الثلاثاء الماضي انتشر مقطع فيديو قصير، ليس من الواضح بالضبط أين أو متى جرى التقاطه، يُظهر اشتباكاً عنيفاً بالأيدي بين القوات الهندية والصينية، على ما يبدو على حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، حيث تتصاعد التوترات بين القوتين النوويتين منذ ستينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من أنه ليس من الواضح من صوّر الفيديو أو نشره بدأ تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي الهندية بعد ساعات فقط من تأكيد وزارة الدفاع الهندية وقوع مشاجرة على الحدود يوم الجمعة الماضي، في قطاع تاوانغ النائي شمال شرق الهند. وهى أول حادثة جرى الإبلاغ عنها منذ ما يقرب من عامين.
ومنذ استقلال البلدين، كانت الحدود المشتركة البالغ طولها 3379 كيلومتراً مصدراً للاحتكاك بين الهند والصين. لا يتفق البلدان على موقعه الدقيق ويتهم كلاهما الآخر بانتظام بتجاوزه، أو السعي لتوسيع أراضيه.
آخر التطورات
أعاد القتال الأخير بالعصي بين الجنود الهنود والصينيين النزاع الحدودي المتفاقم بين القوتين النوويتين إلى بؤرة الاهتمام من جديد، وذلك بعد أكثر من عامين من حشد الدولتين عشرات الآلاف من القوات في أعقاب اشتباكات دامية على الحدود المتنازع عندما اشتبكت الجيوش المتنافسة بقضبان حديدية وهراوات في وادي جالوان في لداخ على طول الحدود غير المرسومة. وبينما قالت الهند حينها إن 20 من جنودها قُتلوا في الاشتباكات، زعمت بكين مقتل أربعة فقط من جنودها.
وبينما اتّهم وزير الدفاع الهندي راجنات سينغ الصين الثلاثاء بمحاولة "تغيير الوضع القائم بشكل أحادي" بعدما ذكرت مصادر هندية أن مواجهة اندلعت بين جيشَي البلدَين عند الحدود المتنازع عليها بين الطرفين في الهيمالايا، أكدت الصين أن الوضع "مستقر" الثلاثاء عند حدودها مع الهند، وقال الناطق باسم الخارجية الصينية وانغ وينبين: "على حد فهمنا، فإن الوضع الحدودي بين الصين والهند مستقر بالمجمل".
وسبق أن أخبر سينغ البرلمان الهندي أن القوات الصينية حاولت دخول منطقة اليانغتسي في قطاع تاوانج في أروناتشال براديش في شمال شرق الهند النائي في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري. فيما زعم جيش التحرير الشعبي الصيني أن القوات الهندية عبرت حدود الهيمالايا غير المحددة بحكم الأمر الواقع.
صراع الظل
تشترك الهند والصين في حدود غير محددة بنحو 4000 كيلومتر تُعرف باسم خط التحكم الفعلي (LAC). تعبر جبال الهيمالايا العظيمة وتتاخم التبت وشينجيانغ على الجانب الصيني، وولايات لاداخ وأروناتشال براديش وسيكيم على الجانب الهندي.
تاريخياً ادعت الصين أن أروناتشال براديش جزء من منطقة التبت. خاضت الدولتان حرباً مميتة على الحدود المتنازع عليها في أكتوبر/تشرين الأول 1962، واستولت بكين لفترة وجيزة على أجزاء من أروناتشال براديش قبل أن تسحب قواتها من جانب واحد في نهاية الصراع.
السبب الرئيسي لحرب عام 1962 كان مساعي السيطرة على إقليم أكساي تشين، فيما كانت سلسلة من الحوادث الحدودية العنيفة بعد انتفاضة التبت عام 1959، عندما منحت الهند حق اللجوء للدالاي لاما.
ويقول مانوج جوشي، محلل دفاعي هندي ومؤلف كتاب جديد بعنوان "فهم حدود الهند والصين"، إنه من غير الواضح سبب انسحاب الصينيين رغم انتصارهم في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، هل كان ذلك بسبب تمديد خطوط إمدادهم؟ هل كانوا خائفين من تدخل الولايات المتحدة؟ أم حقيقة أنهم لم يكونوا جادين للغاية بشأن مطالباتهم (الحدودية) الشرقية؟".
وفي عام 2017، أرسلت الصين جنود لحماية أعمال شق طريق حدودي في منطقة دوكلام المتنازع عليها، لترد الهند بنشر قوات عسكرية حالت دون استكمال المشروع. إثرها طالبت بكين القوات الهندية التي اجتازت الحدود الصينية بالانسحاب فوراً، محذرةً من الاستهانة بقدرات الجيش الصيني التي تتعزز باستمرار.
ما مصير العلاقات الصينية الهندية؟
حاول العملاقان الآسيويان حل الخلافات الحدودية سلمياً، لكن العلاقات الدبلوماسية ظلت متوترة منذ حادثة جالوان في عام 2020، لا سيما مع تصاعد التوتر السياسي بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونظيره الصيني شي جين بينغ.
وحسب شبكة سي إن إن الأمريكية، أجرى المسؤولون الصينيون والهنود سلسلة من المحادثات في السنوات القليلة الماضية، إذ سحبت الصين قواتها وفككت البنية التحتية على طول الحدود في عام 2021 بموجب اتفاق فض الاشتباك المتبادل. لكن التقدم توقف منذ ذلك الحين، مع تدهور العلاقات بشكل أكبر مع اقتراب الهند من الولايات المتحدة، في حين تراجعت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى مستويات منخفضة جديدة.
لكن التوترات المتصاعدة تنطوي على خطر التصعيد، وقد يكون ذلك مدمراً لأن كلا الجانبين قوى نووية راسخة. سيتكون أيضاً تداعيات اقتصادية لأن الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للهند. ومع ذلك لم تتخل الصين عن مطالباتها بشأن أروناتشال براديش، أخطر نقاط المواجهة والتي ضُمت إلى الأراضي الهندية خلال حقبة الاستعمار البريطاني، ولا تزال تشير إلى معظم المنطقة باسم "جنوب التبت".