المستحيلات في غزة كثيرة خلال الحرب.. منها الفاكهة والخضراوات
الاحتلال الإسرائيليّ يجوّع الغزيين، ويبيد الثروات الزراعية في قطاع غزة، وهذه الأضرار الجسيمة التي لحقت بالزّراعة ستكون طويلة الأمد وبالغة الأثر، وقد يتعذر إصلاحها في المستقبل.
يعاني سكان قطاع غزة من نقص واضح في المواد الأساسية وتحديداً الغذائية منها. / صورة: Reuters (Reuters)

بعد أكثر من مئة وعشرة أيام من العُدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، ما يُقارب الأربعة أشهر وسكّان القطاع محرومون من نعيم بلادهم، إذ إنّ الخضار والفواكه أصبحت من ترف العيش، واستعاض عنها الغزيّ ببعض المعلّبات عديمة الطّعم.

أراضٍ زراعيّة قُتلت محاصيلها

قصف الاحتلال الإسرائيليّ الأراضي الزراعية ودمّر محاصيلها، واقتلع آلاف الأشجار وأحرقها، وجرّف مساحات زراعيّة واسعة وأتلفها خلال عدوانه البريّ، خاصة في المناطق الشماليّة من قطاع غزة التي تشكّل الجزء الأكبر من إنتاجية المحاصيل الزراعية في القطاع، هذا إلى جانب الأضرار الكبيرة التي شهدتها باقي الأراضي في الوسط والجنوب.

ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، فإنّه أيضاً منع المزارعين قسراً وخوفاً من الوصول إلى مزارعهم، وذلك بسبب خطورة الوضع في تلك المناطق، واستهداف كل مُزارع يحاول الوصول إلى أرضه، وراح ضحية هذا الإجرام كثير من المزارعين الذين ألقت عليهم طائرات الاحتلال صواريخها وهم يحصدون محاصيلهم.

ولن أنسى مرة في أيام الشمال الصعبة كان رجل يُنادي على النّاس لشراء محصوله من البرتقال والخضار ويقول: "من تحت ضرب النّار يا برتقال، من تحت ضرب النّار يا خيار".

حِصارٌ يطبق فكّيه على القطاع

يعاني قطاع غزّة من نقصٍ في السّلع الأساسية للحياة، ومن أهمّها الخضروات والفواكه، بسبب الحصار الكامل المفروض على القطاع ونفاد مخزون المتاجر بعد أربعة شهور من العُدوان، وإغلاق جميع المعابر وعدم السّماح بدخول المساعدات إلّا بكميات محدودة وقليلة جدّاً، لا تكفي لتغطية احتياجات الأسر بأيّ شكلٍ كان.

ودخل قطاع غزّة أصناف محدودة جدّاً من الخضراوات، ولكنّ أسعارها كانت مُضاعفة عشرات المرات، لندرتها ومخاطرة التجار بحياتهم لاستلام هذه الشّاحنات من المساعدات الغذائية من أمام معبر رفح، الذي لا يعتبر أكثر أماناً من غيره من مناطق القطاع المستهدفة، كما أنّ هذه البضائع لا تصل إلى مناطق القطاع كافةً، وإنّما إلى المناطق الجنوبيّة فقط.

مجاعة في الشمال

أمّا منطقة شمال قطاع غزة، ففيها مجاعة حقيقية لا مَجازية تحدث، في ظلّ عدم توفّر أدنى مقومات الحياة، وفي حال توفرها فإنّها تكون باهظة الثّمن بشكلٍ لم يشهده الأهالي من قبل، هذا والسكّان منقطعون عن مصادر رزقهم لأربعة أشهر، وبالتّالي لا يملكون حتّى قوت يومهم.

الأوضاع تسوء يوماً بعد يومٍ بشكلٍ كارثيّ، فحين كنّا في الشّمال، لم نعد نجدُ شيئاً في الأسواق سوى الليمون والثّوم! وكانت أسمى أمانينا أن نتناول السّلطة، وبعد خمسين يوماً من بدء العدوان والمعاناة والتشرّد، قرر والدي أن نذهب جنوباً حتى لا نموت من القصف أو من الجوع، وعندما وصلنا إلى رفح ورأيتُ في أسواقها طماطم وخياراً كنتُ في حالة صدمة مُبكية، وكأنني شهدتُ يوم التّحرير لحظتها.

وبعد فترة وجيزة تزايدت أعداد النازحين من الشّمال والوسط إلى الجنوب حتّى باتت رفح مدينة مكتظة وقليلة البضائع، ولا مجال حتّى للحركة فيها، وأصبحنا تدريجيّاً نفقد صنفاً صنفاً من الخضروات الموجودة في السّوق، واليوم الأنواع المتوفّرة بسيطة وأسعارها جنونيّة، ولضرب مثال بسيط فإنّ كيلو البصل تجاوز سعره 10 دولارات.

الفواكه حلمٌ بعيد المنال

أمّا الفواكه، فإنّ أهل قطاع غزّة لم يأكلوها منذ بداية العُدوان، وهذا الانقطاع المستمرّ عن الفواكه والخضروات معاً أسفر عن تدهور الحالة الصحيّة للناس، وسبّب لهم مشكلات صحيّة كبيرة، منها أمراض القلب والأوعية الدموية ومشاكل الجهاز الهضمي والجفاف، وانخفضت مناعتهم فأصبحوا عرضة لشتّى الأمراض التي أثّرت في كبار السّن والأطفال والنّساء.

جوليا ابنة أخي الصّغيرة تبلغُ من العمر عامَين ونصف، تقول: "والله نفسي بالموز، والله نفسي بالتفاح، طيب بدي بطيخ!"، يردّ عليها أخوها عديّ الذي يكبرها بعامين: "عن جد يعني صار لنا زمااااان كثير ما أكلنا شمّاماً أو بطيخاً، طيب بدنا جيبولنا فواكه أنا كثير بحبهم، نفسي بالعنب!".

والمبكي هُنا أنّك لا تستطيع أن تردّ عليهما ولا تستطيع إقناعهما أنّ ما يطلبانه أشبه بمعجزة حقيقيّة، والمضحك أنّ بعد كل ما حصل معهم فإنّهما ما زالا يتذكّران أسماء الفواكه، لا أظن أنهما يتذكران المذاق!

هل يُصلّح الضرر؟

منذُ قرابة أربعة أشهر وسكّان قطاع غزّة يتناولون المعلبات فقط، من فول ولحوم مصنعة وفاصوليا وجبنة، وتخبرني عمّتي عن حفيدها يوسف، الطّفل الذي يبلغ من العُمر خمس سنوات، أنّه منذ ولادته وهو يعاني من مشكلات في الأمعاء، ومنذ أسابيعه الأولى في هذه الدّنيا أجرى الأطباء عمليات له وقُصّ جزء من أمعائه، ولديه نظام غذائيّ معيّن يعتمد على الخضار والفواكه لا يمكنه الاستغناء عنه.

ولكنّ يوسف الصّغير يعاني منذ بداية الحرب من انتفاخات في البطن وأوجاع شديدة، وعدم القدرة على التبرّز، وعند استشارة الطّبيب قال لهم أنّ عليه تناول الفواكه بكثرة، وأنّ طبيعة الطّعام التي يتناولها ستؤثّر في حياته سلباً، وذلك لكثرة السموم المنتشرة في جسمه، وأنّهم سيجرون له عملية أُخرى له لفتح بطنه من جديد.

الاحتلال الإسرائيليّ يجوّع الغزيين، ويبيد الثروات الزراعية في قطاع غزة، وهذه الأضرار الجسيمة التي لحقت بالزّراعة ستكون طويلة الأمد وبالغة الأثر، وقد يتعذر إصلاحها في المستقبل، فإعادة تأهيل الأراضي للزراعة مرّة أخرى سيكون أشبه بالمُعجزة بعد أن أُلقي عليها أطنان المتفجّرات وجرّفتها آليات الاحتلال.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي