الجزائر.. هل خسر النظام رهان الانتخابات التشريعية؟
أسفرت عملية فرز الأصوات غير النهائية في الانتخابات الجزائرية عن تصدر "جبهة التحرير الجزائرية" النتائج بنحو 105 مقاعد، متبوعة بالمستقلين بنحو 78 مقعداً، بينما لم تحصل حركة "حمس" الإسلامية إلّا على 64 مقعداً من أصل 407 مقاعد يتشكل منها البرلمان.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يتحدث خارج مركز اقتراع خلال الانتخابات البرلمانية في البلاد في بوشاوي. (Reuters)

بعد إغلاق مكاتب التصويت في الانتخابات التشريعية في 12 يونيو/حزيران 2021، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أنّ "نسبة التصويت لا تهمّ"، في اعتراف غير مستتر ينم عن عدم قدرة النظام على إقناع فئات عريضة من الشعب الجزائري بالمشاركة في اختيار نواب الأمة في الغرفة الأولى للبرلمان.

وتُعتبر هذه المحطة ثالث استحقاق سياسي يشهد مقاطعة واسعة من طرف الناخبين في ظرف لا يتجاوز 18 شهراً، فبعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2019 والاستفتاء على الدستور في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لم تتجاوز نسبة المشاركة في تصويت يوم السبت الماضي عتبة 20%، حسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها السلطة الجزائرية للانتخابات، وهي أدنى مشاركة على الإطلاق في التاريخ السياسي المعاصر للجزائر.

وحسبما أعلنته السلطات الجزائرية، فإنّ نسبة مشاركة الجزائريين المقيمين بالمهجر لم تتجاوز 5% وهو ما يعني مقاطعة شاملة لأزيد من 5 ملايين مغترب جزائري، وقد تزكي هذه الأرقام ما ذهبت إليه المعارضة من اتهام للسلطة بالتلاعب أو التزوير في نسبة المشاركة داخل الجزائر.

بل إنّ "حركة مجتمع السلم" المحسوبة على التيار الإسلامي المشارك في السلطة، كانت قد أعلنت يوم 13 يونيو/حزيران، أي في اليوم الموالي للاقتراع، أنها فازت بالمرتبة الأولى في نتائج الانتخابات، محذرة ممَّا أسمته "محاولة للتزوير ستكون عواقبها وخيمة على البلاد" وفقاً لبلاغ لها بنفس التاريخ. وكلها وقائع ترخي بظلالها على مصداقية الاقتراع في حدّ ذاته، وخصوصاً أنّ أفراد الجيش يشاركون في التصويت داخل ثكناتهم ممَّا يحول دون مراقبة شفافة لهذه العملية.

إقبال عدد من الجزائريين على أحد مراكز الاقتراع للادلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية  (AP)

وقد أسفرت عملية فرز الأصوات غير النهائية عن تصدر "جبهة التحرير الجزائرية"، الحزب الوحيد سابقاً والذي حكم الجزائر منذ استقلالها عام 1962، بأزيد من 105 مقاعد متبوعاً بالمستقلين بحوالي 78 مقعداً، بينما لم تحصل حركة "حمس" الإسلامية التي أعلنت فوزها في وقت سابق، إلّا على 64 مقعداً من أصل 407 مقاعد يتشكل منها البرلمان.

ولعلّ أخطر ما في هذه النتائج هو تكريسها لمقاطعة شبه تامّة للانتخابات في منطقة القبائل فاقت 99% حسب الأرقام الرسمية في كل من ولاية بجاية وولاية تيز وزّو التي تعتبر عاصمة منطقة القبائل ذات الغالبية الأمازيغية.

وحسب نفس المصادر لم يتجاوز عدد المكاتب المفتوحة في ولاية بجاية مثلاً 17 مركزاً من أصل 500 مركزٍ، لم يتبق منها أي مكتب مفتوح عند منتصف النهار. وهو نفس السّلوك الانتخابي الذي تم تسجيله في الرئاسيات والاستفتاء الدستوري، ممَّا يجعل منطقة القبائل من الناحية العملية تعيش حالة شبه عصيان مدني رافض لشرعية النظام القائم. وهو ما لم تنفكّ تُفسّرُه التيارات الانفصالية أو المطالِبة بالحكم الذاتي في منطقة القبائل، على أنه تأييد لتلك المطالب كما هو الشأن بالنسبة لحركة "الماك" التي يتزعمها فرحات مهني من منفاه بأوروبا.

رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري  (AFP)

وبغضّ النظر عن اتهامات التلاعب بأرقام المشاركة أو النتائج في حدّ ذاتها، فإنّ هذه الانتخابات تؤكد عموماً أن مطالب الحراك الشعبي الجزائري الذي انطلق في 22 من فبراير/شباط 2019 ما زالت تحظى بالتأييد الشعبي، وأنّ السلطة قد خاب مسعاها في انتزاع الشرعية عبر صناديق الاقتراع.

فقد كان الرهان الأكبر في هذه الانتخابات هو تحقيق نسبة عالية من المشاركة، ممَّا كان سيعطي للنظام القائم صكّ براءة من تهمة فقدان الشرعية الذي ترفعه المعارضة.

كما أنّ نسبة مشاركة مرتفعة كانت ستسحب البساط من تحت أقدام زعماء الحراك الشعبي. غير أنّ النتائج جاءت مخيبة لآمال السلطات الجزائرية، فقد أظهرت أنّ الحراك الشعبي لم يفقد كلّ وهجه رغم حملة الاعتقالات التي طالت أزيد من 222 مواطناً جزائرياً، وفقاً لما أعلنته اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين بالجزائر، جلهم من نشطاء الحراك، ويأتي في مقدمتهم كريم تابو، زعيم جبهة القوى الاشتراكية سابقاً وأحد أبرز قادة الحراك، والصحافي خالد درارني، وإحسان القاضي مدير محطة إذاعية، ويشترك الثلاثة في كونهم كانوا قد اعتقلوا سابقاً وتم إطلاق سراحهم تحت ضغط الشارع الجزائري والمنظمات الحقوقية الدولية، قبل أن يعاد اعتقالهم عشية الانتخابات الأخيرة.

وبدلاً من أن تساهم الانتخابات الأخيرة في إجلاء الغبار عن المشهد السياسي الجزائري الذي يعلوه منذ سنتين ونصف السنة، ازدادت الصورة ضبابية بسبب نسبة المقاطعة غير المسبوقة، وبسبب غياب أي تغيير ولو شكلياً في اللون الحزبي الذي يقود البلاد، وهو ما يدفع المراقبين إلى التساؤل عن مستقبل الجزائر في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وتبخر احتياطات العملة الصعبة، وإصرار الحراك على رفع شعار "إسقاط النظام العسكري وبناء الدولة المدنية".

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي