عيد الأمهات السوريات (TRT Arabi)
تابعنا

يحتفل السوريون بعيد الأم بتاريخ 21 من شهر آذار/مارس من كل عام، لكن معظم الأمهات في الشمال السوري يقضين عيدهن في ظل الفقد والنزوح والتهجير، والبعد عن الأبناء، إذ لم تستطع كثيرات الاحتفال بالذكرى التي ينتظرنها كل عام، وسط ركام المنازل المُهدَّمة، وكآبة العيش وسط مخيمات النزوح التي تفتقر إلى مقومات الحياة الكريمة.

خطف الموت أبناءهن

يكتوي كثير من الأمهات السوريات بلوعة فراق الأبناء الذين قضوا في الحرب، جراء قصف النظام السوري وحلفائه على مدنهم وبلداتهم بكل أنواع الأسلحة.

يمرّ يوم عيد الأم عصيباً على أم خالد (39 عاماً)، التي تتذكر ابنتها بدموع غزيرة، فالشابة حنان ابنة السابعة عشرة، فارقت الحياة منذ شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2019، جراء غارة حربية من طيران النظام السوري على مدينة سراقب قبل تهجير أهلها، وعن ذلك تتحدث أم خالد لـTRT عربي بالقول: "كانت ابنتي حنان أكثر من يحتفي بي في عيد الأم، تصنع الحلويات وتزين المنزل، وتمنحه الجمال والحياة، ونقضي المناسبة بكثير من الحب والفرح والضحكات".

تصمت أم خالد قليلاً لتمسح دموعاً طفرت من عينيها، وتضيف: "كان يوماً مشؤوماً لا يمكن أن أنساه حين سقط صاروخ على منزلنا، وانفجر في فناء المنزل، حيث كانت حنان تجلس لتعتني بالأزهار التي زرعتها".

الأمهات السوريات يعشن أياما عصيبة في عيدهن (TRT Arabi)

تبين أم خالد أنها لن تنسى ابنتها التي فقدتها وهي في ربيع شبابها، ولا يمكن لأحد أن يملأ مكانها، مبينة أن مناسبة عيد الأم تجعلها لا تتوقف عن البكاء طوال اليوم.

كذلك حمرة عكوش (80 عاماً) من مدينة الأتارب، الملقبة بـ"أم الثوار"، هي أم لستة شبان انشقوا عن النظام السوري منذ بداية الحراك الثوري، كما فقدت أحد أولادها منذ شهر سبتمبر/أيلول من عام 2012، وعن معاناتها تقول: "ما يزيد حزني وحرقة قلبي أنني لم أتمكن من رؤية ولدي، وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه بعد استشهاده، إذ رفض عناصر من الجيش الأسدي تسليم جثمانه، كما أحرقوا جثته".

تبيّن السيدة حمرة أنها جعلت منزلها ملاذاً لجميع المنشقين عن "نظام الظلم والاستبداد"، كما تشارك في جميع المظاهرات المناهضة لنظام الأسد، والمطالبة بالحرية والكرامة.

خلف القضبان

اعتقل النظام السوري كثيراً من الشبان في سجونه، وغيّب مصيرهم، وترك أمهاتهم يبكين قهراً وشوقاً، فيكون عيد الأم مناسبة لتتذكر الأمهات أبناءهن الذين سُرقت حريتهم، دون معرفة أخبارهم، أو أي شيء عنهم، ويعشن على أمل لقاء قريب يجمعهن مع فلذات أكبادهن.

عائشة المحمد (44 عاماً)، من مدينة حارم، يغيب عن منزلها الاحتفال بعيد الأم، وجميع المناسبات الأخرى، فلا شيء يضيفه العيد إلى حياتها سوى الألم، أما الفرح فهو مؤجل إلى حين عودة ولدها الذي اعتُقل منذ عام 2014 في أثناء وجوده بمدينة حلب لإتمام دراسته الجامعية، وعن ذلك تقول: "كان ولدي يرغب في إكمال السنة الأخيرة من كلية الصيدلة للعودة إلينا بشهادته مرفوع الرأس بعد جهد وتعب، لكن عناصر من الأمن السوري داهموا السكن الجامعي واعتقلوه منذ عام 2014، وقد حاولنا كثيراً منذ ذلك اليوم معرفة مصيره أو التهمة الموجهة ضده، ولكن دون فائدة".

الأمهات السوريات هن المعيل لأبنائهن في ظل الحرب (TRT Arabi)

وتضيف: "سمع زوجي من أحدهم أن ولدنا فارق الحياة تحت التعذيب، لكني أرفض التصديق، ولن أفقد الأمل، فأنا أتخيل عودته كلما سمعت طرقات باب المنزل، وسأبقى أعيش على أمل أن أكحل عينَيّ برؤيته قبل أن أموت".

وتشير السيدة عائشة إلى أنها لا تزال تحتفظ بآخر هدية قدمها لها ولدها بعيد الأم قبل الاعتقال، وهي عبارة عن زجاجة عطر وشال أبيض، وستظلّ أعز هدية على قلبها طوال حياتها، حسب تعبيرها.

نزوح وتهجير

يعيش كثير من الأمهات السوريات مآسي النزوح والتهجير، ويمرّ عليهن عيد الأم في خيام متهالكة، وقد فقدت كثيرات منهن العائل، يتدبرن شؤون أطفالهن وحيدات في ظل الفقر والغلاء وشح فرص العمل، يعِشن على أمل العودة إلى بيوتهن التي يُهجَّرن منها، والخلاص من حياة التشريد والشتات.

أم علي (43 عاماً)، نزحت من مدينة معرة النعمان، تعيش داخل خيمة بالية في أحد مخيمات بلدة كللي شمال إدلب، أم لخمسة أبناء، لكن عيد الأم لا يعني لها شيئاً في ظل بعدها عن منزلها، حيث تفتقد أجواء الألفة واجتماع جميع أفراد أسرتها، وعن ذلك تقول لـTRT عربي وهي منهمكة بغسل الملابس عند باب خيمتها: "نعيش في هذا المخيم منذ عام ونصف، نفتقر إلى مقومات العيش الكريم نتيجة قلة المياه والموارد الغذائية والرعاية الصحية، أما ولدي الكبير فقد لجأ إلى العمل في لبنان منذ ست سنوات، وقد تزوج هناك ورُزق صبيّاً دون أن أراه، وبات من الصعب أن نجتمع معاً في مكان واحد".

أمهات في مواجهة النزوح والتشريد (TRT Arabi)

وأكدت أنها تلقت هدية متواضعة بعيدها، لكنها غالية على قلبها من ولدها الصغير، وهي عبارة عن باقة من الأزهار الملونة قطفها من الحقل المجاور، ليظلّ عيدها الحقيقي حين تعود إلى منزلها، ويعود ولدها الغائب إليها لرؤيته بعد غياب طويل.

أبناء دون أمهات

كثير من الأبناء في إدلب يقضون عيد الأم دون أمهاتهم اللواتي نال المرض من أجسادهن وسافرن بهدف العلاج، أو خطفهن الموت، أو ما زلن قيد الاعتقال في عتمة سجون النظام السوري.

أحمد السعيد (16 عاماً)، وأخته رجاء (10 عاماً)، لا يمر عيد الأم عليهما دون بكاء ودموع، فهما يتذكران والدتهما التي فارقت الحياة مع أخيهما الصغير جراء قصف بالطيران الحربي على منزلهم بمدينة جرجناز بريف إدلب منذ ثلاث سنوات، وعن ذلك يقول أحمد: "جميع الأبناء يحتفلون بأمهاتهم ويقدمون لهن الهدايا، ونحن تحترق قلوبنا حين نتذكر أمنا، وقد كنا نزور قبرها لنضع لها الورود هدية، ولكن بعد نزوحنا، حتى زيارة القبر باتت أمراً مستحيلاً".

حرم نظام الأسد أطفال إدلب من أمهاتهم (TRT Arabi)

أخته رجاء طلب منها أن تكون أماً صغيرة تهتمّ بوالدها العاجز الذي أصيب بشظية في ظهره أفقدته القدرة على الحركة، وأختها التي تبلغ من العمر أربع سنوات، وعن ذلك تقول: "تركت المدرسة للعناية بأبي وأختي، وتدبير شؤون المنزل، فحين يخرج أخي أحمد للعمل لتحصيل قوت يومنا، أجهد في الغسل وإعداد الطعام وتنظيف المنزل".

رغم كل الجراح والهموم تصر أم عبد الله (41 عاماً)، من مدينة أريحا، على الاحتفال بعيد الأم بهدف نسيان آلام الحرب، والحفاظ على الألفة والتواصل مع أبنائها، وعن ذلك تقول لـTRT عربي: "إذا فرقني عن أولادي الواقع الحقيقي، جمعنا الواقع الافتراضي، فرغم لجوء اثنين من أولادي إلى ألمانيا طلباً للعمل والأمان، وإقامة ابنتي مع أسرتها في تركيا، فإننا نجتمع دائماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأكلمهم يومياً، حتى لا أشعر بغربتهم وبعدهم عني".

المرشدة الاجتماعية نور عبيد (35 عاماً)، من مدينة إدلب، تتحدث عن دور الأم السورية في الثورة: "المرأة السورية شاركت بدور فعال في الثورة التي انطلقت منذ شهر مارس/آذار من عام 2011، وككل السوريين دفعت أثمانًا باهظة، وعانت ممارسات نظام الأسد، إذ تَعرَّضت لشتى أنواع القتل والاعتقال والتهجير، وفقدان الزوج أو أحد أفراد العائلة، إلى جانب قلّة فرص العمل، والنزوح المتكرر"، مؤكّدةً أن معظم النساء يعانين عوزاً مادياً كبيراً، ويفتقرن إلى أبسط شروط العيش، أو ما يتيح حداً أدنى من الحياة بكرامة، لتكون المسؤولية كبيرة على المرأة، للحفاظ على عائلتها، والتأقلم مع الظروف كافة، والمحافظة على أبنائها وتأمين احتياجاتهم الأساسية".

وتبين عبيد أن كثيراً من الأمهات السوريات يعشن على أمل لقاء يجمعهن بأبنائهن المفقودين، وأخريات تذُقن لوعة فقدان الأبناء، فيما ينشغل بعضهن بالعمل والكفاح من أجل رغيف الخبز ودفتر المدرسة.

تُعتبر الأمهات الخاسر الأكبر في الحرب السورية، تكتوي قلوبهن بألم فراق الأبناء، والخوف على من تَبقَّى، ويتحملن الشوق والدموع والحسرات، وسط محاولات دائمة لأداء دورهن ولمّ شمل عوائلهن، وتوفير ملاذ آمن في أصعب الظروف، ليمرّ العيد بهنّ حزيناً، لا يحمل سوى غصة وحرقة قلب.

TRT عربي