أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تساؤلات حول الفترة الزمنية التي يريدها لأمد الحرب الحالية على قطاع غزة، إذ لم ينفك في كل مناسبة على التأكيد بأن تل أبيب عازمة على مواصلة حربها "حتى تحقيق الأهداف".
وفي هذا الإطار قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن إطالة أمد الحرب على غزة باتت هدف نتنياهو؛ لكي يحمي نفسه من المساءلة والمحاسبة القضائية، وكذلك لإضعاف حظوظ بايدن وحزبه على أمل عودة ترمب إلى رئاسة البيت الأبيض.
وتبدو ثمة مؤشرات تؤكد هذا التوجه، من بينها بدء العدّ التنازلي للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وزيادة التوتر العلني بين حكومة نتنياهو وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
تأكيد جديد
في 6 يناير/كانون الثاني الجاري، قال نتنياهو إن الحرب ضد غزة يجب "ألّا تتوقف حتى تحقق إسرائيل 3 أهداف رئيسية، وهو القضاء على حماس، وإعادة رهائننا (الأسرى)، والتأكد من أن غزة لن تشكل بعد الآن تهديداً لإسرائيل".
وأضاف نتنياهو -في بيان أصدره مكتبه- أن إسرائيل "لن تمنح حماس الحصانة في أي مكان، ونحن نقاتل من أجل استعادة الأمن في كل من الجنوب والشمال".
وأشار إلى أنه "حتى ذلك الحين، ومن أجل ذلك الهدف، عليك أن تضع كل شيء جانباً، وتستمر بالقوات حتى تحقيق النصر الكامل".
وأواخر العام المنقضي، قال نتنياهو وفق هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إن الجيش الإسرائيلي "يوسع رقعة الحرب في قطاع غزة، ولن يوقفها حتى تحقيق أهدافها"، مضيفاً: إن "القتال سوف يستمر حتى تحقيق النصر المطلق على حماس، وهذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً".
جبهات جديدة
الحرب على غزة ليست الجبهة الوحيدة التي يعمل عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ كثّف اقتحاماته اليومية منذ هجوم "طوفان الأقصى" على مختلف مدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة مخلفاً شهداء وجرحى وآلاف المعتقلين ودماراً كبيراً.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 4 يناير/كانون الثاني 2024، وصل عدد شهداء الضفة الغربية إلى 314 شهيداً فلسطينياً بينهم 80 طفلاً، وفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".
وبعد الأراضي الفلسطينية، يتصاعد خطر نشوب صراع في الجبهة الشمالية بين إسرائيل ولبنان، وخاصة مع تهديد وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت قبل أيام بأن هناك "نافذة زمنية قصيرة" للوصول إلى تفاهمات دبلوماسية مع لبنان، مؤكداً أن تل أبيب تعمل على "تغيير الواقع الأمني" على طول الحدود اللبنانية.
وجاء تهديد غالانت بعد يومين على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري بقصف في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، من دون أن تعلن إسرائيل رسمياً عن وقوفها خلف عملية الاغتيال.
واغتيال العاروري لم يكن الوحيد في المنطقة، إذ سبقه بأسبوع اغتيال المستشار البارز بالحرس الثوري الإيراني رضا موسوي في قصف على سوريا، قالت طهران إن إسرائيل من تقف خلفه وتوعدت بالرد والانتقام.
مصلحة نتنياهو
يقول الباحث والمحلل السياسي في الشؤون الأمريكية توفيق طعمة، إن من مصلحة نتنياهو إطالة الحرب لأطول فترة ممكنة لأسباب داخلية إسرائيلية وأخرى متعلقة به شخصياً، إذ يواجه تهماً جنائية قد تدخله السجن، فضلاً عن التحقيق المرتقب بهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول وإخفاقاته بإدارة الحرب على غزة.
وفي حديثه لـTRT عربي، يعرب طعمة عن اعتقاده بأن نتنياهو يريد إطالة الحرب حتى الانتخابات الأمريكية المقبلة؛ لكون شعبية بايدن في الحضيض، ووصلت إلى أقل من 34%، مع وجود فارق 8 نقاط لمصلحة منافسه الجمهوري الأبرز ترمب.
ويرى أنه من الصعب فوز بايدن في رئاسيات 2024 التي قد تعيد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، مبيناً أن الأخير حليف قوي لنتنياهو، إذ كان قد طرح خلال ولايته الرئاسية صفقة القرن لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وكذلك اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة إليها من تل أبيب.
ويلفت طعمة إلى أنه من المتوقع أن تدعم عودة ترمب -في حال حدثت- استمرار حكم نتنياهو وتخليصه من الأحكام القضائية التي قد يُدان بها مستقبلاً، مجدداً التأكيد أن مصلحة نتنياهو تكمن في فوز ترمب.
خلافات نتنياهو وبايدن
وحول التوتر الإسرائيلي الأمريكي، يقول طعمة إن نتنياهو لديه خلاف مع إدارة بايدن التي تمتلك رؤية مغايرة للحكومة الإسرائيلية بشأن مستقبل قطاع غزة، موضحاً أن واشنطن تريد من تل أبيب التركيز على الأهداف العسكرية بدلاً من استهداف المدنيين، بينما يريد نتنياهو وجوداً عسكرياً طويلاً في القطاع في ضربة لرؤية حل الدولتين التي تتبناها الإدارة الأمريكية.
ويؤكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بدأ بسحب ألوية قتالية من شمالي قطاع غزة، وقد يتمركز على السياج الحدودي، ويبدأ مرحلة جديدة باستهداف المقاومين من خلال غارات جوية وقصف مسيرات في تناغم مع الرؤية الأمريكية خلافاً لنتنياهو.
ومع ذلك، يعتقد المختص بالشؤون الأمريكية أن التوتر بين واشنطن وتل أبيب ليس بالمضمون، وإنما شكلياً في كيفية إدارة المرحلة المقبلة ومن سيحكم قطاع غزة، مضيفاً أن "أمريكا تدعم العدوان، وتقدم جميع أنواع الأسلحة، وتوفر الغطاء الدولي لاستمرار مجازر إسرائيل، ولم تطالب بوقف إطلاق النار حتى الآن".
حرب بلا نهاية
بدوره يؤكد المحلل المختص بالشؤون الإسرائيلية عادل شديد، أن نتنياهو يريد لهذه الحرب ألّا تتوقف نهائياً، وأن تستمر إلى مالا نهاية، بغض النظر عن نتيجتها وتداعياتها المدمّرة على إسرائيل وجبهتها الداخلية ومكانة الجيش ومعنويات الجنود والخسائر ودور إسرائيل وردعها في المنطقة.
ويوضح شديد في حديثه مع TRT عربي، أن نهاية الحرب الحالية تعني نهاية حكومة نتنياهو، وهو ما يعني أيضاً أن نتنياهو لن يعود لرئاسة الوزراء، وسيكون مستقبله يتمحور حول لجان تحقيق فساد وأخرى حول إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول إسرائيلياً، وما تلاه من إدارة فاشلة للحرب على غزة.
ويلفت إلى أن التوتر بين نتنياهو وبايدن تكتيكي وحول بعض التفاصيل وليس أزمة جوهرية، مبيناً أنه لا يمكن لإدارة أمريكية أن تصطدم مع حكومة إسرائيلية بعام انتخابي، ولا يمكن أن تتوقف عن دعم إسرائيل لأنه جزء من العقيدة الأمريكية.
ويؤكد شديد أن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب حتى الانتخابات الأمريكية، معتقداً أنه في حالة عودة ترمب سيدعم الأول بالشكل الذي يريده.