مصير غامض.. هل ضاعت آمال سوناك في رئاسة ثانية لحكومة بريطانيا؟
حُلَّ يوم الخميس رسمياً البرلمان البريطاني، إعداداً للانتخابات المبكرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء ريشي سوناك في 22 مايو/أيار، في أعقاب الخسارة المدوية للمحافظين خلال الانتخابات المحلية السابقة، واستمرار صعود شعبية المعارضة العمالية.
هل ضاعت آمال سوناك في رئاسة ثانية لحكومة بريطانيا؟ / صورة: AFP (AFP)

ومع دخول الحملة الانتخابية، يواجه طموح سوناك إلى الفوز بولاية ثانية على رأس حكومة المملكة، مصيراً مجهولاً. لا يعود ذلك فقط إلى انحدار شعبية الحزب الحاكم، بل وإلى الضغوط الداخلية التي يواجهها زعيمه، مهدّدة بقاءه في رئاسة الحزب، بعد سنتين قضاها في المنصب.

وأفادت تقارير عديدة بأن ريشي سوناك يواجه مشكلات في السيطرة على البيت الداخلي للمحافظين، مع ظهور حركة معارضة له في الداخل، وتوالي انشقاقات نوابه.

معارضة وانشقاقات في "المحافظين"

وذكرت صحيفة الغارديان أن سوناك يواجه انشقاقات في صفوف حزبه، بعد أعلن عدد من النواب المحافظين دعم مرشحين من خارج الحزب خلال الانتخابات المبكرة المُزمَع إجراؤها في 4 يوليو/تموز المقبل.

وفي يوم الاثنين أعلنت النائبة المحافظة عن تيلفورد لوسي آلان، دعمها مرشح الحزب الإصلاحي آلان آدمز. ورداً على ذلك قال الحزب المحافظ، على لسان ناطقه الرسمي، إنه "عُلِّقَت عضوية لوسي آلان في الحزب بأثر فوري". لكن سرعان ما أجابت النائبة بأنها استقالت مسبقاً من الحزب.

بالتزامن، وجّه المحافظون انتقادات واسعة لزعيمهم، إذ خرج وزير أيرلندا الشمالية ستيف بيكر بتصريحات تدعم مشروع فرض الخدمة الوطنية الإلزامية، الذي تروّجه المعارضة العمالية في برنامجها الانتخابي. إضافة إلى هذا، فضّل الوزير الذهاب في عطلة صيفية خارج البلاد، عوض خوض الحملة الانتخابية مع حزبه، حسبما نقلت الغارديان.

ووجه النائب المحافظ المستقيل والوزير السابق زاك غولدسميث، انتقادات لاذعة لريشي سوناك، متهماً إياه بأنه "ألحق الضرر بالحزب بشكل لا يمكن إصلاحه تقريباً". وكان غولدسميث استقال سابقاً من حزب المحافظين، بسبب عدم رضاه عما اعتبره تَملُّص سوناك من التزامه تجاه البيئة.

وبحسب الغارداين، تشكل عدة مواضيع سياسية ساحة للاصطدام بين رئيس الحكومة ومعارضيه داخل الحزب، من بينها مكافحة العجرة غير الشرعية وخطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وهو ما يهدد بقاء سوناك على رأس الحزب، وفق توقعات عدد من المراقبين.

وقال غولدسميث في تصريحاته الأخيرة: "نأمل أنه عندما يرحل سوناك (عن رئاسة الحزب) إلى كاليفورنيا، في غضون الأسابيع القليلة القادمة، سيتبقى على الأقلّ بعض النواب المحترمين الذين يمكن إعادة بناء الحزب حولهم".

وكشفت استطلاعات رأي أخيرة أن شعبية رئيس الوزراء ريشي سوناك تهاوت داخل الحزب إلى 49%. وفي عموم المملكة المتحدة، فإن 20% فقط من الشعب لديهم وجهة نظر إيجابية حوله، فيما يراه 71% منهم بنظرة سلبية.

مفرّ الانتخابات

تأتي هذه الصدامات الداخلية في الحزب المحافظ، مُضافة إلى استمرار انحدار شعبيته في كامل البلاد. ويُجمِع محللون على أنه بعد النتائج السيئة التي حصدها المحافظون خلال الانتخابات المحلية، ما دفع سوناك إلى الارتماء في مغامرة انتخابية جديدة، بإعلان انتخابات عامة مبكرة، سعياً منه لإصلاح الواقع المأزوم الذي يعيشه هو وحزبه.

وهو ما أكده تقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية، بقوله إنه عندما تستمر في تلقي الأخبار السيئة على طول الأشهر الأخيرة، بنفس القدر الذي تلقاها به رئيس الوزراء البريطاني، فسوف تتقبل أي شيء في طريق الحظ السعيد.

وكان من المتوقع أن يشهد الحزب المحافظ ثورة أعنف ضد سوناك، لولا إعادة انتخاب عدد من مرشحيه لرئاسة بلدياتهم، وإن كان ذلك جرى بفوارق ضئيلة للغاية. غير أن المخاوف مستمرة في أوساط المحافظين، يحفزها نجاح حزب العمال في تدارك فجوة الشعبية بينه وبين الحزب الحاكم لأول مرة منذ 2019، وفق ما أشارت إليه الاستطلاعات.

وتكشف استطلاعات الرأي الحديثة حصول حزب العمال على 45% من نيات التصويت في المتوسط ​​مقارنة بـ23% لحزب المحافظين، مما يشير، في ضوء نظام التصويت بالأغلبية البسيطة، إلى فوز كبير للغاية لحزب العمال.

بالتالي، فإن ركض سوناك وراء انتخابات عامة مبكرة هو محاولة لقلب الطاولة على خصومه داخل الحزب، كما قلب الطاولة على العماليين، مستفيداً من بعض النجاحات التي حصدتها حكومته مؤخراً، مثل بداية الانفراج الاقتصادي في البلاد بعد سنوات الركود التي أعقبت اندلاع الحرب في أوكرانيا، ونجاحه في المُضيّ قُدُماً في خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.

ويراهن رئيس الوزراء أيضاً على عنصر المفاجأة التي يمكن أن تشوب عملية الانتخاب، على الرغم من إجماع المحللين على أن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تشير إلى تخلُّف حزب المحافظين بفارق 20 نقطة عن حزب العمال المعارض.

يشكّك عديد من المحللين للشأن البريطاني في نجاح رهان سوناك بإعلانه انتخابات مبكرة. وقال برونوين مادوكس، مدير مركز تشاتام هاوس للأبحاث، إن موعد الانتخابات صدم عديداً من المحافظين، الذين كانوا يعتقدون أنها ستُجرى بفارق زمني بسيط عن انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وأضاف المحلل السياسي: "يجب أن نفهم أن سوناك كان يرى (إجراء الانتخابات في الخريف) أمراً جيداً قدر الإمكان (...) إذ سيمنحه ذاك مجالاً أوسع (لتحسين صورته) مع بدء سماع مؤشرات تحسن الاقتصاد، وانخفاض أسعار المنازل، وتراجع القلق بشأن فواتير الطاقة، لكنني مندهش من أنه لم يفعل ذلك، وقرر عدم منح هذه المؤشرات وقتاً أطول لتتجلَّى".

في المقابل يرى آخرون أن تراجع المحافظين في الانتخابات المحلية يعني أن العمال سيفوزون بالانتخابات العامة. وقالت المحاضِرة في جامعة إكستر هانا بونتينغ: "بينما كان أداء المحافظين سيئاً للغاية في تلك الانتخابات (المحلية)، فإن الفائزين الحقيقيين كانوا الأحزاب الصغيرة والمستقلين، بدلاً من حزب العمال".

وتخلُص بونتينغ إلى أنه "إذا تُرجم ذلك إلى انتخابات عامة أيضاً، فإن فوز حزب العمال الساحق يبدو أقل تأكيداً بكثير".

TRT عربي