ما مستقبل العلاقات بين المغرب وإسبانيا بعد فتح حدود سبتة ومليلية؟
فتح المغرب وإسبانيا حدود مدينتَي سبتة ومليلية في 17 مايو/أيار الماضي، بعد عامين من الإغلاق، بسبب كورونا وأزمة سياسية بينهما. وتقع المدينتان شمالي المغرب وتخضعان لإدارة إسبانيا، تعتبرهما الرباط "ثغرين محتلَّين" وتطالب مدريد بالتفاوض حول مستقبلهما.
في 17 مايو/أيار الماضي فتحت السلطات المغربية والإسبانية الحدود البرية للمدينتين، بعد سنتين من الإغلاق بسبب كورونا وأزمة سياسية مرت بها علاقات البلدين (AFP)


بعد فتح سلطات المغرب وإسبانيا الحدود البرية لمدينتَي سبتة ومليلية، بعد عامين من الإغلاق، تُثار تساؤلات بشأن دلالة هذا التطور في ميزان علاقات البلدين.

ومدينتا سبتة ومليلية الواقعتان أقصى شماليّ المغرب، تخضعان لإدارة إسبانيا، فيما تعتبرهما الرباط "ثغرين محتلَّين"، وتطالب مدريد بالتفاوض حول مستقبلهما.

وفي 17 مايو/أيار الماضي فتحت السلطات المغربية والإسبانية الحدود البرية للمدينتين، بعد سنتين من الإغلاق بسبب تفشِّي جائحة كورونا وأزمة سياسية مرت بها علاقات البلدين.

مرحلتان لفتح الحدود

شملت المرحلة الأولى من إعادة فتح حدود المدينتين حتى نهاية مايو/أيار الماضي "تنقُّل المواطنين والمقيمين في الاتحاد الأوروبي والأشخاص المصرَّح لهم بالتجوُّل في منطقة شنغن".

وابتداء من 31 مايو/أيار انطلقت المرحلة الثانية، إذ سيتمكّن العمال القانونيون (الحاصلون على حق العمل في سبتة ومليلية قبل إغلاق الحدود) من دخول المدينتين.

ومنذ فتح الحدود توافد آلاف سواء بالسيارات أو راجلين، إلى معبرَي الحدود على المدينتين، خصوصاً أن منهم من بقي عالقاً خلال فترة الإغلاق.

وأغلقت إسبانيا حدود المدينتين مع المغرب ربيع عام 2020، إثر تفشي كورونا، واستمر الإغلاق بفعل أزمة دبلوماسية اندلعت بين البلدين، حين استقبلت مدريد في أبريل/نيسان 2021، إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو التي تنازع المملكة على إقليم الصحراء، بـ"هوية مزيفة".

خريطة طريق

في مارس/آذار الماضي عاد الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بعد إعلان إسبانيا دعمها مبادرة الحكم الذاتي المغربية لتسوية النزاع في إقليم الصحراء.

واعتبر رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، في رسالة وجّهها إلى ملك المغرب محمد السادس في 14 مارس، أن مبادرة الرباط للحكم الذاتي هي "الأكثر جدية" لتسوية النزاع بالإقليم.

ويقترح المغرب حكماً ذاتياً موسَّعاً في إقليم الصحراء تحت سيادته، فيما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وفي 7 أبريل/نيسان الماضي أعلن المغرب وإسبانيا في بيان مشترك، بعد زيارة سانشيز، إلى الرباط، استغرقت يومين بدعوة من الملك محمد السادس، الاتفاق على تفعيل أنشطة ملموسة في إطار خريطة طريق تشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك.

عودة تدريجية للعلاقات

اعتبر سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "سيدي محمد بن عبد الله" المغربية (حكومية)، أن "علاقات المغرب وإسبانيا إزاء عودة تدريجية لما كان عليه الوضع في السابق مع ضمانات أكثر لعدم الانكسار".

وأضاف الصديقي: "نتوقع أن تتحسن العلاقات أكثر بين البلدين، بخاصة أننا إزاء مبادئ معلن عنها من أعلى سلطتين في البلدين".

وتابع: "المبادئ المعلنة تشكّل إطاراً مهمّاً لشراكة قوية بين البلدين، لكن استقرار العلاقات المغربية الإسبانية يتوقف كثيراً على المشهد السياسي في إسبانيا".

وزاد: "فهذه العلاقات يمكن أن تتعرَّض في المستقبل لبعض سوء الفهم إذا ترأس الحكومة الإسبانية حزباً له مواقف يمكن أن تستفز المغرب بخاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء".

واستدرك قائلاً: "لكن هذه الصفحة الجديدة للعلاقات المغربية الإسبانية تجعل البلدين قادرين على امتصاص أي سوء فهم ولن يكون بالحدة التي كانت في الأزمات السابقة".

مصالح استراتيحية

نبيل الأندلسي، نائب الرئيس السابق للجنة الخارجية والدفاع الوطني والمغاربة المقيمين بالخارج في مجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية للبرلمان)، ذكر أن "العلاقات المغربية الإسبانية تبقى تاريخية وتوثّقها المصالح الاستراتيجية المشتركة".

وأضاف: "لذلك فإن فتح معبرَي سبتة ومليلية مؤشّر على تجاوز الأزمة التي عصفت بعلاقات البلدين بعد استقبال (مدريد) زعيم البوليساريو".

إشكاليات مطروحة

مطلع يونيو/حزيران الجاري انتقد حزب "الاتحاد الاشتراكي" المغربي، فرض مدريد تأشيرة على سكان محافظة الفنيدق شمالي البلاد، لدخول مدينة سبتة.

جاء ذلك في سؤال كتابي وجّهَته الكتلة النيابية للحزب في البرلمان (35 مقعداً من أصل 395) إلى وزارة الخارجية المغربية، عقب قرار إسبانيا فرض تأشيرة على سكان الفنيدق المجاورة لسبتة، بعدما كان سكان المحافظة يدخلون سابقاً المدينة بلا تأشيرة عكس بقية مناطق المغرب.

وقال الحزب إن "سكان الفنيدق فوجئوا من الإجراءات الجديدة لدخول سبتة، خلافاً لما كان عليه الوضع قبل إغلاق المعبر".

وأضاف: "دخول سبتة اقتصر على حاملي تأشيرة شينغن (الخاصة بدول الاتحاد الأوروبي)، مما خلّف استياءً كبيراً لدى الساكنة التي لها ارتباط تاريخي بهذه المدينة، بعدما انتظرت فتح المعبر لأكثر من سنتين لزيارة عائلاتها وذويها".

كما طالب الحزب، بمعرفة الإجراءات التي ستتخذها وزارة الخارجية المغربية لتمكين سكان الفنيدق من دخول سبتة.

ورغم تَحسُّن العلاقات بين البلدين لا تزال عدة إشكاليات مطروحة، مثل فرض تأشيرة لدخول سبتة ومليلية، ومنع المغرب نهائيّاً "التهريب المعيشي" انطلاقاً من المدينتين، الذي كان يشكّل شريان اقتصادهما في السابق.

وفي مايو/أيار الماضي أعلنت السلطات المغربية أن التهريب الذي كانت تعرفه حدود سبتة ومليلية "انتهى وأصبح غير مقبول وينتمي إلى عهد قد ولّى بصفة نهائية".​​​​​​​

AA