هل تنهار السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان؟
برز محمد بن سلمان، الذي يفتقر إلى الخبرة، باعتباره وريثاً وحاكماً فعلياً للمملكة العربية السعودية، بينما يتابع بلا هوادة تنفيذ أجندة سياسية طموحة تتضمَّن مواجهة إيران، الغريمة اللدودة للسعودية في الشرق الأوسط، وإصلاح المؤسسات الوهابية في المملكة.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (Reuters)

لكنَّ العديد من الخبراء حذروا من أنَّ محمد بن سلمان ليس الشخص المناسب لقيادة البلاد، مستشهدين بسجِلِّه السيئ والتداعيات الكارثية لسياسته الخارجية.

إذ قال سامي العريان، وهو أستاذ جامعي يحمل الجنسيتين الأمريكية والفلسطينية ومدير مركز الإسلام والشؤون العالمية بجامعة صباح الدين الزعيم في إسطنبول، متحدثاً عن الأمير السعودي: "إنه ليس الشخص المناسب لقيادة المملكة بالتأكيد".

وأضاف: "إنه شخص جاهل تماماً. ومجرد شخصٍ طموح وطائش وهمجي. لقد رأينا ما فعله بجمال خاشقجي في إسطنبول. إنه مستعدٌ لفعل أي شيء من أجل مصلحته، بما في ذلك القتل والتشويه والتعذيب". وأردف: "إنَّه يتبنَّى سياسةً ستُعجِّل بانهيار المملكة العربية السعودية لعدة أسباب".

هل من إصلاحات لمحمد بن سلمان؟

وأشار العريان إلى أنَّ بداية انهيار محمد بن سلمان جاءت حين حاول الأخير "تحديث" المجتمع السعودي بتهميش رجال الدين المحافظين وإسكاتهم، بل وحتى تجاهل الحرس القديم داخل الحكومة الملكية السعودية. ففي الماضي، كانت الحكومة الملكية حريصةً في التعامل مع مجتمع رجال الدين، مستخدمةً التفسير الوهابي للإسلام في الحفاظ على شرعيتها وعلاقتها القَبَلية منذ تأسيسها في عام 1932.

وأضاف: "ما يفعله ابن سلمان هو أنَّه يغير كل شيء بسرعةٍ كبيرة. إنه يخسر زعماء القبائل. لقد أقصى للتو زعيم قبيلة كان مهماً للغاية، وكان كذلك رئيس الحرس الشخصي لوالده (الملك سلمان)”.

ويقصد العريان هنا جريمة قتل عبد العزيز الفغم -الذي كان الحارس الشخصي للملك سلمان، والذي كان يخدم الملك السابق كذلك- التي تحيط بها شبهات كبيرة.

إذ ذكرت السلطات السعودية أنَّ الفغم قُتل بالرصاص على يد أحد أصدقائه في أثناء خلافٍ وقع بينهما في مدينة جدة في 29 سبتمبر/أيلول. لكنَّ العريان يعتقد أنَّ الفغم يعد واحداً من الضحايا الذين تجرأوا على تفضيل مصالح المملكة على طموحات محمد بن سلمان الشخصية.  

وما أظهر عجزه عن اتخاذ أي إجراء موازِن هو أنَّه لم يكتفِ بإقصاء المؤسسة الدينية، بل أقصى العلمانيين كذلك، لأنَّه يريد إصلاح الوهابية، ليُغضِب بذلك العلماء المسلمين ومؤيديهم بينما سَجَن ناشطاتٍ وناشطين ليبراليين أرادوا ممارسة حقوقهم في المملكة، وفقاً لما ذكره العريان.

وتكشف إجراءات الإصلاح غير المتوازنة التي يتخذها محمد بن سلمان عن أوجه قصور خطرة على جميع المستويات.

إذ قال محجوب الزويري، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة قطر: "هذا الإصلاح الداخلي لا يعالج المشكلة الرئيسية. فالترفيه ليس الشيء الوحيد الذي يحتاج إليه الناس. بل يحتاجون إلى وظائف، وحياة مادية". 

وأضاف لشبكة TRT التركية أنَّ الناس لا يمكن أن يرفِّهوا عن أنفسهم حقاً بدون مال.

ويعتقد الزويري أنَّ هذه الخطوات تمثل تقديراً خاطئاً خطراً للإصلاح، مما قد يؤدي إلى مشكلاتٍ أخرى.

وأردف: "هذا النوع من التغييرات والتطورات في مختلف البلدان والتاريخ علمَّنا شيئاً في غاية الأهمية: وهو أن أي تغيير غير متوازن داخل المجتمع سيؤدي إلى عدم الاستقرار. لذا تحتاج التغييرات إلى توازن". 

محمد بن سلمان ضد العائلة المالكة

وإلى جانب إصلاحاته المثيرة للجدل، أغضب محمد بن سلمان كذلك بعض الأفراد الأثرياء من قبيلته، الذين ينتمون إلى الأسرة المالكة السعودية، واحتجزهم في فندق ريتز كارلتون ذي النجوم الخمسة في العاصمة السعودية الرياض عدة أشهر.

وقال العريان: "لقد أقصى الكثير من الأشخاص داخل العائلة المالكة لأنَّه تجاهلهم، وتولَّى (شؤون الدولة بمفرده) بعدما كانت تُدار في الماضي بتوافق الآراء".

ونظراً إلى أنَّ الدولة السعودية كانت تعتمد اعتماداً كبيراً على التوافق بين الأفرع المختلفة للعائلة المالكة، وهو تقليدٌ بيروقراطي تأسَّس منذ حوالي مائة عام، فمن المرجح أن يواجه ابن سلمان المزيد من المقاومة من داخل المملكة، وهو ما سيؤثر تأثيراً أكبر في دورها في المنطقة.

وقال العريان: "جميع أبناء عمومته وأعمامه غاضبون في الوقت الراهن، لكنهم لا يستطيعون فعل أي شيء له".

ويعتقد العريان أنَّ محمد بن سلمان وطَّد سلطته في المؤسسات الحاسمة في جميع أنحاء الدولة، لذا لا يوجد أحدٌ في الوقت الحالي يمكنه تحديه على أيِّ مستوى سياسي.

لكنَّه يظن في الوقت نفسه أنَّ هذا التوطيد قد يكون السبب الرئيسي وراء سقوط العائلة المالكة السعودية في شبه الجزيرة العربية مستقبلاً.

إذ قال: "لا أعتقد أنَّه سيكون قادراً على الحفاظ عليها. ربما سيكون الملك الأخير لأنَّ التغييرات السريعة التي يجريها الآن ستؤذيه، لا سيما داخل المملكة".

خبراء آخرون يتفقون معه

هذا ويتفق بعض الخبراء الآخرين مع ذلك الرأي، إذ قالت مها عزَّام رئيسة المجلس الثوري المصري: "محمد بن سلمان يخلق وضعاً في غاية الخطورة للمجتمع السعودي. فهو يُشكِّل تحالفات ويتبع سياسات لا تخدم مصلحة الشباب الذين يتزايد عددهم في بلدٍ يتواصل فيه الفساد، حيث يتعامل مع هذا البلد كما لو كان إقطاعة خاصة به، مثل إقطاعات العصور الوسطى، وليس دولة حديثة".

وأضافت: "أعتقد أن محمد بن سلمان يفتقر إلى الخبرة، وأنَّه يخون تقاليد بلده ويتجاهل حقيقة أنَّ التقدم يتطلب مشاركةً سياسية من الشعب ومساءلة الحكومة". 

وذكرت مها أنَّ محمد بن سلمان يدافع فقط عن سياسة المصلحة الشخصية لنخبةٍ حاكمة صغيرة وزمرته، وأنَّه مستعدٌ لإحداث خراب وفوضى من أجلها إذا لزم الأمر.

فيما قال الزويري: "منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، كانت السعودية في تراجع على مستوى القوى الإقليمية".

ويعتقد الزويري أنَّ السياسة السعودية تجاه العراق التي كانت تفتقر إلى تخطيطٍ جيد مكَّنت الوجود الإيراني في بغداد بعد الغزو الأمريكي الذي وقع في عام 2003.

وقال الزويري متحدثاً عن المسؤولين السعوديين: "الطريقة التي تعاملوا بها مع الشؤون السياسية وقرأوا بها مصالحهم لم تدفعهم إلى تحقيق أيٍّ من أهدافهم، بل جعلتهم في الواقع يخلقون المزيد من الأعداء والمزيد من الفراغات في المنطقة، مما أعطى إيران فرصاً أكبر لتحقيق أهدافها". 

حملة محمد بن سلمان الكارثية في اليمن

وعلى صعيدٍ آخر، فالرياض عالقةٌ في حربٍ داخل اليمن مع الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يتفوقون على القوات المدعومة من دول الخليج بقيادة السعودية.  

وفي هذا الصدد، قال العريان: "لقد أخطأ محمد بن سلمان في تقدير عواقب مغامرته في اليمن. إذ يخسر خساراتٍ فادحة (هناك). أمَّا إيران، فأرى أنَّها تلعب أوراقها بحكمةٍ شديدة فما يتعلق باستراتيجيتها وتكتيكاتها (في اليمن وأماكن أخرى ضد السعوديين)".

صحيحٌ أنَّ الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجمات التي ضربت أكبر منشآت النفط السعودية في شرق المملكة في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، لكنَّ العريان يعتقد أن إيران قد تكون هي المسؤولة عن تنفيذ الهجمات.

وقال العريان متحدثاً عن ذلك: "في خطوةٍ استراتيجية للغاية، وشديدة الفعالية من حيث التكلفة، تمكَّن (الإيرانيون) من خفض إنتاج المملكة العربية السعودية النفطي إلى النصف. تخيَّل ما استطاعوا فعله بضربةٍ واحدة فقط! يمكنهم أن يُحدثوا خراباً كبيراً".

وصحيحٌ أنَّ محمد بن سلمان لديه علاقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنَّ واشنطن لم تقدم أي دعم عسكري إلى الرياض على الإطلاق بعد الهجمات.

ومن جانبه قال ريتشارد فالك، وهو أستاذ فخري في القانون الدولي بجامعة برينستون، إنَّ السعوديين ارتكبوا بعض الأخطاء الكارثية، من بينها قتل خاشقجي والتعامل مع الحرب في سوريا وفشل حملتهم في اليمن.

وأضاف: "ارتكبوا سلسلةً من الإخفاقات". لكنَّ فالك كان متحفظاً في الحديث عن مسألة سقوط آل سعود.

إذ قال: "من الصعب للغاية التيقن من أي شيء في هذه المنطقة. فهناك الكثير من التعقيدات. وهناك أشخاصٌ أخطأوا في توقعاتهم بشأن سوريا مراراً. ولذلك، لا أستطيع الوثوق بأي آراء بشأن سقوط آل سعود".

ولكن هناك سلسلة من التطورات -من بينها الانسحاب الأمريكي من سوريا- التي قد تثير حالةً من التوتر بين المسؤولين في الرياض حول ما إذا كانوا بحاجةٍ إلى استقرار وضع بلادهم أولاً، ومعالجة بعض القضايا المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية التي يتبناها محمد بن سلمان.

وقال فالك متحدثاً عن السعوديين: "لم يردوا على الهجوم (الذي ضرب منشآتهم النفطية). كنت أتوقع أن يردوا. فالهجوم كان كبيراً. لكنَّهم لم يفعلوا أي شيء".

وأضاف: "أعتقد أنهم خائفون الدخول في أي حربٍ حقيقية مع إيران. وأحد أسباب ذلك هو أنَّهم سيضطرون حينئذٍ إلى مواجهة أقصى حدود قوتها".

هذا الموضوع مترجم عن موقع TRT World

TRT عربي