الرباط تحتجّ على أوروبا.. ما دلالات فتح ملف سبتة ومليلية؟
لم يتوانَ المغرب في الدفاع عن "مغربية" مدينتَي سبتة (شمال) ومليلية (شرق)، بعدما رأى نائب رئيس المفوضية الأوروبية المكلف الهجرة، مارغيتيس شيناس، أنّ سبتة ومليلية تمثّلان "حدوداً لأوروبا"، داعياً إلى حمايتهما.
الحدود ما بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية (Others)

لم يتوانَ المغرب في الدفاع عن "مغربية" مدينتَي سبتة (شمال) ومليلية (شرق)، بعدما رأى نائب رئيس المفوضية الأوروبية المكلف الهجرة، مارغيتيس شيناس، أنّ سبتة ومليلية تمثّلان "حدوداً لأوروبا"، داعياً إلى حمايتهما.

ووجه المغرب بذلك إلى الاتحاد الأوروبي، رسالة احتجاج رداً على تصريحات نائب رئيس المفوضية خلال اجتماع في بروكسل، أشار فيها إلى أنّ سبتة ومليلية "مدينتَين إسبانيتَين"، في حين تؤكد الرباط بشكل دائم أنّهما أرض مغربية.

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس -خلال مؤتمر صحفي يعقب مجلس الحكومة بالرباط-، إنّ المغرب عبر المراسلة التي بعثها إلى المفوضية الأوروبية، وقف على "الانزلاق الذي ورد في تصريحات نائب رئيس المفوضية الأوروبية"، معتبراً أنّ "الموقف الذي عبّر عنه المغرب كان لا بدّ منه".

مصدر قلق

ويرى أستاذ العلاقات الدولية نبيل زكاوي، أنّ المغرب يرفض أن تستغل المفوضية الأوروبية عضوية إسبانيا فيها مع "قضية الثغرين" (سبتة ومليلية) العالقة بين المغرب وإسبانيا، في محاولة لاستعداء المغرب على خلفية اتهامه بأنه يوظّف ورقة الهجرة "سياسياً" ضدّ الأوربيين، كما يرفض أن تُستغل قضية الثغرين؛ لتعكير صفو العلاقات المرمَّمة حديثاً بين البلدين الجارين.

ويضيف لـTRT عربي، أنّ "المغرب لا يستطيع السكوت أمام استفزازه بسيادته، وهي فرصة كذلك بالنسبة إليه لتأكيد أنّه لا يمكنه التخلي أبداً عن أحقيته في السيادة على الجيبَين المحتلَّين".

ويوضّح زكاوي أنّ أيّ "محاولة من إسبانيا لتغيير وضع المدينتين ستكون مصدر قلق واعتراض ملحّ من المغرب"، مستغرباً من أنّ قضية سبتة ومليلية "لا تطفو على السطح إلا حينما تتأزم العلاقات بن البلدين، لذلك تدرك إسبانيا أهمية وجود علاقات وشراكة جيدة مع المغرب".

"تصحيح المغالطات"

ويبدو أنّ الأزمة حول ملف مدينتَي سبتة ومليلية غير واردة اليوم بين المغرب وإسبانيا، خصوصاً أنّ هذا الملف شهد صمتاً مغربياً منذ سنوات، لهذا شكّلت رسالةُ وزارة الشؤون الخارجية المغربية إلى الاتحاد الأوروبي مصدر مفاجأة كبيرة، كما أنّ ملف سبتة ومليلية بقيَ على هامش جدول الأعمال السياسي في حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية في إسبانيا.

ويقول أستاذ القانون والعلوم السياسية مصطفى المريني، إنّ هناك تخوفاً من صعود الحزب الشعبي الإسباني وتحالفه مع حزب فوكس اليميني المتطرف في الانتخابات السابقة لأوانها، إذ يُمكن أن يُمارَس على المغرب ضغط في قضايا وملفات، وعلى رأسها قضية سبتة ومليلية.

ويرى في حديثه مع TRT عربي، أنّ الرد القوي من المملكة المغربية لتصحيح "مغالطات" مسؤول المفوضية الأوروبية بخصوص سبتة ومليلية، رسالة إلى الأحزاب السياسية الإسبانية، لا سيّما الحزب الشعبي -الذي يحسّ بانتشاء ويهفو إلى السلطة وقيادة الحكومة- بأنّ المغرب له مواقف مبدئية فيما يتعلق بالقضايا الوطنية، ومنها قضية سبتة ومليلية التي يؤكد بشكل واضح أنّها أراضٍ مغربية.

ويلفت المريني إلى أنّ "خطاب العرش 2002 أكدّ فيه الملك محمد السادس، أنّ المغرب ما زال يطالب الإسبانيين منذ الاستقلال بإنهاء احتلال مدينتَي سبتة ومليلية".

جغرافيا وتاريخ المدينتين

ولا يحتاج المغرب إلى كثير من الجهد في استقصاء الأدلة واستعراض الحجج على أن "مدينتَي سبتة ومليلية مغربيتان، لأنّ منطق الجغرافيا أبلغ، وذاكرة التاريخ أوعى"، حسب الباحث في التاريخ علي مزيان.

ويوضّح في حديثه مع TRT عربي، أنّه على المستوى الجغرافي تقع المدينتان على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط ضمن الأراضي المغربية، وإلحاقهما بإسبانيا "أمر مناقض" للجغرافيا، لأنّ مَن زعم ذلك يَلزمه تعليل سبب إلحاق "الثغرين المحتلَّين" بالأراضي الإسبانية، دون سواهما من المدن والمراكز وسائر المناطق من الساحل الجنوبي، وفق تعبيره.

ويضيف الباحث في التاريخ أنّ "مليلية تسمية جغرافية خالصة بلسان أمازيغي صِرف ومحليّ نسبةً إلى أمرير، وهي المنطقة ذات التربة البيضاء، فضلاً عن تسمية سبتة التي يذكر الجغرافيون المتقدمون من أمثال الحجازي أنّ التسمية فيها معنى القطع، أي انقطاعها في البحر، والتصاقها بالبر الجنوبي".

بناءً على ذلك، يتابع مزيان: "المدينتان كانتا دوماً جزءاً لا يتجزأ من السيادة المغربية، بل إنّ مليلة وضواحيها شكَّلت منطلق دولة بني مرين، إلى أن بدأت حروب الاسترداد التي قادها البرتغال والإسبان، لذلك فإنّ المدينتين صارتا لا تقترنان بإسبانيا بالسيادة والانتماء، بل بالتغلب والاحتلال".

وشدد الباحث على أنّ "حقائق التاريخ تلك تعكسها حقائق الحضارة المتمثلة في الشقّ الثقافي، إذ تعدّ المدينتان سكانياً امتداداً إثنياً للقبائل المجاورة، كما تشهد الأعلام الجغرافية بالمدينتين كأسماء الأماكن والوديان والتضاريس، فضلاً عن الأعلام البشرية من الملاليين، على مغربية المدينة، إلى جانب العادات والتقاليد والطقوس".

قصة سبتة ومليلية

وبدأ سقوط مدينتَي سبتة ومليلية مع ضعف إمارة بني الأحمر في غرناطة، وانطلاق ما تُسمى "حروب الاسترداد" خلال الثلث الأول من القرن الخامس عشر الميلادي، ووقع آنذاك كثير من المدن المغربية على الساحلَين المتوسطي والأطلسي في يد الاحتلالين البرتغالي والإسباني.

وحول ذلك يقول مزيان إن "سبتة خضعت سنة 1415م للاحتلال البرتغالي أولاً، ثم الاحتلال الإسباني ثانياً، ثم سقطت مليلية في أسر الإسبانيين عام 1497م، بسبب الوهن الذي أصاب دولة بني مرين نتيجة ضعف السلطة المركزية".

ويلفت الباحث إلى أنّ "حركة مقاومة عنيفة انطلقت آنذاك، سواء تحت قيادة سلاطين الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، زمن المرينيين أنفسهم ثم السعديين والعلويين من بعدهم، بدءاً من 1415م، أم بمبادرات انخرطت فيها القبائل المتاخمة للمدينتين التي شنت حرب استنزاف طويلة ضدّ إسبانيا، ثم بعد ذلك مع الحربين الريفيتين الأولى والثانية مع بداية القرن العشرين".

قضية معقدة

ويبدو أنّ قصة مدينتي سبتة ومليلية لم تنتهِ إلى يومنا هذا، إذ يؤكد أستاذ العلاقات الدولية نبيل زكاوي، أنّها قضية تبقى "معقدة"، وتستدعي التحرك على مستوى الأمم المتحدة التي تحرص على تعزيز إنهاء الاستعمار، وذلك بهدف إدراجها في قائمة الأقاليم التي تنتظر إنهاء الاستعمار.

ويرى زكاوي في حديثه مع TRT عربي "ضرورة أن تُخرج الرباط قضية سبتة ومليلية من وضعية الخمود، وأن تظل هذه القضية دائماً قريبة من سطح العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا في جميع الحالات".

ولفت زكاوي إلى أنه "ينبغي على المغرب ألا يتحمس كثيراً للشراكة الأوروبية المتوسطية؛ لأنها ستجعل سيادة الجيبين المحتلين هامشية للغاية، على اعتبار أن هذه الشراكة يُتوقع أن تطمس الفروق بين دول جنوب أوروبا وشمال إفريقيا".

خلية لإنهاء الملف

وسعى المغرب في بعض المناسبات إلى تحريك المياه الراكدة في ملف سبتة ومليلية، إذ سبق للملك الراحل الحسن الثاني اقتراحه على الجارة الشمالية إنشاء خلية مشتركة مغربية إسبانية للتباحث وإيجاد حل لمشكلة مدينتَي سبتة ومليلية والجزر المجاورة لهما.

وحول ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية مصطفى المريني، في حديثه مع TRT عربي، إنّ "رؤية الملك الراحل هي الأفق الذي يُمكن أن يُنهي هذا المشكلة، وهي الأفق الاستراتيجي لكلّ القضايا الشائكة العالقة بين البلدين، بحكم التاريخ والجغرافيا (...)".

ويؤكد المريني أنّ "العاهل المغربي محمد السادس هو أيضاً كان قد ذكّر في خطاب العرش 2002 بهذا المقترح الحكيم للملك الراحل، بخلق خلية مشتركة لإنهاء وتسوية قضية سبتة ومليلية والجزر التي تعد أراضي مغربية، بما يحفظ الحقوق التاريخية والسيادية للمملكة المغربية، والمصالح الإسبانية في إطار التوافق".

TRT عربي