"طريق الحرير الرقمي".. كيف تنشئ الصين البنية التكنولوجية بإفريقيا؟
تعد مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها بكين عام 2013 أبرز المبادرات الصينية على المستوى الدولي، حيث تتركز على بناء شبكة ممتدة عبر أوراسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية لتسهيل التجارة الدولية وتعزيز الترابط الاقتصادي.
الصين أفريقيا (Others)

تعد مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها بكين عام 2013 أبرز المبادرات الصينية على المستوى الدولي، حيث تتركز على بناء شبكة ممتدة عبر أوراسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية لتسهيل التجارة الدولية وتعزيز الترابط الاقتصادي.

وبينما كانت النقاشات متمحورة حول الأجزاء المادية من المبادرة المتمثلة في تطوير البنى التحتية للدول النامية، بدأت الأضواء مؤخراً تُسلَّط على ما يوصف بأنه "طريق الحرير الرقمي"، حيث استثمرت بكين في إنشاء وتطوير شبكات تكنولوجية في دول يقع بعضها في القارة الإفريقية.

و"طريق الحرير الرقمي" هو "الجانب الرقمي" لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، ويشمل مشروعات متنوعة بين شبكات لا سلكية وكاميرات مراقبة وكوابل بحرية وأقمار صناعية، حسب ما قاله الدكتور محمد عبد الكريم الخبير في الشؤون الإفريقية لـTRT عربي.

ويضيف عبد الكريم: "ويمكن في نهاية المطاف إضافة استخدامات الذكاء الصناعي وتطبيقات البيانات الضخمة والتكنولوجيات الاستراتيجية متعددة الاستخدامات العسكرية والمدنية".

ويوافقه في ذلك الدكتور عادل عبد الصادق مدير المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني الذي يعتبر "طريق الحرير الرقمي" من أهم ركائز السياسة الخارجية للصين، موضحاً أنها تهدف إلى "مساعدة الدول الواقعة على طول "الحزام والطريق" في تسريع قدرتها التنافسية الدولية، والاستفادة من التجربة الصينية الرائدة في مجال التنمية الرقمية، ومواكبة التغير في مسارات التجارة الدولية مع صعود العامل الرقمي في التعاملات الدولية، إلى جانب البعد التقليدي المتمثل في شبكات الطرق والبنية التحتية الضخمة".

ويضيف عبد الصادق في تصريحه لـTRT عربي أن هذه المبادرة "تعبر عن قراءة صينية معاكسة للعولمة، قائمة على فتح أبواب الشراكات التنموية بعيداً عن نموذج العولمة الغربية"، مبيناً أن هذه المبادرة ازدادت أهميتها مع دمج الأمم المتحدة لمبادرة "الحزام والطريق" في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.

وكانت بكين أطلقت مبادرة "الحزام والطريق" عام 2013 بهدف تطوير التعاون الاقتصادي بين الدول الواقعة على خط الحرير التاريخي، وبعدها بعامين بدأت أولى ملامح "طريق الحرير الرقمي" الظهور في قمة مجموعة العشرين في هانغتشو الصينية 2015، وخلال القمة العالمية للإنترنت العام الذي تلاه.

- القارة السمراء و"خط الحرير الرقمي"

تعد إفريقيا إحدى المحطات التي يجتازها "طريق الحرير الرقمي"، ووفقاً للدكتور عادل عبد الصادق فإن القارة تعد من الأسواق الجاذبة عالمياً في مجالات الاتصالات والمعلومات، وهو ما يجعلها محط تنافس دولي بين الشركات التقنية الكبرى من جهة وبين الدول الكبرى من جهة أخرى.

ويضيف قائلاً: "لا يستخدم الإنترنت في إفريقيا سوى 46 % من سكان القارة فقط. وهو ما يفتح باب سوق ضخم، وهذا ما تحتاج إليه الصين".

وأورد تقرير صادر عن GSMA، وهي منظمة دولية معنية باقتصاد الهواتف المحمولة، أنه مع نهاية عام 2021 كان عدد المشتركين في خدمة الهاتف المحمول في إفريقيا جنوب الصحراء يبلغ 515 مليوناً ما يوازي 46% من سكان المنطقة، متوقعاً أن يبلغ عدد المشتركين عام 2025 613 مليوناً أو 50% من السكان في المنطقة المذكورة.

من جهته يوضح عبد الصادق أن القارة السمراء كانت من أكبر المستفيدين من الربط الرقمي الصيني، وبخاصة في مشاريع السكك الحديدية والمواني والطرق والطاقة والمياه .مشيراً إلى أن بكين تساعد دول القارة في إنشاء بنية تحتية رقمية، والاستفادة من نظام "بيدو" للملاحة عبر الأقمار الصناعية في مجالات الزراعة والاتصالات والمراقبة البحرية والإغاثة من الكوارث.

ويوصف نظام "بيدو" الذي كلف إنشاؤه قرابة عشر مليارات دولار بأنه الأداة الصينية المنافسة لنظام تحديد المواقع الأمريكي "جي بي إس"، ويضم 35 قمراً صناعياً تغطي الكرة الأرضية جرى إطلاق آخرها صيف عام 2020.

وفي تصريحه لـTRT عربي يؤكد عبد الصادق أن طريق الحرير الرقمي "يمثل فرصة لسد الفجوة الرقمية وتطوير الاقتصاد الرقمي والدفع الإلكتروني والتجارة الإلكترونية في البلدان الإفريقية"، مضيفًا أنه في سبيل دفع النمو الاقتصادي في إفريقيا جرى إطلاق برنامج شراكة الابتكار الرقمي بين إفريقيا والصين.

ووفقاً لعبد الصادق فقد "دخل عدد من دول القارة في نطاق الاستفادة الفعلية من طريق الحرير الرقمي مثل المغرب وجنوب إفريقيا وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي وزامبيا ومصر وغيرها". ويصف تقرير مشترك بين صندوق النقد الدولي وغوغل إمكانات اقتصاد الإنترنت في إفريقيا بـ"الكبيرة"، حيث إن هذا الاقتصاد لديه القدرة على الوصول إلى 180 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو ما يمثل 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة. في حين يمكن أن تصل المساهمة المحتملة المتوقعة لهذا القطاع بحلول عام 2050 إلى 712 مليار دولار، ما يوازي 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة.

- التنمية الرقمية وأشياء أخرى

ورغم أن طريق الحرير الرقمي وفر للعديد من الدول الإفريقية قفزات نوعية كان من المتعذر إنجازها بتلك السرعة، فإن استراتيجية بكين في هذا الخصوص، كما يراها الدكتور عادل عبد الصادق، تحقق لها مجموعة من المصالح الحيوية.

حيث تتيح هذه المبادرة لبكين نقل فائض الإنتاج إلى الخارج، ومن ثم الحفاظ على وتيرة الأرباح من الأسواق الخارجية وبخاصة بعد تشبُّع السوق الصيني. وبنظرة استشرافية ترى الصين أنه لضمان قوتها الاقتصادية مستقبلاً عليها أن تحافظ على ريادتها التقنية في مواجهة الهيمنة الأمريكية التقليدية، ولا سيما في الأسواق التي عانت من الإمبريالية الغربية وبخاصة في إفريقيا.

بجانب ما سبق يضيف الدكتور عبد الصادق أن بكين تعتقد أن العامل الرقمي عنصر مهم في التجارة الدولية، وأن عليها الحفاظ على التقدم في مسار الاقتصاد الرقمي الذي بات ركيزة عالمية في النمو الاقتصادي وبخاصة فيما بعد جائحة كوفيد-19 والتضخم العالمي.

وفي السياق الإفريقي ترى الصين أن مدخل التنمية والشراكة يفتح الباب أمام الاستثمار في الدول الإفريقية ويخفف من المعارضة الوطنية للاستثمار الأجنبي وبخاصة في ظل الصورة النمطية عن الاستثمار الأجنبي الغربي تحديداً، وأن القيود المتزايدة على الشركات الصينية، وتحديداً في السوق الأمريكي والأوروبي، تحت دعاوى حماية الأمن القومي أو ممارسة الحمائية التجارية تجعل الصين تنظر إلى فتح الأسواق الجديدة كضرورة استراتيجية وبخاصة في إفريقيا.

وفي تصريحه لـTRT عربي يربط عادل عبد الصادق مدير المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني كل ما سبق برؤى بكين لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وبمشاريع الصين لإعادة صياغة النظام الدولي وبناء الصين كقوة اقتصادية كبرى، قائلًا: "وهذا بالتالي يستلزم العمل على بناء شراكات إقليمية وملء الفراغ الاستراتيجي للقوى الغربية في الشرق الأوسط وإفريقيا بخاصة".

- مشاريع غربية مضادة

ومع احتدام المعركة العالمية على النفوذ بدءاً من شرق أوروبا وانتهاء بإفريقيا يذهب الخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور محمد عبد الكريم إلى أنه لا يوجد حتى الآن "مشروع" غربي متكامل مضاد لطريق الحرير الرقمي.

مضيفاً أنه وفق ديناميات العمل الغربي في القارة فإن حكومات دول مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا بدأت دعم شركاتها الكبرى العاملة في أنشطة مشابهة للمشروع الصيني لتوسيع نطاقات عملها في الدول الإفريقية كما يتضح حالياً في غرب إفريقيا.

في المقابل يوضح الدكتور عادل عبد الصادق أن الاتحاد الأوروبي أعلن عن "مشروع مضاد لمشروع الحرير الرقمي في إفريقيا وهو مشروع البوابة العالمية، مخصصاً مليارات الدولارات للاستثمار في إفريقيا على مدى السنوات السبع المقبلة، كما أعلن عن عقد قمة دورية بين التكتل الأوروبي والاتحاد الإفريقي".

من جهتها عملت الولايات المتحدة على منح الدعم التقني للحلفاء وبخاصة أستراليا واليابان والهند والفلبين واليابان لتقديم طريق بديل للتجارة الكبرى عن طريق الحرير الصيني، وذلك لحرمان بكين من الوصول إلى المحيط الهادئ ودعم الحلفاء لقطع أية جهود صينية لفتح علاقات استراتيجية معها، وفقاً لعبد الصادق.

واختتم حديثه قائلاً: "إن التحركات الغربية لم تقتصر على المستوى الرسمي، فقد أعلنت كبرى الشركات التقنية الغربية، وبخاصة ميتا وجوجل واسبيس إكس، عن مبادرات لتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية لإفريقيا".

TRT عربي