بعد اختفاء تامٍّ دامَ ما يقرُب من شهر، قررت اللجنة الدائمة للهيئة التشريعية الصينية خلال جلسة عُقدت على عَجَل، الثلاثاء، إقالة وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ، بشكل مفاجئ. وفي تغيير مفاجئ وغير عادي أيضاً استعاد وزير الخارجية السابق وكبير الدبلوماسيين الصينيين، وانغ يي، منصبه الذي تخلى عنه أواخر العام الماضي لقيادة سياسة الصين الخارجية مجدداً.
كان آخر ظهور علني لغانغ هو لقاء مع مسؤولين روسيين وسريلانكيين وفيتناميين زائرين في 25 يونيو/حزيران.
ومنذ ذلك الحين، غاب عن سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية رفيعة المستوى في الداخل والخارج، بما في ذلك اجتماع لوزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في جاكرتا في وقت سابق من هذا الشهر. وكان أيضاً غائباً بشكل واضح عن اجتماع المندوبين الأجانب رفيعي المستوى في بكين الأسبوع الماضي، بمن فيهم هنري كيسنجر، وزيارة نادرة لنائب وزير الاقتصاد الأوكراني، وفقاً لصحيفة التلغراف البريطانية.
وعلى الرغم من أن الصين كانت قد قالت في وقت سابق إن غياب تشين يرجع إلى أسباب صحية، فإنه لم يُفسَّر اختفاء الوزير السابق من جدول الشؤون الخارجية للصين بشكل كامل، لا سيما أنه كان في قلب عملية دبلوماسية مهمة بين الولايات المتحدة والصين قبل أسابيع قليلة، الأمر الذي أثار الكثير من التكهنات بشأن وزير خارجية دولة معروفة بغموضها السياسي.
من تشين غانغ؟
وُلد تشين في مدينة تيانجين الشمالية عام 1966، ودرس السياسة الدولية في جامعة العلاقات الدولية المرموقة في بكين -وهي كلية مرتبطة بجهاز الأمن الصيني. وقبل انضمامه إلى وزارة الخارجية في عام 1992، عمل تشين مساعداً في مكتب بكين لوكالة "يونايتد برس إنترناشيونال"، حسب "نيويورك تايمز".
بعد التحاقه بالسلك الدبلوماسي، عمل تشين في عدة وظائف في وزارة الخارجية وكذلك في السفارة الصينية في بريطانيا، وذلك قبل أن يُعين سفيراً لبكين في واشنطن عام 2021. كما شغل غانغ منصب المتحدث باسم وزارة الخارجية مرتين، بين عامي 2006 و2014، ورئيس البروتوكول بين عامي 2014 و2018، وأشرف على كثير من تفاعلات شي مع القادة الأجانب.
وبصفته المتحدث باسم الوزارة، برز تشين لكونه من أوائل الدبلوماسيين الذين تحدثوا بقوة دفاعاً عن سياسة الصين الخارجية متزايدة الحزم، وهو أسلوب أصبح يُعرف باسم دبلوماسية "محارب الذئب".
وفي صعود صاروخي، حصل تشين (57 عاماً) على ترقية سريعة لمنصب وزير الخارجية أواخر العام الماضي بعد أن انضمّ إلى اللجنة المركزية للحزب، وبات أحد أصغر المسؤولين الذين جرى تعيينهم وزراء للخارجية. وتسبب تعيينه على حساب المرشحين الأكثر خبرة في بعض المفاجأة لمراقبي النخبة في السياسة الصينية، ولكن كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه علامة على ثقة شي في الدبلوماسي، وفقاً لما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
اختفاء غامض
مكان وجود تشين، وسبب إقالته، ومصيره النهائي كعضو في الحزب الشيوعي الصيني، كلها أمور لا تزال غير معروفة. لكن ما يزيد من دسيسة الإطاحة بتشين علاقاته الوثيقة المتصورة مع شي، الذي حصل على فترة ولاية ثالثة مخالفة للمعايير في الخريف الماضي مع فريق قيادة جديد مكدس بحلفاء مخلصين.
وخلال حديثه لشبكة سي إن إن في وقت سابق من هذا الشهر، قال دينغ يووين، المحرر السابق لصحيفة الحزب الشيوعي الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة، "إن أي مشكلات مع تشين ستنعكس بشكل سيئ على شي أيضاً -مما يعني أن شي فشل في اختيار الشخص المناسب للوظيفة ". وأضاف: "إذا حدث أي شيء غير عادي لمسؤول كبير، فسوف يتساءل الناس عما إذا كانت علاقاتهم مع الزعيم الأعلى قد توترت أم أنها علامة على عدم الاستقرار السياسي".
وفي أحدث تطور في ملحمة اختفاء تشين، حُذف ملف تعريف تشين من موقع وزارة الخارجية على الإنترنت مساء الثلاثاء، حيث وُضعت مكان الصفحة التي فيها صورته ورسالة الترحيب به، في وقت سابق من اليوم، رسالة تقول "يتم تحديث المعلومات".
وأشار محللون تحدثوا لصحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن ندرة المعلومات عن مكان تشين أثارت الكثير من التكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك احتمال وجود علاقة خارج نطاق الزواج.
يُذكر أن الصين معتادة على اختفاء كبار المسؤولين الصينيين عن الأنظار لعدة شهور، وعادةً ما تكشف هيئة الرقابة التأديبية التابعة للحزب الشيوعي الحاكم عن أنهم احتُجزوا للتحقيق. حيث أصبحت حالات الاختفاء المفاجئة هذه سمة شائعة في حملة شي لمكافحة الفساد.
وفي حين أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هناك أي إجراءات تأديبية قد اتُّخذت أو ستُتخذ ضد تشين، إلا أن الظروف التي حدثت في الأسابيع الأخيرة المحيطة بتشين، قد وضعت حادثة الاختفاء في دائرة الضوء العالمية.
ما تأثير الاختفاء على الدبلوماسية الصينية؟
تأتي الإطاحة في منتصف فترة دبلوماسية مزدحمة ومهمة للصين بعد خروجها من العزلة الوبائية في وقت سابق من هذا العام، وبينما تحاول بكين إصلاح العلاقات المتوترة مع الشركاء الدوليين، لا سيما أن تشين أدى دوراً رئيسياً في الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والصين لاستعادة الاتصال، بما في ذلك الاجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 18 يونيو خلال زيارة الدبلوماسي الأمريكي لبكين.
وعلى الرغم من الضجة والحرج اللذين صاحبا حادثة الاختفاء، فقد عاد ملف السياسة الخارجية للصين مرة أخرى إلى أيدي وانغ يي (69 عاماً)، وهو أحد المحاربين المخضرمين الذي أدى هذا الدور من 2013 إلى 2022، والذي أصبح مؤخراً أكبر دبلوماسي صيني ينضم إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي المؤلَّف من 24 عضواً، حيث يشرف على ذراع الشؤون الخارجية للحزب الشيوعي الحاكم.
وبينما اشتهر وانغ في السنوات الأخيرة بلقب "المحارب الذئب"، يُنظر إليه أيضاً على أنه سياسي سلس، يجري إرساله بانتظام لمعالجة أكثر القضايا الدبلوماسية الشائكة في الصين والالتقاء مع الحلفاء المقربين، بما في ذلك رحلة فبراير/شباط إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن من غير المرجح أن تؤدي عودة وانغ إلى هذا المنصب إلى تغيير اتجاه السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة، التي حددها السيد شي، وفقاً لما نقلته "نيويورك تايمز".
من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي عندما سُئل عن تشين ووانغ في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، إن الولايات المتحدة ستتعامل مع "النظراء الصينيين المعنيين أياً كانوا" من أجل إدارة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وأضاف: "لقد عرفت وانغ يي لأكثر من عقد. لقد التقيته مراراً وتكراراً بصفتي وزيراً للخارجية، وأتوقع أن أكون قادراً على العمل معه بشكل جيد كما فعلنا في الماضي".