل أسبوعين من هجومها المضاد، خسرت أوكرانيا ما يصل إلى 20% من الأسلحة التي أرسلتها الدول الغربية إلى ساحة المعركة، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين. والتي شملت آلات ومدرعات غربية كانت قد حظيت بضجة إعلامية كبيرة، بما في ذلك الدبابات وناقلات الجند المدرعة، والتي كان الأوكرانيون يعولون عليها كثيراً لهزيمة الروس، وفقاً لما نقلته نيويورك تايمز.
ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن معدل الخسائر الكبيرة انخفض إلى حوالي 10% في الأسابيع التي تلت ذلك، مما أدى إلى الحفاظ على المزيد من القوات والآلات اللازمة للهجوم الكبير الذي يقول الأوكرانيون إنه لم يأت بعد. هذه الخسائر دفعت أوكرانيا إلى التوقف وتغيير تكتيكاتها الهجومية وفق مراقبين.
وبينما يعزو بعض الخبراء هذا الحجم من الخسائر إلى قوة الدفاعات الروسية وكفاءة كتيبة المهندسين الروس، إلا أن هناك من يشير إلى "البداية السيئة" للأسلحة الغربية، وبالأخص الدبابة الألمانية ليوبارد والمدرعة الأمريكية برادلي، في الإبحار في حقول الألغام التي زرعتها القوات الروسية على طول خط الجبهة.
"مذبحة المدرعات"
منذ انطلاق الهجوم المضاد، تعمدت وزارة الدفاع الروسية نشر الصور التي تُظهر مركبات برادلي ودبابات ليوبارد المدمرة على طول خط الجبهة بأوكرانيا. وفي ليلة 8 يونيو/حزيران وحدها، خسرت أوكرانيا 38 دبابة، بما في ذلك العديد من دبابات ليوبارد، التي دخلت مباشرة في حقول الألغام من دون نشر مركبات لإزالة الألغام أولاً، حسب ما نقل موقع آسيا تايمز.
وأشار تقرير حديث نشره موقع بيزنس إنسايدر إلى أن ما يقرب من ثلث مركبات برادلي المدرعة التي قدمتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا ربما تكون قد دُمرت أو تضررت بالفعل. ومن بين ما لا يقل عن 100 ناقلة جند مدرعة من طراز برادلي أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، دمر الروس حوالي 34 منها في الأيام الأولى من الهجوم المضاد.
وخلال التخطيط للهجوم المضاد، كان من المفترض أن تحمل مدرعات عائلة برادلي- التي تزن 34 طناً ومصممة لنقل قوات المشاة عبر المناطق المعرضة لنيران المدفعية- الجنود عبر الحقول المفتوحة في جنوب البلاد للوصول إلى الخنادق والمخابئ الروسية. وبينما نجحت جزئياً في حماية الجنود الأوكرانيين على متنها، إلا أن برادلي فشلت في كثير من الحالات وشلت حركتها قبل أن تتمكن من الوصول إلى الخطوط الروسية.
تباطؤ الهجوم المضاد
يعزو خبراء تراجع الخسائر بالأسلحة الغربية إلى تباطؤ الهجوم المضاد، وحتى توقفه في بعض الأماكن، بالأساس، حيث يكافح الجنود الأوكرانيون ضد الدفاعات الروسية الهائلة. وحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإنه بالرغم من حجم الخسائر الفادحة، إلا أن القوات الأوكرانية لم تقطع حتى الآن سوى خمسة أميال فقط من أصل 60 ميلاً يأملون في تغطيتها للوصول إلى البحر في الجنوب وتقسيم القوات الروسية إلى قسمين.
ووفقاً للخبير العسكري سيزار بينتادو، ظهرت أوجه القصور في بعض النماذج القديمة من دبابات ليوبارد ومركبات مشاة برادلي، مما يشير إلى أنها لم تعد تستحق الاستخدام في الحرب الحديثة.
ويميل بعض المحللين إلى إرجاع ذلك إلى أخطاء في استخدام مثل هذه المركبات ونقص في التدريب. إذ يلفت الخبير العسكري ماثيو شميدت من جامعة نيو هافن الانتباه إلى الاختلاف في مناهج الحرب في الغرب والشرق، وأن التدريب يستغرق وقتاً وممارسة، حسب ما نقل موقع يورو نيوز.
من جهته، أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هذا الأسبوع، بأنه كان هناك توقف قصير في العمليات قبل بضعة أسابيع، لكنه ألقى باللوم على نقص المعدات والذخيرة، ودعا الحلفاء الغربيين إلى تسريع وتيرة التسليم.
وحسب نيويورك تايمز، فقد أقر المسؤولون الأمريكيون بهذا التوقف وقالوا إن الأوكرانيين بدؤوا في التحرك مرة أخرى، ولكن ببطء أكثر تعمداً وأكثر مهارة في الإبحار في حقول الألغام وإدراكهم لمخاطر الإصابات. وقالوا إنه مع تدفق الذخائر العنقودية من الولايات المتحدة، فإن الوتيرة قد تزداد.
بالمقابل، حذر محللون عسكريون من التسرع في استخلاص استنتاجات نهائية حول الهجوم المضاد. وقال كاميل غراند، الخبير الدفاعي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ومساعد الأمين العام السابق لحلف الناتو: "هذا لا يعني أنه محكوم عليه بالفشل".
وأشار غراند إلى أن غياب التفوق الجوي والدفاعات الجوية التي يمكن أن توفرها الطائرات الغربية للهجوم الأوكراني يعني "أن معدلات الضحايا من المرجح أن تكون أعلى مما كانت عليه في النزاعات التقليدية الأخرى". وهو ما ترك القوات الأوكرانية عرضة للمروحيات الهجومية والمدفعية الروسية.
دفاعات روسية منيعة
لم يقتصر السبب في تباطؤ الهجوم الأوكراني المضاد على فشل الأسلحة الغربية وحسب، بل يرجع أيضاً إلى قوة وصلابة الدفاعات التي بناها الروس على طول خط المواجهة الممتد بطول 600 ميل. وهو ما دفع الخبراء العسكريين للقول منذ فترة طويلة إن أول 15 ميلاً من الهجوم المضاد ستكون الأصعب، لأن القوات المهاجمة تحتاج عموماً إلى قوة أكبر بثلاث مرات، سواء في الأسلحة أو الأفراد أو كليهما، من القوات الدفاعية.
وعن مناعة الدفاعات الروسية، كتب جاك واتلينج، خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، منتصف الشهر الماضي، أن أوكرانيا تشق طريقها عبر مواقع دفاعية روسية تتكون من خنادق محفورة يدوياً مدعومة بحقول ألغام وتحميها طائرات من دون طيار ومدفعية. وأضاف أن "خط الدفاع الرئيسي الذي لا يزال على بعد 15-20 كيلومتراً من المواقع الأوكرانية".
وفي تقرير سابق عن التكتيكات الروسية، قال واتلينج إن "الهندسة الروسية أثبتت أنها واحدة من أقوى فروع الجيش الروسي". وقال إن المهندسين كانوا يقومون ببناء "عقبات معقدة وتحصينات ميدانية عبر الخطوط الأمامية، وإن الدفاعات الروسية تشكل تحدياً تكتيكياً كبيراً للعمليات الهجومية الأوكرانية"، وفقاً لما نقله موقع بيزنس إنسايدر.
والأربعاء، قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس: "إن الهجوم المضاد ليس بالسرعة المتوقعة، لكنه اعتبر أن التأخر عن الجدول الزمني ليس كارثياً. إن القوات الأوكرانية تفعل ما سيفعله أي شخص آخر للقتال عبر حقول الألغام باتجاه الخط الروسي".