كيف تلاحق السلطات الفرنسية المتضامنين مع فلسطين؟ (MAXPPP/Others)
تابعنا

تستمر المجازر التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، قاصفة شعب القطاع المحاصر من الجو والبحر والبر بما فاق الـ4000 طن من القنابل، منها تلك المحرمة دولياً. وهو ما أدى إلى ارتقاء نحو 1900 شهيد منذ بداية الأحداث يوم السبت الماضي، بحسب الأرقام التي أعلنت عنها وزارة الصحة الفلسطينية.

وفي حين تحذر الأمم المتحدة من إبادة جماعية تمارسها إسرائيل في القطاع، اختارت الدول الغربية دعم الاحتلال في عدوانه. بل أكثر من ذلك، تشن دول حليفة لإسرائيل حملة تضييق ومطاردة للأنشطة السياسية والمدنية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، تُضاف إلى منعهم من التعبير عن هذا التضامن في الفضاء العام.

وتعد فرنسا أحد هذه البلدان، إذ تشن السلطات حملة تضييق شعواء واعتقالات ضد المتضامنين مع فلسطين. وقمعت الشرطة الفرنسية، يوم الخميس، وقفة تضامنية بالعاصمة باريس. كما توعد وزير العدل إيريك ديبون موريتي بمتابعة المتضامنين قضائياً بتهم "التحريض على الإرهاب".

قمع مظاهرة باريس

وكانت فاعليات مدنية ونشطاء من الجالية العربية في فرنسا، قد دعوا إلى وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، بباريس يوم الخميس، وهو ما رفضت السلطات الترخيص له. وأصدر قائد شرطة باريس لوران نونيز، يوم الأربعاء، قراراً بمنع مسيرتين تضامنيتين مع الشعب الفلسطيني، وبُرّر ذلك بـ"خطر الإخلال بالنظام العام"، وفق ما ذكر بيان الشرطة.

لكن هذا الحظر لم يمنع المناصرين للشعب الفلسطيني من التجمهر بساحة الجمهورية وسط باريس، إذ بلغت أعدادهم نحو ثلاثة آلاف شخص بحسب بلدية العاصمة. مرددين شعارات من قبيل "فلسطين ستنتصر" و"كلنا فلسطينيون"، كما لوحوا بالأعلام الفلسطينية ولافتات تندد بالصمت الدولي عن المجزرة التي تشهدها غزة.

لكن على الرغم من سلمية المظاهرة، كان الحضور الأمني في محيط الساحة كثيفاً، وهو ما أكده لـTRT عربي جل المشاركين فيها. وقال لوكا إيليسيو، وهو طالب فرنسي متضامن مع القضية الفلسطينية: "كنت ممن وصلوا مبكراً إلى ساحة الجمهورية، لقد كانت الساحة فارغة لكن عدد رجال الأمن كان كبيراً جداً، وكانوا مدججين بقاذفات قنابل الغاز وشاحنات المدافع المائية، لقد كان مشهداً لم أر مثله على الأقل في السنوات الثلاث الأخيرة في فرنسا".

ويضيف المتحدث، أنه: "مع زيادة عدد المتظاهرين، توغلت الشرطة وسط الحشد وقسمته إلى مجموعتين، وبعد ذلك حاصرونا إلى أن قادونا نحو الأزقة الفرعية، وبدؤوا بضربنا بقنابل الغاز والهراوات (...) لكن هذا لم يوقف الناس الذين استمروا في الوصول إلى الساحة، لقد كانوا من جنسيات مختلفة، كان هناك أبناء الضواحي وأناس أتوا مع عائلتهم وأطفالهم (...) نحو الساعة السابعة مساءً، بدأت الشرطة في إخلاء الساحة، وهنا وقع القمع الكبير".

من جانبها أيضاً، تحكي ياسمين (اسم مستعار)، مشاركة في مظاهرة الخميس، لـTRT عربي، بأن "الأمور كانت تحدث في سلمية تامة، قبل أن يبدأ القمع (...) لقد ضربونا بمدافع المياه العادمة والقنابل المسيلة للدموع، واعتُقل عدد من المشاركين سيواجهون للأسف غرامات أو حتى السجن بالنظر إلى ما صرح به وزير العدل".

ووفقاً لشرطة باريس، لقد فُرضت غرامات على 24 شخصاً ممن شاركوا في المظاهرة، واعتقل 10 أشخاص. ويذكر أن شرطة مدينة ليون سبق أن منعت مظاهرة مماثلة يوم الاثنين، وفرقت بالقوة عشرات الناشطين الذين أصرّوا على التظاهر رغم المنع القانوني.

نخاف لأننا نناصر فلسطين!

وفي حديثها لـTRT عربي، فضلت ياسمين إخفاء هويتها، نظراً للملاحقات والتضييقات التي يواجهها مناصرو القضية الفلسطينية بفرنسا. ذلك لكونها طالبة باحثة من جنسية مغاربية، وتعمل بمؤسسة إعلامية فرنسية أُقيل فيها عدد من الصحفيين لتضامنهم مع فلسطين.

وقالت ياسمين: "أصبحت أخاف على مشروعي الأكاديمي الذي كافحت سنوات لإنجاحه (...) إنهم يرحّلون المقيمين بسبب التعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، وأيضاً لأن المؤسسة التي أشتغل بها لها سابقة في إقالة زملاء لنا فقط لأنهم تضامنوا مع غزة عبر منشور في وسائل التواصل الاجتماعي".

ومع بروز الأحداث الأخيرة في فلسطين، أطلق رؤساء الجامعات الفرنسية تحذيرات لطلابهم من التضامن مع الفلسطينيين أو المقاومة. وفي رسالة إلكترونية، توصلت TRT عربي على نسخة منها، حذّر مدير "معهد اللغات والحضارات الشرقية" الفرنسي مدرسي وطلاب المعهد من إظهار الدعم، وتوعدهم بـ"عقوبات كبيرة قد تصل إلى الطرد" في حال القيام بذلك.

وداخل قبة البرلمان الفرنسي، توعد وزير العدل إيريك ديبون موريتي بملاحقة المتضامنين مع فلسطين بالسجن لما قد يصل إلى 8 سنوات. وذكرت وزارة العدل الفرنسية بأن "البيانات التي تدعو إلى الحكم إيجابياً في حق جريمة توصف بأنها إرهابية (مناصرة الفلسطينيين)، حتى لو كانت في سياق مناقشة ذات مصلحة عامة أو تدعي المشاركة في خطاب ذي طابع سياسي، تشكل دعماً للإرهاب".

وأطلقت الداخلية الفرنسية حملة اعتقالات في صفوف المتضامنين مع القضية الفلسطينية، وبلغ عدد المعتقلين 20 شخصاً منذ بداية الأحداث الأخيرة. وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، إنه أمر بترحيل ثلاثة أجانب كانوا ضمن المعتقلين.

ملاحقة السياسيين

أخذت الملاحقات والضغوط التي يتعرض لها اليسار الفرنسي شكلاً أوسع، ذلك لمناصرته القضية الفلسطينية ورفضه إدانة مقاومة شعب فلسطين للاحتلال. ورفضت حركة "فرنسا الأبية" إدانة المقاومة الفلسطينية، وهو ما عرّضها لانتقادات واسعة وتحرش إعلامي، بلغ بأحد ضيوف برنامج حواري على قناة "CNews"، وهو المغني اليهودي أنريكو ماسياس، للدعوة إلى "التصفية الجسدية" لأعضاء الحزب.

بينما يواجه زعيم "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" الفرنسي، فيليب بوتو، ملاحقات قضائية بتهمة "معاداة السامية ودعم الإرهاب". وكان بوتو قد أعرب، يوم الاثنين، عن "دعمه الكامل لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه، بما في ذلك نضال المقاومة المسلحة، ضد الاستعمار الذي تقوده دولة إسرائيل المتعطشة للحرب".

وفي البرلمان، طالب النائب الجمهوري ستيفان لو رودولييه، رئيسة الحكومة إليزابيث بورن، بحل كل من "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية" وحركة "فرنسا الأبية" وحزب "Indigènes de la Republic"، لما اتهمهم به من "دعم للإرهاب ومعاداة السامية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً