انفجار مرفأ بيروت الضخم.. مَن المستفيد ومَن المتضرر؟
شهد مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت يوم أمس انفجاراً ضخماً نجم عنه مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة ما يزيد عن أربعة آلاف آخرين، فضلاً عن الأضرار المادية الهائلة التي لحقت بمحيط الانفجار، وسط تساؤلات كبيرة عن أسباب الانفجار والجهات التي تقف وراءه.
مشاهد الدمار التي حلت بمرفأ بيروت إثر الانفجار الضخم الذي أصابه يوم أمس  (AA)

الانفجار الهائل الذي هزّ العاصمة اللبنانية ومرفأها، ودمّر قسماً من هذا المرفأ تدميراً تاماً، يوم الرابع من آب/أغسطس 2020، ولحقت أضراره ببعض أحياء العاصمة، لا يمكن أن يكون انفجاراً حدث بالمصادفة، فهو انفجار كما يقول مراقبون، تتبعوا أسبابه الحقيقية، ناتج عن تفجّر مواد شديدة الانفجار والتدمير والخطورة.

والسؤال المهم، كيف يتمّ الاحتفاظ في مرفأ رئيسي للدولة اللبنانية بهذا القدر الهائل من مواد شديدة الانفجار مثل نترات الأمونيوم عالية الخطورة؟ ومن المسؤول عن هذا الاحتفاظ؟ وما الغايات الأساسية من وراء ذلك؟ وهل الانفجار حدث وحده نتيجة خطأ تقني، أم هو من فعل فاعل يريد حصد نتائج لمصلحته، بغضّ النظر عن الخسائر التي ستنتج عنه؟

الإجابة عن السؤال تقتضي معرفة المسؤول عن الاحتفاظ بهذا المخزون الهائل من المواد القابلة للانفجار، هل هي الحكومة اللبنانية؟ أم جهات أخرى تتمتع بنفوذ كبير داخل لبنان؟

فحزب الله، على سبيل المثال، الذي يسيطر إلى حد كبير على معابر لبنان والمطار والمرفأ قد عمل وفق مؤشرات عديدة على تهريب نترات الأمونيوم وتخزينها في مناطق مختلفة من العالم.

ففي شهر يوليو/تموز عام 2012 اعتقلت السلطات القبرصية عنصراً ينتمي لحزب الله اسمه حسين عبد الله، كان يحتفظ بـ8.2 أطنان من نترات الأمونيوم، كذلك اعتقلت سلطات الدولة الكويتية عام 2015 ثلاثة أعضاء ينتمون لحزب الله، يخزّنون نترات الأمونيوم بكميات تقدر بـ24 ألف باوند في منزلهم. فهل كان مرفأ بيروت المهيمَن عليه من حزب الله بوابة تهريب للأسلحة والمواد المتفجرة؟

الأمور واضحة من حيث مسؤولية الاحتفاظ بهذه المواد المتفجرة، فهناك عنابر في مرفأ بيروت، يُمنعُ الاقتراب منها، وتتم فيها نشاطات غامضة، ذات طابع عسكري خاص بحزب الله اللبناني. وهذا يمكن أن يكون نتيجة غياب حقيقي لسلطة الدولة على مرافقها، بسبب هيمنة الحزب عليها، وكذلك على صنع القرار السياسي والاقتصادي فيها، وعلى غيره من القرارات.

لكن مثل هذا الانفجار لا يمكن اعتباره حدثاً جرى نتيجة خطأ تقني، أو نتيجة ماس كهربائي، فهو مرتبط بالضرورة بفعل فاعل، لا يزال مجهولاً إلى هذه اللحظة، ولكن يمكن تحديد الملامح العامة له، من خلال تحديد المستفيد والمتضرر من نتائج هذه الكارثة.

وحول إمكانية أن يكون الفاعل هو إسرائيل، نتيجة التوترات الحاصلة بينها وبين حزب الله في الجنوب، بعد استهداف إسرائيل شخصية قيادية من هذا الحزب، نفى مسؤول من الحزب أن يكون الانفجار في مرفأ بيروت ناتجاً عن ضربة عسكرية إسرائيلية، كما نفت إسرائيل علاقتها بالتفجير بشكل مباشر.

إذن احتمال أن يكون الانفجار مصادفة، واحتمال أن يكون من فعل إسرائيل صارا احتمالين ضعيفين، ولكن لا بدّ في هذه الحالة من قراءة الحدث بصورة مختلفة، هذه القراءة تستند إلى تحليل ظاهرات الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وهي تتعلق بطبيعة هذا الصراع واتجاهاته، بعد حدوث موجات الربيع العربي، ومحاولة أطراف إقليمية توظيف هذه الخلخلة في البنى السياسية والعسكرية والأمنية، في الدول التي شهدت موجات هذا الربيع، لمصلحة مشاريعها الاستراتيجية.

وبالعودة إلى الخلف زمنياً يمكن القول إن لبنان الذي يشهد انتفاضة شعبية ضد فساد الحكومة منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، صار في وضع اقتصادي صعب، نتيجة سلسلة العقوبات التي لحقت به، ونتيجة فساد طبقته السياسية المسيطرة، التي تنامى دور فسادها في ظل هيمنة حزب الله على قرار البلاد السياسي والاقتصادي، ونتيجة لما يلعبه هذا الحزب، كذراع مهمة في مشروع إيران التوسعي في المنطقة.

الانتفاضة اللبنانية التي أسقطت حكومة سعد الحريري لم تسقط نفوذ إيران في لبنان، وما يسببه هذا النفوذ من تدمير ممنهج لبنية الدولة اللبنانية، التي ترتكز عملياً على توازنات طائفية، أنجبتها اتفاقية الطائف برعاية سعودية بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول عام 1989.

ولكن هذه الانتفاضة التي لم تنجز مشروع التغيير بعد، أحدثت رعباً حقيقياً لدى إيران، ولدى ذراعها في لبنان حزب الله، هذا الرعب مرتبط بسقوط حلقة من حلقات الارتكاز الأساسية للمشروع الإيراني، ولهذا، وباعتبار أن الشيعية السياسية، التي أسسها نظام الخميني، تقوم أساساً على استخدام القوة والتدخل، تحت غطاء تصدير ما يسمونه "الثورة"، كان لا بدّ من استخدام فعل إحداث الرعب في المجال الإقليمي، الذي يشكّل مجالاً حيوياً للإبقاء على النفوذ الإيراني التوسعي في المنطقة.

هذا الفعل المبني على تعميق الرعب لدى شعوب المنطقة، لم تغفل قيادة "علي خامنئي" عن تثبيت ركائزه داخل المجتمع الإيراني، إذ إن العقوبات الاقتصادية الأمريكية الخانقة عليها، نتيجة استمرارها في مشروعها النووي المهدد لسلام العالم وأمنه، دفعت الشعب الإيراني إلى القيام بانتفاضة كبرى بتاريخ الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2019، هذه الانتفاضة انطلقت من الأحواز احتجاجاً على رفع سعر البنزين، ثم شملت غالبية المدن الإيرانية وفي مقدمتها العاصمة طهران، ومدن مثل عبادان وبوشهر والمحمرة، وكثير من مدن إيران.

سلطة نظام خامنئي لجأت لتفريغ محتوى الاحتجاجات الشعبية إلى سبيلين، الأول هو قمع الاحتجاجات بشدة خوفاً من اتساع هذه الاحتجاجات وتعمّقها، ممَّا يهدد بسقوط النظام، والثاني هو اللجوء إلى تفجيرات مختارة، تخصّ مرافق في الدولة، غاية تلك التفجيرات إحداث لجمٍ لحركة الاحتجاجات، تحت حجّة أن إيران تتعرض لعدوان خارجي مجهول الهوية.

ما جرى منذ حين في إيران، جرى مثله في لبنان لمواجهة انتفاضته الشعبية، حيث تمّ قمع الانتفاضة، وانفجار المرفأ في بيروت يشبه ما جرى من تفجيرات لمرافق إيرانية منذ فترة قصيرة، فالانفجار كما أسلفنا، لم يحدث مصادفة، ولم تقم به إسرائيل، وفق نفي تام وشديد من حزب الله. إذن من المستفيد والمتضرر من انفجار بيروت المرعب؟

انفجار مرفأ بيروت المرعب هناك ما يشبهه من انفجارات مختلفة جرت في لبنان، ومثلها جرى في سوريا، ولعل أهمها ما جرى من تفجيرات في لبنان تمّت في الرابع عشر من فبراير/شباط عام 2005، حيث اغتيل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، بتدبير انفجار مرعب بموكبه في ذلك اليوم.

فهل يحقّ لنا فهم أن هذه الانفجارات ترتبط بسياسة الهروب إلى الأمام، نتيجة العجز عن حلّ أزمات اقتصادية وسياسية خطيرة، تواجهها بعض القوى؟ ولماذا حدث انفجار مرفأ بيروت قبل أيام من إصدار محكمة دولية مختصة قرارات حكمها بحقّ قتلة رفيق الحريري؟ هل انفجار مرفأ بيروت على علاقة بقرارات المحكمة الدولية؟ وهل هو إعادة لخلط أوراق الصراع في لبنان المتهاوي اقتصادياً، وفي المنطقة ككل؟

لا يزال من المبكر الإجابة عن هذه التساؤلات جميعاً، ولكن من الثابت والجلي أن المتضرر الرئيسي من الانفجار المرعب في مرفأ بيروت هو الشعب اللبناني وقواه الحية، التي تريد إحداث تغيير سياسي في بنية نظام الحكم والدولة اللبنانيين. وهذا أمر يرعب قوى الهيمنة في لبنان وإيران.

الانفجار المرعب في مرفأ بيروت يريد خلق حالة تسبق أوضاعاً ستجري في لبنان، ولعل أهم هذه الأوضاع هو ما ستثبته محكمة قتل الحريري، وما سيترتب على الحكم القضائي الدولي من نتائج ستزلزل هيمنة قوى سياسية لبنانية.

انفجار بيروت ليس على غير علاقة بانفجارات أخرى، جرت وتجري في دول تشهد وجوداً إيرانياً فاعلاً فيها، ولعل سياسة الانفجارات، التي جرت في سوريا خلال ثورتها لا تخرج عن هذا المنحى والإطار.

بقي أن نقول إن المستفيد الوحيد من هذه الانفجارات هو من يريد استمرار هيمنة سياساته، ومن يريد خلط أوراق الصراع في المنطقة، بعد انكشاف دوره في هذه الصراعات، وتراجع قدراته بسبب نوعية سياساته المهددة للاستقرار المحلي والإقليمي.

فهل يتمّ قريباً الكشف عمَّن يقف خلف هذا الانفجار الفظيع؟ نأمل ذلك فالمتضررون كثر والمستفيد واحد.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.


حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني (AP)
مشاهد من الدمار الذي لحق العاصمة اللبنانية بيروت على إثر انفجار المرأ  (AA)
TRT عربي