من إفريقيا إلى أوروبا وأمريكا.. ضربات متلاحقة تلقتها سياسات فرنسا في العالم
من إفريقيا إلى أوروبا ثم الولايات المتحدة وأستراليا، أسبوع حافل من الضربات المتلاحقة التي عرفتها السياسة الخارجية والعسكرية الفرنسية، راسمة صورة أيام قد تكون الأكثر حلكة في تاريخ الجمهورية المعاصر.
من إفريقيا إلى أوروبا وأمريكا.. ضربات متلاحقة تلقتها سياسات فرنسا في العالم (Reuters)

ربما هي أسوء أيام تمرُّ على قصر الإليزيه وساكنه، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المقبل بعد أقل من سبعة أشهر على انتخابات رئاسية، كأن كل الظروف تتكالب كي تنتزع الولاية الثانية من بين يديه. ظروف بذرت سياسته بذورَها الأولى، يقول مراقبون ويؤكدون أن تلك السياسات رعتها وسقتها، وهي تجني الآن ثمار الهزائم واحدة تلو أخرى.

فمن ضياع "عقد القرن" بعد تخلي أستراليا عن الغواصات الفرنسية، ثم تدهور العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا، وصولاً إلى تعاقد السلطات المالية مع مرتزقة "فاغنر" الروسية كبلد إفريقي ثانٍ يسقط من نفوذ باريس نحو الحضن الروسي والتصعيد المحتمَل مع سويسرا بسبب شرائها طائرات F-35 الأمريكية عوضاً عن رافال الفرنسية. كلها معالم لتلك الهزائم المتتالية التي عرفتها السياسات العسكرية للجمهورية.

طعنة "عقد القرن"!

بلغ التصعيد في ما بات يعرف إعلامياً بـ"أزمة الغواصات" حدّ استدعاء باريس سفرَيها من كانبيرا وواشنطن من أجل التشاور، كما ذكرت مصادر إعلامية إلغاء اجتماع بين وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي ووزير الدفاع البريطاني بين والاس، كان مقرراً انعقاده الأسبوع الجاري.

ويأتي هذا رداً على التراجع المفاجئ لأستراليا الأربعاء 15 سبتمبر/ أيلول، عن صفقة أبرمتها في 2016 مع مجموعة "نافال غروب" الفرنسية للصناعات الدفاعية لشراء غواصات تقليدية، لكي تحصل بالمقابل، في إطار شراكة أبرمتها مؤخراً مع الولايات المتحدة وبريطانيا، على غواصات تعمل بالدفع النووي.

وعلَّق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على القرار الأسترالي بأنه "طعنة في الظهر"، مضيفاً في حديثه لإذاعة "فرانس إنفو": "أقمنا علاقة مبنية على الثقة مع أستراليا، وهذه الثقة تعرضت للخيانة"، وأن "هذا القرار الأحادي والمفاجئ وغير المتوقع يشبه كثيراً ما كان يفعله ترمب". فيما اعتبرته فلورانس بارلي، وزيرة الدفاع الفرنسية، "أمراً خطيراً جيوسياسياً وعلى صعيد السياسة الدولية".

وكانت أستراليا، قبل أن تتخلى عنه، أبرمت عقداً لشراء غواصات فرنسية الصنع بقيمة 56 مليون يورو، احتفت به الحكومة الفرنسية حينها، ولقبه وزير خارجيتها بـ"عقد القرن". فيما دافعت كانبيرا عن قرارها، على لسان رئيس وزرائها سكوت موريسون، بأن "الحكومة الفرنسية تعلم أن كانبيرا لديها تحفظات عميقة بشأن موضوع الغواصات الفرنسية، قبل فسخ اتفاقية الشراء الأسبوع الماضي"، موضحاً أن الغواصات الفرنسية "لا تلبي مصالحنا الاستراتيجية، وقد أوضحنا أننا سنتخذ قرارا بنَّاءً بشأن استراتيجيتنا الوطنية".

السويسريون لا يريدون الرافال!

بوادر أزمة جديدة تلوح في الأفق بين فرنسا وسويسرا، موضوعها هزيمة أخرى مُنيت بها صناعة السلاح الفرنسية بتراجع سويسرا عن شراء طائرات الرافال الفرنسية، معوضة إياها بـ36 طائرة مقاتلة من طراز F-35A من شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية، وخمس وحدات صواريخ باتريوت أرض-جو من شركة "رايثيون" الأمريكية أيضاً.

وأوردت وسائل إعلام سويسرية في يونيو/حزيران الماضي بأن حكومتها الفيدرالية تعتزم تعزيز دفاعاتها الجوية من شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية، مفضِّلة إياها على شركة "داسو" الفرنسية مصنعة مقاتلات الرافال.

"هو قرار سيادي سويسري ونحن نحترمه، وليس على الجانب الفرنسي أن يسائل هذا القرار"، علقت وزيرة الجيوش الفرنسية على قرار جنيف بخصوص الرافال، فيما قال الجانب السويسري في بيان له إن "الطائرات الأمريكية تحقق نتائج جيِّدة، كما تفتح آفاقاً جديدة لشراكات أكثر نفعاً ومساحة ولوج واسعة للمعطيات وتبادل الخبرات التقنية" في إشارة إلى مصلحة السويسريين في الشراكة الأمريكية عوض الفرنسية في هذا المجال.

وربطت مصادر إعلامية سويسرية في تقاريرها الأحد، إلغاء قمة كان من المزمع أن تجمع ماكرون برئيس الاتحاد السويسري غي بارمولا في باريس بقرار الحكومة السويسرية عدم اقتناء الرافال الفرنسية. لكن سرعان ما همَّ الإليزيه في بيان له بنفي الخبر، موضحاً أن موعد القمة لم يحدد بعد بشكل نهائي، إذ وافق ماكرون مبدئياً على أوائل العام الجاري موعداً للقاء الرئيس بارمولا.

تساقط الساحل لصالح روسيا!

في ظل كل هذه التطورات المتسارعة، نقلت وسائل إعلام فرنسية أن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي وصلت الأحد إلى النيجر في إطار زيارة تستغرق يومين لمنطقة الساحل الإفريقي. يأتي هذا أيضاً تزامناً مع أنباء حول توقيع السلطات المالية عقداً بـ10 ملايين دولار شهرياً مع شركة "فاغنر" الروسية للتعهدات الأمنية.

وكشفت تقارير إعلامية بريطانية اقتراب الشركة الروسية المقربة من الكرملين من توقيع عقد بموجبه تنشر 1000 عنصر من مرتزقتها لدعم الحكم العسكري في باماكو. لتصبح به مالي ثاني بلد إفريقي يسقط من يد النفوذ الفرنسي لصالح الروس بعد جمهورية إفريقيا الوسطى.

وتحاول باريس استباق لجوء دول أخرى في منطقة الساحل والصحراء إلى حضن الروس، وهو ما يفسر زيارة وزيرة جيوشها للمنطقة.

TRT عربي