تسعى تركيا إلى استئنافه.. ماذا يعني تعليق اتفاق الحبوب لملايين الفقراء؟
بعد إعلان روسيا انسحابها من اتفاق تصدير الحبوب، تكثف تركيا جهودها للعودة إلى العمل بالآلية التي أنقذت العالم من أزمة غذائية بعد اندلاع الحرب. هذا في وقت يعود فيه هذا التهديد إلى الأمن الغذائي العالمي ليطال الملايين، بخاصة في الدول الفقيرة.
ماذا يعني تعليق اتفاق الحبوب بالنسبة إلى ملايين الفقراء؟ / صورة: AP (AP)

بعد ما يقارب عاماً من توقيعه في إسطنبول، برعاية أممية وكثمرة للجهود التركية في إنقاذ العالم من أزمة غذاء، أعلنت روسيا يوم الاثنين انسحابها من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود. وأتى هذا القرار الروسي في أعقاب الهجوم الذي تعرَض له جسر القرم باستخدام مُسيّرات بحرية، دمّره جزئياً وعطل حركة المرور فيه بشكل مؤقت.

وقال المتحدث باسم الكرملين دمتري بيسكوف، يوم الاثنين، إن الاتفاق وصل إلى نهايته "بحكم الأمر الواقع". مضيفاً أن "اتفاقات البحر الأسود لم تعُد سارية، ابتداءً من اليوم (...) مع الأسف، لم يجرِ الوفاء بالجزء المتعلق بروسيا، حتى الآن. لذلك، يتوقف عمل الاتفاق".

ومنذ إعلان روسيا الانسحاب من الاتفاق، تسارع أنقرة الوقت وتكثف الجهود لعودة سريانه. هذا في وقت يهدد فيه تعطيله بالتسبب بأزمة غذاء عالمية واسعة، لما تمثله الصادرات الأوكرانية من مصدر رئيسي لعدد من الدول، بخاصة الفقيرة في القارة الإفريقية وآسيا، وكذلك في الدول الغنية، حيث سيتضرر الفقراء من تضخم أسعار الأغذية.

ماذا يعني تعليق اتفاق الحبوب بالنسبة لملايين الفقراء؟

في الأول من أغسطس/آب 2022، غادرت أول ناقلة أوكرانية للحبوب ميناء أوديسا منذ اندلاع الحرب أواخر فبراير/شباط من السنة ذاتها. ومنذ ذلك اليوم حتى 12 يونيو/حزيران الماضي، أظهرت بيانات وزارة الزراعة الأوكرانية أن البلاد نجحت في تصدير نحو 46.7 مليون طن من الحبوب خلال موسم 2022-2023.

في عام 2021، احتلت أوكرانيا المرتبة السادسة كأكبر مصدر للقمح في العالم، باستحواذها على 10% من مجمل السوق العالمية لهذه الحبوب، ما يحيل على حجم الأزمة العالمية للغذاء التي يتسبب فيها توقف أوكرانيا عن التصدير.

وقتها كان المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، قد حذر من هذه الأزمة، قائلاً: "صوامع الحبوب في أوكرانيا ممتلئة. في الوقت نفسه، يسير 44 مليون شخص حول العالم نحو المجاعة (...) أحث جميع الأطراف المعنية على السماح لهذا الطعام بالخروج من أوكرانيا إلى حيث تشتد الحاجة إليه، حتى نتمكن من تجنب خطر المجاعة الذي يلوح في الأفق".

اليوم، ومع انسحاب روسيا من الاتفاق، يعود شبح الجوع ليهدد فقراء العالم. إذ حسب برنامج الغذاء العالمي، فإن اتفاق الحبوب شريان الحياة لـ79 دولة و349 مليون شخص على الخطوط الأمامية لتهديدات انعدام الأمن الغذائي.

وعقب تعليق الاتفاق شهدت أسعار الحبوب ارتفاعاً صاروخياً، وقفزت العقود الآجلة للقمح بنسبة 3% يوم الاثنين، لتصل إلى 689.25 سنت للبوشل، وهو أعلى مستوى منذ 28 يونيو/حزيران عندما جرى تداول العقد عند 706.25 سنت. كما جرى تسجيل ارتفاع في العقود الآجلة للذرة إلى 526.5 سنت للبوشل، وارتفعت عقود فول الصويا الآجلة إلى 1،388.75 سنت للبوشل.

وفي الصومال، أحد أفقر بلدان القارة السمراء، والتي تلقت أسواقها نحو 84 ألف طن من القمح من أوكرانيا في عام 2022، بزيادة ناهزت الـ31 ألف طن عن عام 2021، استُشعِر هذا الفرق بالأسعار بشدة. ووفق ما ذكرت رويترز، فإن التجار في مقديشو يتوقعون ارتفاع سعر كيس 50 كيلوجراماً من القمح من 20 دولاراً حالياً إلى ما يقرب من 30 دولاراً خلال الأيام القادمة.

ووفق محللين، فإن البلدان التي تعتمد على الغذاء المستورد، من لبنان إلى مصر، قد تشهد تضخماً في الأسعار لبعض الوقت إذا احتاجت إلى العثور على موردين جدد. ويؤدي ذلك أيضاً إلى تفاقم التكاليف بالنسبة إلى تلك البلدان، التي قد تشهد أيضاً ضعف عملاتها وزيادة مستويات الديون، لأنها تدفع ثمن شحنات المواد الغذائية بالدولار.

جهود تركية لإنعاش اتفاق الحبوب

عقب الإعلان الروسي بالانسحاب من اتفاق الحبوب، سعت أنقرة إلى ربط اتصالات مع موسكو لإيجاد حل للأزمة. وكان أول هذه الجهود مباحثات جمعت بين وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الروسي سيرغي لافروف، هدفت إلى تباحث آخر التطورات المتعلقة باتفاقية شحن الحبوب عبر البحر الأسود، وفق ما ذكر بيان الخارجية التركية يوم الثلاثاء.

وجاء في بيان الخارجية التركية، أن الوزير هاكان فيدان بحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف تطورات صفقة الحبوب خلال اتصال هاتفي، إضافة إلى مسألة حصول تركيا على طائرات إطفاء الحرائق كبيرة الحجم.

وقبل ذلك، في يوم الاثنين، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن ثقته بأن نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرغب باستمرار اتفاقية الحبوب، مشيراً إلى أنه سيتواصل معه قريباً بهذا الصدد.

وكان ذلك في مؤتمر صحفي عقده أردوغان بمطار أتاتورك بمدينة إسطنبول، قبيل مغادرته إلى السعودية في مستهل جولة خليجية شملت أيضاً قطر والإمارات. وقال الرئيس التركي: "رغم التصريحات (المتحفظة حول تمديد الاتفاقية) الصادرة اليوم أؤمن أن صديقي الرئيس الروسي بوتين يرغب باستمرار هذا الجسر الإنساني".

وتابع أردوغان، مشيراً إلى جهود بلاده من أجل عودة سريان الاتفاق، بالقول: "ربما نتخذ خطواتنا عبر اتصال هاتفي مع بوتين دون أن ننتظر حلول أغسطس (موعد زيارة بوتين إلى تركيا)".

هذا ويرتقب أن يجري الرئيس الروسي زيارة إلى تركيا في شهر أغسطس/آب المقبل. وكان الرئيس التركي قد صرح للصحافيين، عقب صلاة الجمعة الماضية، قائلاً "نجري تحضيراتٍ لزيارة الرئيس الروسي إلى تركيا، خلال شهر أغسطس/آب المقبل، نحن متوافقون بالآراء حول تمديد اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، والأمين العام للأمم المتحدة أيضاً أرسل رسالة إلى الرئيس بوتين بهذا الخصوص".

TRT عربي