بين الدفاع والطاقة.. هل تعمّق خلافات فرنسا وألمانيا أزمات الاتحاد الأوروبي؟
انتقادات حول أزمة الطاقة ومناكفات بخصوص خطط الدفاع، هي المعالم الرئيسة للأزمة تهز العلاقات بين ألمانيا وفرنسا. ومع بوادر التهدئة التي أبداها زعيما البلدين، يسود التخوف من تؤدي هذه إلى زعزعة التوازنات السياسية داخل الاتحاد الأوروبي.
هل تعمّق خلافات فرنسا وألمانيا أزمات الاتحاد الأوروبي؟ (AFP)

بوادر تهدئة تلك التي عبَّر عنها أمام الكاميرات، كل من المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد التشنج الذي طال العلاقات بينهما، والانتقادات والمناكفات التي سادت الخطاب المتبادل قبل أيام، لدرجة تأجيل لقاء وزاري كان من المرتقب إجراؤه الأسبوع المقبل.

فيما العنوان البارز لهذا الوضع المأزوم بين البلدين، ملفان رئيسيان؛ تضارب المصالح في خضم التعامل مع أزمة الطاقة واختلاف الرؤى حول استراتيجيات الدفاع. ومازال التخوف سائداً في الأوساط الأوروبية، من هذه التوترات الناشبة بين دولتين مركزيتين في الاتحاد، ما قد يخلخل توازناته الداخلية.

أزمة فرانكو-ألمانية!

على هامش قمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يوم الخميس، لم يتوانَ ماكرون في رص الانتقادات لجارته الشرقية، ألمانيا، التي اتهمها بعزل نفسها عن محيطها القاري. قائلاً: "أعتقد أنه ليس من الجيد لألمانيا، أو أوروبا، أن تعزل ألمانيا نفسها"، مضيفاً أنه "بالتأكيد، يجب أن نحافظ على وحدتنا" في اتهام ضمني لبرلين بزعزعة هذه الوحدة.

فيما كان رفض ألمانيا لقرار تسقيف أسعار النفط، الذي يحظى بإجماع أوروبي، وإعلانها بشكل منفرد حزمة دعم لأسعار الطاقة بـ200 مليار يورو، هو ما جرَّ عليها سخط فرنسا التي، وحسب موقع "بوليتيكو"، "اعتبرت أن برلين كان ينبغي أن تستشير حلفاءها بشأن مثل هذه الإنفاقات الضخمة التي يمكن أن تشوه الاقتصاد الداخلي".

من جانبها، برلين ليست راضية تماماً عن النهج الحمائي التي تنهجه حكومة جارتها الغربية، إذ عرقلت باريس، لوقت طويل، التقدم في إنجاز خط أنابيب الغاز "ميدكات"، الذي يربط شبه الجزيرة الإيبيرية بشمال أوروبا. وتعول ألمانيا على هذا الخط ليكون البديل لـ "نوردستريم 2"، بعد أن أصبحت واردات الغاز الروسي غير مأمونة، ذلك عبر تمكينها من الاستفادة من الغاز والهيدروجين الأخضر القادم من شمال إفريقيا.

بالمقابل، تبرر باريس موقفها بأن إنشاء هذا الخط غير ضروري للمرحلة الحالية، وأنه يتعارض والسياسات الخضراء للاتحاد الأوروبي التي تعتزم من خلالها الحد من انبعاث الكاربون بحلول 2050. فيما يرى محللون بأن فرنسا تخشى من منافسة الهيدروجين الأخضر لطاقتها النووية المدنية، بعد أن خاضت نضالاً سياسياً طويلاً داخل الاتحاد لإدراجها كطاقة خضراء.

قضية أخرى تخلق الشقاق بين البلدين المتجاورين، هي "منظومة الدفاع الجوي المستقبلية"، وهو اتفاق ثلاثي فرنسي ألماني إسباني، يعود إلى عام 2017، بموجبه تجدد سرب الطائرات الحربية للبلدان الثلاثة بمقاتلات من الجيل الجديد، من إنتاج شركتَي "إيرباص" و"داسو" الفرنسيتين.

كان من المفترض أن يدخل البرنامج مرحلة الإنتاج في أواخر 2021، غير أن الشركتين الفرنسيتين لم تتفقا بعد على تقسيم العمل لعنصر الطائرات المقاتلة الجديدة. وتتنازع الشركتان على دور قيادة البرنامج، بينما يشكل هذا التأخير عامل قلق لمسؤولي الدفاع بكل من برلين ومدريد، الذين يتهمون باريس بالتماطل في حل هذه العراقيل.

قد يهدد التوازن الأوروبي؟

هذا وتعد ألمانيا وفرنسا دولتين مركزيتين في إنتاج السياسات الأوروبية، وعلى أساس توافقهما يحدث التوازن داخل الاتحاد الأوروبي. هذا التوازن ووحدة القرارات التي أصبحت بروكسيل في أمَس الحاجة إليها، في ظرفية تشوبها تهديدات الحرب الحاصلة على حدودها في أوكرانيا، كذبك تبعاتها من أزمة الطاقة وارتفاع مستويات التضخم والركود الاقتصاديين.

ومنذ 2003، دأبت حكومتا ألمانيا وفرنسا على عقد اجتماع تنسيقي بينهما، كان من المفترض أن يحل هذه السنة يوم الأربعاء 26 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. هذا قبل أن تعلن الحكومتان، يوم الأربعاء، عن تأجيل إجرائه إلى يناير/كانون الثاني القادم. وتحججت الحكومة الألمانية بأن قرار التأجيل يأتي لتزامنه مع العطل الدراسية، إذ على وزرائها أن يقضوا وقتاً مع أطفالهم.

هذا وأكد مسؤولون من البلدين، لوكالة "رويترز" للأنباء، أن التأجيل ناتج عن الخلافات الألمانية الفرنسية حول سياسات الطاقة والدفاع. ونقلاً عن المصدر ذاته، صرح مسؤول بالرئاسة الفرنسية بأن الجانبين يحتاجان إلى "مزيد من الوقت" للتوصل إلى اتفاقات بشأن قضايا من بينها سياسة الطاقة والتعاون الدفاعي.

TRT عربي