كيف تعتدي إسرائيل على الوصاية الهاشمية في المسجد الأقصى؟
لم يزل موضوع الوصاية الهاشمية على المقدسات والدور الأردني في المسجد الأقصى حديث الساعة في القدس منذ الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة المقدسة في شهر رمضان.
اقتحام المستوطنين اليهود لباحات المسجد الأقصى المبارك (AA)

ولعل واحداً من النقاط التي أثارت هذا الموضوع على مستوى الشارع المقدسي قضية تعيين حراس جدد في المسجد الأقصى المبارك، الأمر الذي كان يعتبر طبيعياً في وقت سابق، لكنه أصبح مادةً جدليةً في الإعلام.

فقد جاء إعلان وسائل الإعلام الإسرائيلية عن "موافقة" إسرائيلية على تعيين عدد من حراس المسجد الأقصى، ثم بيان وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية الذي نفى التفاوض مع الاحتلال أو طلب موافقته على تعيين الحراس، ثم نفي رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت الأمر برمته واعتباره أن المسجد الأقصى المبارك يقع بالكامل تحت السيادة الإسرائيلية، ليصب الزيت على النار المشتعلة أصلاً، وليضيف جدلاً جديداً للقضية.

لمن لا يفهم فكرة الدور الأردني والوصاية الهاشمية على المقدسات وأهميتها، فإن الأمر يرجع برمته إلى فكرة "الوضع القائم" في القانون الدولي، والتي تعود في أصلها إلى أن الحكومة الأردنية كانت آخر مؤسسةٍ سياسيةٍ تملك السيادة على المسجد الأقصى المبارك قبل احتلاله يوم 7/6/1967م.

وباعتبار العالم لم يعترف بالاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس ومقدساتها، فقد بقيت إدارة الأماكن المقدسة حسب القانون الدولي بيد الأردن، وذلك بحكم الحفاظ على الوضع القائم بوصف إسرائيل قوة احتلال غير شرعي.

وكانت إسرائيل على الدوام تهاب الإقدام على تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى ونقل السيادة الكاملة فيه إلى سلطات الاحتلال دفعةً واحدةً خوفاً من ردة فعل الشارع العربي والإسلامي، واستعاضت عن ذلك بالعمل التدريجي على نزع الحصرية الإسلامية للسيادة عن الأقصى، والعمل على الدخول شريكاً في إدارة شؤون المسجد الأقصى تحت حجج كثيرة.

وهو ما عملت عليه إسرائيل كذلك في اتفاقية وادي عربة للسلام مع الأردن عام 1995م، حيث أدرجت إسرائيل نصاً موهِماً في المادة التاسعة من الاتفاقية والمتعلق بالقدس والمقدسات لتنص على "احترام" إسرائيل للدور الخاص للأردن في "المباني المقدسة" (Holy Shrines) وليس "المواقع المقدسة" (Holy Sites)، ساعيةً بذلك إلى تقليل المساحة التي تشير إليها الاتفاقية لتشمل المباني الموجودة داخل المسجد الأقصى المبارك، وتحديداً الجامع القِبلي وقبة الصخرة فقط، وهما لا يشكلان بمجموع مساحتيهما أكثر من 5% من المساحة الكلية للمسجد الأقصى البالغة 144 دونماً.

الأردن انتبه إلى خطورة الأمر عام 2013 عندما أبرم اتفاقية الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى مع السلطة الفلسطينية، حيث حددت مساحة المسجد الأقصى المبارك كاملةً (144 دونماً) في نص الاتفاقية بوضوح. مما أثار حفيظة الحكومة الإسرائيلية، وجعلها تحاول إفراغ هذا الاتفاق من مضمونه. وهو ما عملت عليه بقوةٍ في تفاهمات كيري عام 2015، التي نصت لأول مرة على "حق" لليهود بزيارة المسجد الأقصى مقابل حق المسلمين في الصلاة، وجعلت إسرائيل هذا المبدأ هو الأساس الذي يقوم عليه مفهوم "الوضع القائم" الجديد حسب مقاييسها.

إن الضغط باتجاه إعادة تعريف الوضع القائم وتثبيت هذا "الحق" لليهود المتطرفين لم يكن سوى خطوة في طريق إيجاد موطئ قدم لهذه الجماعات داخل المسجد الأقصى. ولذلك نرى أن جهاز شرطة الاحتلال، مع تغلغل اليمين المتطرف فيه، بدأ يعمل على تسهيل التقدم في خطوات بطيئة ولكن واثقة باتجاه تحويل "حق الزيارة" لليهود في الأقصى إلى "حق الصلاة" في المسجد! وهو ما شهدناه على مدار السنوات منذ 2018 حتى 2021 بشكل بقي يسير بمنحنى متصاعد تدريجي بالرغم من تعثره في هبة باب الرحمة عام 2019 ثم أحداث 28 رمضان 2021، حتى وصلنا اليوم إلى المرحلة التي يعلن فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم اعترافه بأي سيادةٍ لأحدٍ على المسجد الأقصى المبارك إلا السيادة الإسرائيلية فقط.

إن الحفاظ على الوضع القائم والدور الأردني في المسجد الأقصى المبارك ليس مسألةً عبثيةً أو اختيارية، وإنما هو ركيزة قانونية أساسية في الحفاظ على المسجد الأقصى على الأقل في المحافل السياسية والقانونية الدولية التي تهتم بها دولة الاحتلال شاءت أم أبت، وذلك باعتبار أن الدعم الخارجي لإسرائيل يعد أحد الدعائم الأساسية لاستمرار وجودها. ولهذا فإن أي أصوات شعبوية تخرج بين الفينة والأخرى لتدعو إلى تدويل السيادة على المسجد الأقصى المبارك أو إنهاء الوصاية والدور الأردني في الأقصى تعتبر خدمةً إلى تطلعات دولة الاحتلال.

وبدلاً من ذلك فإنه ينبغي العمل باستمرار على دعم توجيه وضبط بوصلة الدور الأردني وحركته بشكلٍ دائمٍ ناحية الحفاظ على المسجد من موجة الجنون والتطرف التي تجتاح إسرائيل من أعلى رأس الهرم فيها حتى القاع، وعدم التهاون بها بأي شكل.

فأقصى اليمين المتطرف هو الذي يحرك اليوم حكومة الاحتلال وإن كان يقبع ظاهرياً في خندق المعارضة، وهو يعلن صراحة أنه يريد إنهاء الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس، وهذا التيار تقوده جماعات المعبد المتطرفة اليوم وتمثل فيه رأس الحربة. لذلك، فإنه ليس مستغرباً أن تستمر وتتصاعد هذه الجرأة الإسرائيلية التي تحلم يوماً بإعلان انتهاء الوصاية والدور الأردني في المسجد الأقصى بعد تفريغها من مضمونها، وهذا إن حدث فإنه ينذر بكارثةٍ كبرى لا تقل خطورةً عن يوم احتلال المسجد الأقصى.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي