كفاءات علمية تعاني العنصرية.. الإسلاموفوبيا تدفع  مسلمي فرنسا إلى هجرتها
"يحبون فرنسا، لكنهم يهجرونها"، هكذا عنون ثلاثة باحثين فرنسيين كتابهم الذي يسلّط الضوء على ظاهرة هجرة الأدمغة الفرنسية المسلمة إلى الخارج، فارّين من واقع أكاديمي ومهني يواجههم بالعنصرية بسبب قناعاتهم الدينية.
الإسلاموفوبيا تدفع  مسلمي فرنسا إلى هجرتها / صورة: AA (AA)

ولإعداد هذا الكتاب أجرى الأكاديميون الثلاثة، أوليفييه إستيف وأليس بيكارد وجوليان تالبين، استجوابات مع نحو 1070 فرنسياً مسلماً معظمهم من ذوي الشهادات العليا، وأكثر من نصفهم (54%) حاصلون على الماجستير على الأقلّ.

وخلص الباحثون إلى أن الفرنسيين المسلمين يعانون من أجل العثور على مكان آمن للعمل أو الدراسة، أو حتى شقة تؤويهم في فرنسا، نتيجة التمييز الواسع على أساس العرق والدين، الذي يواجهونه، ما يدفعهم إلى التفكير في مغادرة فرنسا نحو وجهات كدبي وكندا والولايات المتحدة.

وتُعَدّ المسلمات الأكثر تعرُّضاً لهذا التمييز، بخاصة اللواتي يرتدين الحجاب، إذ يُمنَعن بسببه الولوج إلى عدد من المرافق العامة، كما يتعرّضن بسببه للتحرش المستمر.

فيما يتفاقم واقع الإسلاموفوبيا والعنصرية في فرنسا منذ تولي الرئيس إيمانويل ماكرون الحكم في 2017، بسبب الحسابات السياسية اليمينية التي شابت إعادة انتخابه، والسياسات المعادية للمسلمين التي نزلتها الحكومات المتوالية تحت حكمه.

"نحب فرنسا، لكن نريد الهجرة منها"

وأظهرت الشهادات التي أوردها الكتاب، بمن فيهم أولئك الذين أجرت الصحافة الفرنسية معهم مقابلات، والتي فضّلوا في معظمها الظهور باسم مستعار، أن الإسلاموفوبيا والتمييز العنصري يصعّب على الكفاءات العلمية المسلمة الترقّي في السلم الاجتماعي في فرنسا.

وقال شاب فرنسي يُدعى سليم في تصريح لصحيفة لوباريزيان، متحدثاً عن ابن عمه الذي يعيش في لندن: "لا أحد يعيره اهتماماً خاصّاً خلال شهر رمضان أو بعد كل هجوم إرهابي. لا يُنظَر إليه على أنه عربي أو مسلم، بل كمهندس فرنسي".

ونقلاً عن ذات المصدر قال شابّ فرنسي آخر يُدعى رضا: "لمناصب المسؤولية، دائماً يختارون رجلاً أبيض، إنهم يفضلون شخصاً يشبههم".

ومن السلوكيات التمييزية ضد مسلمين، إرغامهم على تغيير أسمائهم العربية من أجل الحصول على وظيفة. يحكي شابّ مسلم أطلق على نفسه اسم غريغوار، في حديثه لإذاعة RMC: "لقد أُرغِمت على تغيير اسمي الأول، إذ لم يعد بإمكاني احتمال العلاقة مع الناس! نحن، مسلمي فرنسا، نُخفي أصولنا. إذا كنت تريد التقدم في الوظيفة، فعليك أن لا تكون مسلماً".

وبحسب أوليفييه إيستف، أحد مؤلفي الكتاب ومدير الأبحاث في "المركز الوطني للبحوث العلمية" الفرنسي، فإن "عدداً كبيراً من الأشخاص الذين قُوبلوا، تحدثوا عن التمييز والتهميش الذي واجههم في مسيرتهم المدرسية منذ طفولتهم".

وأضاف أن هذا التمييز يرافق المسلمين الفرنسيين حتى في حياتهم المهنية، وهو ما يدفعهم إلى الهجرة، مشدّداً على أنها "إنها "هجرة أدمغة" حقيقية، لأن هؤلاء الأشخاص لا يريدون العودة إلى فرنسا".

ويؤكد تقرير لـ"الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية" (ENAR)، أن سوق العمل الفرنسية "تمييزية للغاية"، إذ يعتبر واحد من كل شخصين في فرنسا أن التمييز شائع في أثناء البحث عن وظيفة، فيما يرى 64% من الباحثين عن عمل أن التمييز العنصري في سوق العمل يتكرر كثيراً.

المسلمات هن الأكثر معاناة

وتُعَدّ المسلمات الأكثر معاناة من التمييز، بخاصة اللاتي ترتدين الحجاب، إذ يُمنَعن ولوج عدد من المرافق العمومية، والعمل والدراسة، ناهيك بتحرش زملائهن أو أساتذتهن بهن.

وعلى الرغم من عدم وجود قانون يمنع ارتداء الحجاب في الجامعة، تعرّضت نسرين (اسم مستعار) لتضييقات كبيرة من أجل خلع حجابها، وتحكي نسرين تجربتها المريرة لـTRT عربي فتقول: "منذ وصولي إلى فرنسا لأتابع دراستي، تعرضت لانتقادات بسبب ارتدائي الحجاب، من النظرات المشمئزّة إلى الملاحظات العنيفة التي وجّهها إليّ عدد من الأساتذة".

وتضيف الطالبة بسلك الدكتوراه في إحدى الجامعات الفرنسية: "بعد مدة أصبحت أتحايل للمحافظة على حجابي؛ كنت ألبس قبّعة واسعة تغطّي كل شعري، ووشاحاً على عنقي لإخفائه (...)، لكن حتى ذلك لم ينجِّني من الملاحقات".

وتعرضت نسرين لتجربة سيئة تدفع ثمنها مرضاً نفسياً، حين نزع أستاذ قبعتها رغماً عنها وأحرجها أمام زملائها في مدرّج المحاضرة. تحكي: "بعد أن رفضت نزع قبعتي، صار (الأستاذ) يطلق عليّ النكات أمام الجميع لاستفزازي، قبل أن يمدّ يده وينزعها بقوة (...)، انفجر الجميع بالضحك عليّ وأنا أنهار باكية".

وقالت نسرين: "عشت تجارب أخرى لا تقلّ مرارة، كما يعيشها كثير من المسلمين في فرنسا (...)، لي أقرباء مهندسون فرنسيو الجنسية، يُعِدُّون أنفسهم للعودة نهائياً إلى المغرب، بسبب التضييق الذي يعانونه في باريس".

ويشير تقرير ENAR، إلى أن النساء من أصول إفريقية هن الأقلّ نشاطًا في سوق العمل الفرنسية، بنسبة 74%، في حين انخفض معدل البطالة بين النساء البيض كثيراً خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، تواجه النساء الملونات تحديات مختلفة في سوق العمل بسبب تعليمهن وخلفياتهن الاجتماعية والإثنية والدينية.

وبحسب الباحثة نيسا أفندي أوغلو، في مقالها "الإسلاموفوبيا تدفع المسلمات الفرنسيات المحترفات إلى مغادرة فرنسا"، فإن حظر الحجاب في المؤسسات العامة، والتمييز ضد الحجاب في القطاع الخاصّ، يجبر عديداً من المحجبات في فرنسا على خلع حجابهن أو ترك سوق العمل واللجوء إلى العمل في المجتمع المدني.

وتضيف أفندي أوغلو أن استبعاد المحجبات يتجاهل المهارات المهنية التي تمتلكها هؤلاء النساء، ومساهمتهن المحتملة في القوى العاملة في فرنسا. وبمعنى أوسع، يخلق هذا التمييز مشكلة استغلال العمالة في البلاد، مما يقوض حقوق العمال أيضاً.

وتخلص الباحثة من خلال مقابلاتها مع عدد من النساء المسلمات اللاتي غادرن فرنسا أو يخطّطن لمغادرة فرنسا، إلى وجود نمط ثابت من التمييز العنصري وتضييق فرصهن، بخاصة للواتي يُظهِرن هويتهن الإسلامية بوضوح.

TRT عربي