"تضع ماكرون وسط كمّاشة".. كيف يهدد الفلاحون بانفجار انتفاضة في فرنسا؟
اتسعت رقعة احتجاجات الفلاحين في فرنسا لتشمل معظم مناطق البلاد، واضعةً حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، في وضع سياسي حرج، إذ أصبحت تأخذ شكلاً مشابهاً لانتفاضة السترات الصفراء التي طبعت بداية حكمه.
الفلاحون يهددون بانفجار انتفاضة في فرنسا / صورة: AFP (AFP)

أسبوع ثانٍ يدخل على فرنسا وهي تعيش احتجاجات واسعة للفلاحين، الغاضبين من قضايا مثل: تخزين المياه، والضريبة على وقود الجرارات، والتأخر في دفع الإعانات الزراعية، ومعايير البيئة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.. إذ انتقلت هذه الاحتجاجات، خلال الأسبوع، من شرق البلاد لتغطي كامل تراب البلاد.

وتضع هذه الاحتجاجات الحكومة الفرنسية وسط مأزق سياسي، مع استمرار الفلاحين في محاصرة العاصمة باريس. هذا في وقت تسود فيه مخاوف من تكرار سيناريو السترات الصفراء، التي أقلقت حكم ماكرون في بدايته.

باريس محاصَرة والاحتجاجات تتسع!

وبعدما كانت محصورة في جنوب شرقي البلاد، اتسعت احتجاجات الفلاحين لتشمل باقي التراب الفرنسي. وجاب نحو 200 جرار شوارع مدينة رين، يوم الخميس، في مسيرة احتجاجية نظّمها الفلاحون الغاضبون، من أجل الضغط على الحكومة لقبول مطالبهم.

انطلقت احتجاجات المزارعين في فرنسا يوم الخميس 18 يناير/كانون الثاني، إذ بدأ المئات منهم بإغلاق الطرق السريعة في جنوب غربي البلاد. وتطورت هذه الاحتجاجات إلى هجمات على مبانٍ حكومية، وحدث انفجار في مبنى خالٍ تابع لمديرية البيئة في مقاطعة أود (جنوب غرب).

توتَّر الوضع، يوم الثلاثاء، عندما عمد الفلاحون إلى السيطرة سوق رانجيس (وسط غرب)، التي تعد أكبر سوق أغذية في أوروبا. وتدخلت قوات الأمن الفرنسية، محاولةً منع تقدم قافلة جرارات المزارعين، ما أسفر عن صدامات بينها وبين المحتجين.

ونجح مجموعة من الفلاحين المحتجين في اقتحام مناطق التخزين في السوق، وتدخلت الشرطة لفض اعتصامهم، وألقوا القبض على نحو 91 منهم. وصرّح قائد شرطة باريس، لوران نونيز، بأن الفلاحين "تخطوا الخطوط الحمراء باقتحامهم "منطقة تخزين، وإحداثهم أضراراً هناك".

ويوم الأربعاء، عمد الفلاحون إلى دخول العاصمة باريس، حيث لاقتهم مدرعات الدرك في مداخل المدينة، ومنعوهم من التقدم واعتقلوا كثيراً منهم. وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان، محذراً المحتجين، إنهم "إذا عمدوا للعودة مجدداً إلى باريس، فلن نسمح بذلك".

وعسكر الفلاحون على مداخل باريس، وأغلقوا الطرقات الرئيسية المؤدية إلى العاصمة الفرنسية، فيما سمّوه "حصار باريس" حتى الاستجابة لمطالبهم. وأعلن أرنو روسو، زعيم فيدرالية نقابات المزارعين، الاثنين: "سوف نغلق جميع الطرق السريعة الرئيسية المغادرة لباريس (...) هدفنا هو الضغط على الحكومة لتنفيذ ذلك بسرعة ونجد الحلول لإنهاء الأزمة".

واستمر المحتجون، يوم الخميس، في إغلاق الطرقات في معظم التراب الفرنسي، وبلغت نقاط الإغلاق نحو 100 نقطة.

حكومة ماكرون تحت الضغط

وفي ظل هذه الظروف، تعيش الحكومة الفرنسية تحت ضغوط كبيرة، خصوصاً بعد رفض المحتجين توزيع منتجاتهم الفلاحية، ما يسبب اضطراباً في سلاسل توريدها. وبدأت المتاجر الكبرى وتلك المتخصصة في بيع الخضراوات والفواكه، تعرف نقصاً في هذه المنتجات.

إضافةً إلى هذا، كانت الحكومة الفرنسية قد أعربت في وقت سابق عن مخاوفها من تحول الاحتجاجات إلى ما تشبه حركة السترات الصفراء. وأفادت بوليتيكو نقلاً عن أحد الوزراء الفرنسيين بأن الرئيس ماكرون أعطى تعليماته بإيلاء اهتمام خاص لتحركات المزارعين "خوفاً من تكرار سيناريو السترات الصفراء".

ومن بين ما يطالب به الفلاحون الفرنسيون، تخصيص دعم مالي لقطاع الفلاحة المحلي من أجل موازنة التكاليف الناجمة عن الأنظمة البيئية الأوروبية، كما لموازنة أزمة التضخم وارتفاع أسعار الطاقة. هذا بالإضافة إلى سن قوانين حمائية تفضيلية للمنتجات الفلاحية الفرنسية، من أجل منافسة الواردات الغذائية الأجنبية.

وحسب ما نشرت صحيفة "بليك" السويسرية، فإن حكومة ماكرون اليوم "ظهرها للحائط" أمام احتجاجات الفلاحين، في إشارة إلى أن هذه الاحتجاجات تضع تلك الحكومة في مأزق. وتضيف الصحيفة، أن مشكلة ماكرون ليست في تعويض الفلاحين الصغار، بل في ترضية كبار المزارعين وأصحاب الشركات الفلاحية.

من ناحية أخرى، انتقدت صحيفة لوسوار البلجيكية، تعامل الداخلية "المتسامح" مع الفلاحين، مقارنةً بقمعهم الاحتجاجات العمالية والسترات الصفراء. وكتبت الصحيفة: "إن المظاهرات الحالية التي يقودها المزارعون تُظهر بوضوح أنهم لا يتعرضون لنفس المعاملة التي يتعرض لها الناشطون البيئيون والسترات الصفراء".

ويزيد هذا الضغط على حكومة ماكرون، مع مساعي اليمين المتطرف للركوب على موجة هذه الاحتجاجات من أجل كسب الشعبية. وسبق أن اتهم جوردان بارديلا، زعيم حزب التجمع اليميني المتطرف، الحكومة وحملة "أوروبا ماكرون" للانتخابات الأوروبية بالرغبة في "موت الزراعة الفرنسية".

وحسب بوليتيكو، يضغط اليمين المتطرف، الذي يتقدم بعشر نقاط مئوية في آخر استطلاعات الرأي لانتخابات الاتحاد الأوروبي، من أجل فرض "حالة طوارئ" زراعية وسياسة زراعية حمائية، ومن أجل خروج فرنسا من اتفاقيات التجارة الحرة, وهي القرارات التي تلقى ترحيباً من المزارعين الغاضبين.

TRT عربي