تابعنا
استخدم جيش الاحتلال في اجتياح مخيم جنين مروحيات وطائرات مسيّرة وقوات نخبة برية، ما أسفر عن استشهاد 12 فلسطينياً وإصابة 120 آخرين، بينهم 20 في حالة حرجة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، فيما قُتل جندي إسرائيلي خلال الاشتباكات التي رافقت عملية الانسحاب.

انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من مدينة جنين الفلسطينية ومخيمها مخلفة دماراً كبيراً في البُنية التحتية، وذلك بعد 48 ساعة على أوسع اجتياح منذ عملية "السور الواقي" عام 2002 حين اقتحمت كافة أنحاء الضفة الغربية المحتلة.

واستخدم جيش الاحتلال في اجتياح مخيم جنين مروحيات وطائرات مسيّرة وقوات نخبة برية، ما أسفر عن استشهاد 12 فلسطينياً وإصابة 120 آخرين، بينهم 20 في حالة حرجة، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، فيما قُتل جندي إسرائيلي خلال الاشتباكات التي رافقت عملية الانسحاب.

وزعم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي "تحقيق أهداف" عملية جنين، مدعياً أنّ "الوضع بات أفضل، إذ فقد المخيم البُنية التحتية للإرهابيين، واعتُقل أكثر من 300 مشتبه به"، على حدّ تعبيره.

بدوره قال نائب محافظ جنين كمال أبو الرب، إنّ "الاجتياح الإسرائيلي الهمجي ألحق أضراراً بـ80% من منازل المخيم"، الذي يتكوّن من نحو 1000 عقارٍ بين شقة وبيت مستقل، ويسكنه نحو 15 ألف نسمة.

أمّا حركتا المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي)، اعتبرتا انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنين بعد يومين من عمليته العسكرية فيها، "إعلان الفشل والانتصار للفلسطينيين".

أسباب ودوافع

وحول أسباب ودوافع هذه العملية العسكرية، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي، إنّ بعضها مرتبط بالفلسطينيين والآخر بالاحتلال، مشيراً إلى أنّ إسرائيل تريد إفقاد بؤر المقاومة لحاضنتها الشعبية وبنيتها المعنوية، وهذا يمكن قراءته من خلال تدمير البُنية التحتية وشبكات الكهرباء والمياه والمنازل والمستشفيات.

ويوضّح لـTRT عربي، أنّ إسرائيل تدرك أنّ الأهم من المقدّرات العسكرية للبؤر المقاومة هي الحاضنة الشعبية، التي يمكن أن تسند المقاتلين في مشروعهم ضدّ الاحتلال.

ويلفت الشوبكي إلى أنّ حجم الدمار وكثافته في جنين لا يرتبط بالضرورة بحجم القدرات العسكرية الفلسطينية داخل المخيم، وإنّما بحاجة إسرائيل إلى إحداث أكبر قدرٍ من الدمار، بهدف جعل المقاومة الفلسطينية "عبئاً" على المجتمع الفلسطيني.

ويستدرك أستاذ العلوم السياسية بقوله: "التاريخ يؤكد أنّ الفلسطينيين لم يستجيبوا لمثل هذه الضغوطات، بل تحدّوا الاحتلال أكثر".

ويكشف أنّ أصواتاً تعالت في إسرائيل بالأسابيع الماضية، تطالب بضرورة تنفيذ عمليات عسكرية واسعة بمناطق بعينها في الضفة، مبيناً أنّ حكومة نتنياهو كانت بحاجة إلى عملية ترمّم صورتها أمام المجتمع الإسرائيلي.

ويضيف الشوبكي أنّ الحكومة الإسرائيلية ضخّمت كثيراً من المقدّرات العسكرية في جنين، وأوحت بأنّها بصدد عملية كبيرة ذات طابع استراتيجي.

ولذلك استعانت بالتكنولوجيا وبسلاح الجو وبقوات نخبة برية لإيصال رسالة إلى الذهنية الإسرائيلية، مفادها أنّ "الحكومة قادرة على تحقيق إنجازات عسكرية وأمنية، ومن ثمّ تحقيق شيء من الاستقرار داخل المجتمع الإسرائيلي"، حسب الشوبكي.

أمّا أستاذ الفلسفة بجامعة القدس الدكتور سعيد زيداني، فيعتقد أنّ الحكومة الإسرائيلية ترى في جنين معقلاً للمقاومة والمجابهة، مشيراً إلى أنّ حكومة نتنياهو تقول إنّ "50% من العمليات ضدّ أهداف إسرائيلية، سواء بالضفة العربية أو داخل إسرائيل، انطلقت منها".

ويؤكد زيداني في حديثه لـTRT عربي، على أنّ النيّة لاقتحام مخيم جنين كانت مبيتة، لافتاً إلى أنّ هذه العملية "لن تُنهِ المقاومة في المخيم، لكنها قد تجلب بعض الهدوء لفترة، وفق المحللين العسكريين في إسرائيل"، وذلك بعد تصاعد عمليات المقاومة خلال الأشهر الأخيرة.

جنين 2002 و2023

وحول الاختلاف بين معركة جنين 2002 و2023، يرى الشوبكي فروقات جوهرية من حيث مقدّرات الفلسطينيين، مبيناً أنه قبل 21 عاماً كان الحديث حول خبرات عسكرية أكبر وشخصيات ذات طابع عسكري، وتنظيمات لم تتعرض وقتها لمثل ما تعرضت له في الضفة الغربية على مدار عقدَين من الزمان.

وكانت قوات الاحتلال اقتحمت مدينة جنين ومخيمها مطلع أبريل/نيسان 2002، وأعلنتهما منطقة عسكرية مغلقة، وفرضت حظر التجول عليهما لمدة أسبوعين، ووفق معطيات الأمم المتحدة، استشهد 52 فلسطينياً على الأقل، فيما قُتل 23 جندياً إسرائيلياً بعد معركة صمود سطرتها المقاومة.

ويعتقد الشوبكي أنّ القدرات العسكرية التي تملكها فصائل المقاومة حالياً في مخيم جنين "لم تصل إلى المرحلة التي كانت فيها عام 2002"، مؤكداً أنّ الحديث حول المقدّرات العسكرية يعد هامشياً في ظل المسألة الأهم، وهي الصراع من الناحية المعنوية، إذ لا تزال بؤر المقاومة في الضفة، رغم كل ما مُورَس ضدّ الفصائل الفلسطينية.

ويضيف أنّ مؤشرات فشل العملية الإسرائيلية ظهرت في الساعات الأخيرة قُبيل الانسحاب بوجود تصريحات أمنية تشدّد على ضرورة الخروج من مخيم جنين بعد عملية الدهس والطعن بـ"تل أبيب" وخشية تنفيذ عمليات أخرى، وبالتالي "لن تستطيع إسرائيل تسويق ما أقدمت عليه بأنه إنجاز".

ويرى أنّ حكومة نتنياهو قد تكرّر هذه العمليات في جنين وغيرها من المناطق، لافتاً إلى أنّ المسيطر على المشهد السياسي في إسرائيل نخب وتيارات "لا تؤمن سوى بهذه الطريقة لمواجهة الفلسطينيين، رغم فشلها على مدار عقود".

ويستدل الشوبكي بتصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي شاؤول موفاز في أثناء معركة جنين 2002، بأنّ هذه العملية ستكون الأخيرة، مشيراً إلى أنّ الأخير كان يعتقد أنّها ستنجح في اجتثات التنظيمات الفلسطينية من المخيم، ولكن المشهد يتكرّر بعد 21 عاماً.

عمليات خاطفة

من جانبه يؤكد الخبير العسكري اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي، أنّ عملية الاحتلال في جنين "فشلت في تحقيق كامل أهدافها"، مقدراً نجاح جيش الاحتلال في ربع العملية فقط، من خلال السيطرة على بعض البنادق الخفيفة والعبوات الناسفة.

ويوضّح لـTRT عربي، أنّ الاحتلال تأكد من دخوله إلى "عش الدبابير" في جنين لذلك فضّل الانسحاب، لكنّه قد يعود مرة ثانية وثالثة، محذراً من قوات إسرائيلية متحفزة بالقرب من جنين للانقضاض على المقاومين لحظة الاستراحة.

ويلفت الشرقاوي إلى أنّ الاحتلال قد يلجأ مستقبلاً إلى "الهجوم الجوّال"، بمعنى مداهمة منطقة كل فترة عبر عملية خاطفة، إذ صرّح نتنياهو بأنّ "جنين ليست الهدف الأخير"، معتقداً في الوقت نفسه أنّ المنطقة الثانية قد تكون نابلس أو مخيم عقبة جبر جنوب غربي أريحا.

ويرى أنّ قصر مدّة عملية إسرائيل في جنين سببه المقاومة العنيفة التي اصطدم بها جيش الاحتلال، وخشيته من خسائر لا يتحملها، بسبب انخفاض الروح المعنوية في صفوف جنوده رغم الاستعانة بقوات النخبة لديه، مؤكداً على وجود تعتيم في خسائر قوات الاحتلال على صعيد العتاد والجنود.

صواريخ من الضفة

وفي أواخر يونيو/حزيران 2023، أعلن جيش الاحتلال إطلاق صاروخ من منطقة جنين وانفجر في داخل الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ الصاروخ لم يشكل خطراً على المستوطنات في المنطقة.

وجاء ذلك، بعد أن نشرت كتيبة العياش الفلسطينية على قناتها في "تليغرام" مقطع فيديو، قالت "إنّه لعملية إطلاق صاروخين من محافظة جنين تجاه مستوطنة رام أون الإسرائيلية"، فيما زعمت قناة كان العبرية أنّ "كتيبة العياش التي نشرت الفيديو مرتبطة بكتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس".

وهي المرة الثانية التي تعلن فيها فصائل فلسطينية محاولة إطلاق صواريخ من الضفة تجاه المستوطنات الإسرائيلية، ففي 24 مايو/أيار 2023 قالت القناة العبرية ذاتها إنّ الجيش الإسرائيلي عثر بقرية نزلة عيسى قرب جنين على قاذفة استخدمت بإطلاق صاروخ بدائي الصنع تجاه مستوطنة شاكيد، مضيفةً أنّ "عملية الإطلاق كانت فاشلة".

وفي هذا السياق، يقول الشرقاوي، إنّ الاحتلال يخشى بشدّة تكرار تجربة إطلاق الصواريخ من غزة وتمددها إلى الضفة، مؤكداً أنّ هذه المشاهد أثرّت بشكل كبير وسرّعت عملية اجتياح مخيم جنين.

ويلفت الخبير العسكري إلى أنّ الخشية الإسرائيلية واضحة رغم اعتراف الاحتلال بأنّ هذه الصواريخ بدون رأس متفجر، وهي عبارة عن تجربة في المقام الأول، كما أنّهم حدّدوا المسافة التي انطلق منها الصاروخ بـ97 متراً، وسقوطه في منطقة محاذية لإحدى المستوطنات.

TRT عربي
الأكثر تداولاً