المقاولون الأتراك.. عودة إلى الخليج بصفقات عملاقة مع "أرامكو"
عقد مسؤولون في شركة أرامكو السعودية "أكبر شركة نفط بالعالم" اجتماعاً مع أعضاء اتحاد تركيا للمقاولين في العاصمة أنقرة، حمل اسم "فرص العمل في المملكة العربية السعودية" لمناقشة المشاركة في مشاريع بمليارات الدولارات في المملكة.
Saudi Aramco / صورة: AA (AA)

اتجهت بوصلة المقاولين الأتراك نحو دول الخليج العربي عامة والسعودية تحديداً لاقتناص فرص للتعاون في المجال الاستثماري بعد تحسّن العلاقات الثنائية مؤخراً بين أنقرة والرياض.

يأتي ذلك بالتزامن مع انخفاض حجم استثمارات المقاولين الأتراك في روسيا بسبب الحرب مع أوكرانيا إلى 2.3 مليار عام 2022 بعد أن بلغت أكثر من 11 مليار دولار خلال الأعوام السابقة، واستمرّ التراجع خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري ليصل إلى 626 مليون دولار فقط.

وعقد مسؤولون في شركة أرامكو السعودية "أكبر شركة نفط بالعالم" اجتماعاً مع أعضاء اتحاد تركيا للمقاولين في العاصمة أنقرة، حمل اسم "فرص العمل في المملكة العربية السعودية" لمناقشة المشاركة في مشاريع بمليارات الدولارات في المملكة.

ويهدف المقاولون الأتراك إلى رفع حجم استثماراتهم في أرامكو إلى 10 مليارات دولار في العام الواحد من حجم المحفظة الاستثمارية للشركة التي تبلغ 50 مليار دولار سنوياً.

كما كشف نائب الرئيس لأنظمة الطاقة في "أرامكو" عبد الكريم الغامدي بعد الاجتماع عن نيّتهم بدء تنفيذ مشاريع يتجاوز حجمها 100 مليار دولار، مبيناً أنها في مرحلة التخطيط حالياً.

وأوضح الغامدي أن أرامكو تهدف للاستفادة من خبرات شركات المقاولات التركية لتحقيق أهدافها، إذ إن تركيا فيها العديد من شركات المقاولات المختصة وذات السمعة الطيّبة والتاريخ الناجح.

مشاريع واعدة

شركة أرامكو كشفت من خلال لقاءات ممثليها مع مسؤولين في شركات مقاولات تركية عن مشروعات عدّة تخطط لتنفيذها خلال الفترة المقبلة حتى عام 2025، وفق ما كشفته وكالة "بلومبرغ".

إردال إرين، رئيس جمعية المقاولين الأتراك، قال إن "المشاريع التي تخطّط أرامكو لتنفيذها عُرضت على شركات المقاولات والاستشارات الفنية التركية، وكُشفت فرص التعاون، ونتيجة للاتصالات نُظّمت زيارة لجنة التعاقد الجديدة إلى البلاد في الصيف لإجراء مناقشات أكثر تفصيلاً"، حسب ما نقلته وكالة "الأناضول".

المملكة هي الدولة السادسة في الأنشطة الخارجية للمقاولين الأتراك بـ 386 مشروعاً بقيمة تقارب 25 مليار دولار، ويرى إرين أن المشاكل بين بلاده والسعودية انتهت، وأنهم يريدون الآن المساهمة في برامج التنمية السعودية الجديدة، وفق مجلة "ekoyapı".

واعتبر إرين أنّ مشاريع "أرامكو" تمثّل "شريان حياة للمقاولين الأتراك، الذين عانوا الكثير وخسروا أعمالهم بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا"، لافتاً إلى أنّ "المشاريع الاستثمارية المدعومة من الحكومة التركية تراجعت في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد الزلزال".

وتغطي مشاريع أرامكو مجالات متنوعة أبرزها، صناعات النفط، والغاز الطبيعي، والبتروكيماويات، والطاقة، والكهرباء، ومشاريع البنية التحتية، والإسكان.

تعاون إيجابي

الباحث الاقتصادي الدكتور محمد أبو عليان قال إن "الشركات التركية مرت بأزمات في السنوات الأخيرة بسبب التطورات الجيوسياسية/اقتصادية التي أثرت فيها، فضلاً عن تأثرها بزلزال كهرمان مرعش، إذ اتجهت الحكومة لتركيز نشاطها في مدن الزلزال، بينما تراجعت مشاريعها في المدن الأخرى".

وأضاف أبو عليان في حديثه لـTRT عربي أن "تأثير التعاون الاقتصادي بين أنقرة والرياض سيكون إيجابياًً على الشركات التركية، بل يمكن أن يكون بمنزلة دعم حيوي لها".

وأردف، بأن "تحويل هذه الشركات أرباحها إلى تركيا، فضلاً عن المساهمة في توفير مصدر جديد للعملة الصعبة للبلاد سيسهم في تعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية، وبالتالي سينعكس تأثير ذلك إيجابياً في الاقتصاد التركي كله".

كما أن هذا التقارب يأتي بعد اتجاه أنقرة والرياض إلى إعادة العلاقات وفتح صفحة جديدة من أجل تطوير العلاقات الثنائية على مختلف المجالات، ولا سيما العمل على زيادة التبادل التجاري والاقتصادي بينهما، حسب أبو عليان.

واستدرك الباحث أبو عليان بالقول إن "هذا التعاون يمثل فرصة تسدُّ حاجة تركيا لفتح أسواق جديدة لشركاتها وتعزيز مكانتها الإقليمية عبر شركات رائدة في قطاع الإنشاءات، بينما تطمح الرياض للاستفادة من خبرة الشركات التركية وسمعتها الجيدة في هذا القطاع، وبالتالي الاستفادة منها في تطبيق الخطط الاستثمارية والتوسعية التي تعتزم أرامكو تنفيذها خلال الفترة المقبلة".

شركات تركية في الخليج مجدداً

المشاريع المنتظرة مع أرامكو السعودية ليست الأولى لشركات المقاولة التركية في الخليج، ففي عام 2016 نجحت مجموعة شركات "ليماك" (Limak Group) في الفوز بمناقصة إنشاء وإنجاز وتأثيث وصيانة مبنى الركاب الجديد في مطار الكويت الدولي بقيمة إجمالية تبلغ 4.33 مليار دولار، ومن المتوقع الانتهاء منه مطلع 2024.

وحصلت الشركة ذاتها سنة 2020 على عقد مشروع بناء موقف السيارات متعدد الطوابق والطرق المتصلة والجسور، وذلك في سنة 2020، يبلغ قيمته (169) مليون دينار كويتي (562 مليون دولار أمريكي).

وحسب معطيات وزارة التجارة التركية، فإن قيمة إجمالي الاستثمارات التي تعهد بها قطاع المقاولات خارج البلاد وعددها 52 مشروعاً خلال الربع الأول من هذا العام بلغ 4.1 مليار دولار.

وكانت اجتمعت الشركات الرائدة في مجال البنية التحتية التركية في الإمارات العام الماضي ضمن نطاق الاجتماعات التي عُقدت بين مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي وغرفة تجارة وصناعة الإمارات، إذ نوقشت فرص تعاون جديدة للمشاريع العملاقة بقيمة 130 مليار دولار في الإسكان والمرافق السياحية والمطارات والسكك الحديدية والطرق السريعة ومراكز التسوق ومجالات الطاقة.

وفي قطر تولت شركات المقاولة التركية خلال السنوات الأخيرة ما يزيد على 130 مشروعاً بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار، وفق تصريحات سابقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وغرفة قطر التجارية.

إضافة إلى عشرات المشاريع، شيّدت شركة "تكفن" التركية، طريق الخور الرئيسي بطول 33 كيلومتراً قبل موعد افتتاحه المحدّد بنحو عام كامل.

كما شيّدت الشركة ذاتها استاد الثمامة وهو أحد الملاعب الثمانية التي استضافت مباريات كأس العالم عام 2022، بتصميم يعكس الثقافة القطرية والعربية.

وفي نهاية مارس/آذار الماضي كشفت مجلة "ميد" الاقتصادية عن أفضل 10 مقاولين ينفذون مشاريع في دول مجلس التعاون الخليجي، حلت شركة ليماك التركية في المركز الثاني بقيمة مشروعات بلغت 4.97 مليار دولار.

شراكة قوية

نتائج الانتخابات التركية الأخيرة وفوز الرئيس رجب طيب أردوغان بفترة رئاسية لخمس سنوات قادمة ستساعد في جذب المستثمرين الذين يرون في ذلك استقراراً سياسياً مهماً لأي مشاريع قادمة، وفق ما تحدث به الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو.

وقال رضوان أوغلو في تصريحه لـTRT عربي إنه "إضافة إلى مسار التطبيع العربي الذي انتهجته تركيا قبل الانتخابات، فإن هذا المسار سيكون واضحاً وبشكل أكبر الآن مع دول الخليج، كعودة العلاقات الكبيرة مع دولة الإمارات المتحدة والمملكة السعودية، إضافة إلى الحليف التقليدي القطري وحتى دولة الكويت وسلطنة عمان".

وخلال العامين الماضيين شهدت العلاقات التركية- الإماراتية تطورات إيجابية ملموسة تبعتها زيارات متبادلة لمسؤولين سياسيين وتوقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية في قطاعات ذات أولوية في التجارة والاستثمار والصناعة والسياحة والنقل والطاقة والغذاء والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات الحيوية.

وأضاف رضوان أوغلو، أن "هناك الكثير من الشركات التركية العاملة في الخليج أصبح لها باع كبير وعالمي ومهم سواء في البنى التحتية أم الفوقية إلى بناء المطارات والطرقات إلى بناء المدن وهو ما تحتاجه الدول من أجل تنفيذ خططها في التنمية".

واعتبر الكاتب المصالحة المهمة التي أجرتها السعودية مع إيران في مارس الماضي ستسهم في استقرار أمن الرياض بما يضمن عدم تعرضها إلى بعض الهجمات وإلى ضمان عدم تعطيل التنقيب عن النفط أو نقله أو بيعه، وهذا يوفّر بيئة عمل آمنة للشركات الأجنبية العاملة هناك.

ويرى الخبراء أن التعاون الاقتصادي بين تركيا ودول الخليج لن يقتصر على الربح المادي، بل من المتوقع أن يتعدى ذلك، فدول الخليج بحاجة إلى شريك قوي وموثوق يعتمد عليه في ترسيخ استقرار إقليمي يسمح بتنفيذ عملية التنمية، فضلاً عن دور فاعل في عدد من ملفات المنطقة.

TRT عربي