لماذا عادت الانقلابات للانتشار في القارة الإفريقية؟ / صورة: Фото: ORTN / Tele Sahel (Фото: ORTN / Tele Sahel)
تابعنا

شهدت النيجر يوم الأربعاء، انقلاباً أطاح بنظام الرئيس محمد بازوم، قادته مجموعة عسكرية أطلقت على نفسها "المجلس الوطني لحماية الوطن"، في سيناريو يكاد يشبه ما وقع في جارتيها مالي وبوركينا فاسو خلال السنوات الأخيرة.

وفي حين أن ظاهرة الانقلابات العسكرية ليست غريبة على تاريخ البلاد ولا على القارة الإفريقية، إلا أن تزايد وتيرتها إلى 8 انقلابات على الأقل في ظرف أقل من ثلاث سنوات، يدفع إلى التساؤل حول الأسباب التي أدت إلى هذا النوع من عدم الاستقرار الأمني والسياسي في دول منطقة الساحل والصحراء.

انقلاب أطاح ببازوم

منذ الساعات الأولى لصباح الأربعاء، شهد محيط القصر الرئاسي في العاصمة نيامي تحركات عسكرية، إذ عمد الحرس الرئاسي إلى عزل الرئيس محمد بازوم في مقر إقامته. وبعدها بساعات، وصولاً إلى المساء، أعلنت جماعة عسكرية أطلقت على نفسها "المجلس الوطني لحماية الوطن"، إسقاط النظام الحاكم في النيجر وإغلاق حدود البلاد.

وقال الانقلابيون في البيان الأول الذي بُثّ على التليفزيون الرسمي النيجري: "نحن، قوّات الدفاع والأمن المجتمعين في المجلس الوطني لحماية الوطن، قرّرنا وضع حدّ للنظام الذي تعرفونه". وبرّروا تَحرُّكهم ذاك بأنه "يأتي على أثر استمرار تدهور الوضع الأمني وسوء الإدارة الاقتصاديّة والاجتماعيّة".

وأضاف المجلس مؤكّداً تَمسُّكه بـ"احترام كلّ الالتزامات التي تعهّدت بها النيجر"، مطمْئناً "المجتمَع الوطني والدولي في ما يتعلّق باحترام السلامة الجسديّة والمعنويّة للسلطات المخلوعة وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان"، كما أعلن "تعليق كلّ المؤسّسات المنبثقة من الجمهوريّة السابعة. وسيكون الأمناء العامّون للوزارات مسؤولين عن تصريف الأعمال".

في ذات السياق كان الجيش النيجري أعلن تأييده الانقلاب، ذلك في بيان وقعه رئيس أركان القوات المسلحة عبده صديقو عيسى، قال فيه إن "القيادة العسكرية للقوات المسلحة في النيجر قررت الموافقة على إعلان قوات الدفاع والأمن من أجل تَجنُّب مواجهة دامية بين مختلف القوات".

واحتجّ وزير الخارجية في الحكومة النيجرية المنقلَب عليها حسومي مسعودو، على ما وصفه بـ"الاعتداء على الديمقراطية"، مطالباً الفاعليات المدنية والسياسية بالدفاع عن الرئيس بازوم وحكومته. وقال الوزير في تصريحات صحفية: "ندائي إلى جميع الوطنيين والديمقراطيين في النيجر للوقوف وقفة رجل واحد لقول لا لهذا التمرد الذي يميل إلى إعادتنا 10 سنوات إلى الوراء وعرقلة تقدم بلادنا ".

من جانبها، نددت الأمم المتحدة بتحرك الجيش النيجري، وأدان الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "أي محاولة لتولّي الحكم بالقوة"، داعياً إلى احترام الدستور النيجري. ومساء الأريعاء أعلن المتحدث باسم الأمين العامّ أن غوتيريش "تحدّث" مع بازوم وأعرب له عن "دعمه الكامل وتضامنه".

كما أدان الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) "محاولة الانقلاب".

وطالبت الولايات المتحدة الأربعاء بإطلاق سراح رئيس النيجر، وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك سوليفان في بيان: "نُدين بشدةٍ أي محاولة لاعتقال أو تعطيل عمل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في النيجر، التي يديرها الرئيس بازوم".

لماذا عادت الانقلابات للانتشار في القارة الإفريقية؟

ليست هي المرة الأولى التي تعيش فيها النيجر انقلاباً عسكرياً، بل يزخر تاريخ البلاد منذ استقلالها عام 1960، إذ شهدت أربعة انقلابات ناجحة على الأقلّ، وعدداً كبيراً من المحاولات الانقلابية آخرها كان عام 2021.

وعرفت منطقة الساحل والصحراء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يقدر بـ8 انقلابات على الأقلّ، إذ شهدت مالي انقلابين عسكريين، الأول في أغسطس/آب 2020 والثاني في مايو/أيار 2021. وفي بوركينا فاسو حدث انقلابان أيضاً عام 2022، وفي غينيا حدث انقلاب عسكري في سبتمبر/أيلول 2021. وفي نفس العام قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي على يد متمردين.

وبين هذه الأحداث أوجه تشابه كثيرة، يؤكدها الأكاديمي التشادي والباحث في الشأن الإفريقي إسماعيل طاهر في حديثه لـTRT عربي قائلاً: "المبررات التي يقدمها العسكريون للانقلابات التي شهدتها دول إفريقيا الفرانكوفونية خلال السنتين الأخيرتين، هي نفسها التي قدّمها الجنود الانقلابيون في النيجر".

وأوضح الباحث التشادي أن "هذه المبررات دائماً ما تدور حول الوضع الأمني المتردي ومكافحة الإرهاب المستشري في منطقة الساحل الإفريقي، وفساد إداري وتدهور العمل الاقتصادي وسوء الإدارة (...)، كذلك دائماً ما يلتفّ المدنيون عندما يمسكون السلطة حول الدستور وتمطيط فترات الحكم، وهو ما يدفع العسكريين إلى الانقلاب".

ومنه يخلص طاهر إلى أن أسباب انتشار الانقلابات في إفريقيا مؤخراً هي "الفساد الأمني ووجود الحركات المتمردة والجماعات الإرهابية، تُضاف إلى منظومة أمنية ودفاعية هشة لهذه الدول، كذلك هناك فساد مالي وإداري كبير جداً، وتشبُّث بالسلطة من خلال التحايل على الدساتير والمواثيق والأنظمة (...)، وهو ما يجعل العسكريين يسعون للانقضاض والاستيلاء على السلطة".

وفي سياق المشكلات الأمنية يرى أسامة طايع، الصحفي المغربي الباحث في التطرف والإرهاب بجامعة محمد الخامس، أن منطقة الساحل تشهَد "ازدياد وتيرة نشاط الجماعات الإرهابية"، لعدة أسباب "أبرزها هشاشة البنية لدى مجموعة من دول المنطقة، إذ يلعب الدور اللوجيستي لأجهزة إنفاذ القانون واحترافيتها دوراً أساسياً ومحورياً في الحد من تعاظم الظاهرة".

ويضيف الباحث المغربي في تصريحاته لـTRT عربي، أن "ضعف المسار الديمقراطي والاقتصادي أسهم كثيراً في وجود بنية حاضنة للجماعات الإرهابية". فيما ترتبط الانقلابات بهذه المخاطر الأمنية بوصفها "إهداراً للجهد الدولي والإقليمي لمحاربة الظاهرة، التي تحتاج إلى تنسيق مُحكَم ومتواصل حتى لا تتحول دول الساحل إلى داعش جديد بالمنطقة".

ويُضاف إلى هذا الدور الذي يلعبه التنافس الدولي حول منطقة الساحل، والذي يخلق استقطاباً كبيراً في عدة دول، وهو ما شهدناه في المسيرات التي تلت انقلابَي بوركينا فاسو، إذ خرج المتظاهرون حاملين الأعلام الروسية إلى جانب صور قائدي الانقلاب. كما رأينا العلاقات الوطيدة التي تربط المجلس العسكري الحاكم بمالي مع موسكو، مقابل تدهور علاقاته مع باريس لدرجة القطيعة.

وعرفت النيجر هي الأخرى تحركات شعبية مماثلة تحتجّ على الوجود العسكري الفرنسي على أراضي البلاد. إذ خرج المتظاهرون في العاصمة نيامي، أواخر سبتمبر/أيلول 2022، وردّدوا فيها شعارات "اطردوا فرنسا"، حاملين رايات بلادهم جنباً إلى جنب مع الرايات الروسية.

وهو ما يشير إليه مقال تحليلي لمؤسسة "المركز الإفريقي"، المدعومة من واشنطن، بأن روسيا "دعمت بنشاطٍ الانقلابات في إفريقيا".

TRT عربي