ولا يُخفي سموتريتش أهدافه وأطماعه في الضفة الغربية ويعبِّر عنها بكل وضوح في خطابه السياسي أو في خطته السياسية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المعروفة بـ"خطة الحسم"، التي تهدف في جوهرها إلى تهجير الشعب الفلسطيني من الضفة ومنع أي كيانية فلسطينية. وطرح سموتريتش الخطة عام 2017 واعتمدها المؤتمر العام لحزب الصهيونية الدينية عام 2022.
ولا تخلو مناسبة دون أن يعلن سموتريتش رفضه قيام الدولة الفلسطينية، كان آخرها، أمس الاثنين، عندما غرّد على منصة إكس، قائلاً: "مهمة حياتي هي بناء أرض إسرائيل وإحباط إقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تُعرِّض دولة إسرائيل للخطر".
ويشير الصحفي في صحيفة يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، إلى أن سموتريتش يتحرك لتحقيق أهدافه التي أوردها في خطته للحسم من خلال وضع الضفة تحت "حركة كماشة: إحدى ذراعيه صلاحياته بصفته وزير المالية، والذراع الأخرى صلاحياته التي تلقاها بصفته وزيراً في وزارة الدفاع".
حسم الإدارة المدنية
توصل وزير المالية سموتريتش، ووزير الدفاع يؤاف غالانت، في شهر فبراير/شباط 2023 إلى اتفاق تفاهم جديد بشأن تقاسم صلاحيات بينهما فيما يخص الضفة الغربية، وتحديداً الإدارة المدنية؛ الهيئة الإسرائيلية التي تتولى حكم الضفة الغربية المحتلة.
ووفق موقع "تايمز أوف إسرائيل" الذي نقل عن بيان صدر عن مكتب سموتريتش، فإن "التفاهم سيمنحه سلطة على معظم الإدارة المدنية، مثل الموافقة على بناء المستوطنات وفرض القانون ضد البناء غير القانوني في الضفة الغربية"، أي بناء الفلسطينيين على أرضهم، وفق التعبيرات الإسرائيلية.
وفي شهر مايو/أيار الماضي، أعلن سموتريتش تعيين هيلل روث، نائباً مدنياً لرئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية، ولن يكون روث تابعاً لرئيس الإدارة المدنية القادم من الجيش، إنما لرئيس إدارة المستوطنات في وزارة الدفاع التي يرأسها يهودا إلياهو، أحد رجال سموتريتش، ويلعب في منصبه الجديد دور "حاكم المستوطنات".
وحول خطورة هذه الخطوة، قالت ميراف زونسزين، المحللة البارزة لشؤون إسرائيل وفلسطين في مجموعة الأزمات الدولية لصحيفة الغارديان البريطانية إن هذا لا يعد "ضمّاً زاحفاً" أو "ضمّاً بحكم الأمر الواقع"، بل هو ضمٌّ فعليّ".
في حين قال أفيف تاتارسكي، الباحث في منظمة "إير عميم" غير الحكومية الإسرائيلية، لصحيفة نيويورك تايمز، إن الأمر "تاريخي"، لأنه "للمرة الأولى لديك إدارة رسمية في الضفة الغربية لا تكون من خلال الجيش ولكن من خلال النظام السياسي المدني الإسرائيلي".
وأشار المحامي الإسرائيلي في مجال حقوق الإنسان مايكل سفارد، في حديثه مع صحيفة الغارديان، إلى أن هذا النقل يعني أن السلطة القانونية في الضفة الغربية أصبحت الآن في أيدي "جهاز يرأسه وزير إسرائيلي اهتمامه الوحيد هو تعزيز المصالح الإسرائيلية".
واحتفى سموتريتش بهذه الخطوات في مؤتمر داخلي لحزب الصهيونية الدينية انعقد في 9 يونيو/حزيران الماضي في مستوطنة شاحاريت، جنوبي قلقيلية، بمشاركة وزراء وأعضاء كنيست من الحزب وعدد من أعضائه، وتمكنت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية من الحصول على كلمة سموتريتش في المؤتمر، ونشرتها لاحقاً الحركة وصحيفة نيويورك تايمز.
وقال وزير المالية المتطرف في إشارة إلى منصب "إدارة المستوطنات" التي عيَّن فيها رجله المقرب يهودا إلياهو: "أنشأنا نظاماً مدنياً منفصلاً، هناك وزارة داخل وزارة الدفاع، هناك إدارة تشبه وزارة حكومية، رئيس الإدارة يعادل الرئيس التنفيذي لوزارة حكومية".
وحول تعيينه هيلل روث في منصب نائب رئيس الإدارة المدنية قال سموتريتش: "هناك نائب رئيس الإدارة المدنية وهو مدني موظف في وزارة الدفاع، لا يخضع لرئيس الإدارة المدنية، ولا لقائد القيادة المركزية، بل لإدارة المستوطنات. فُوِّضت جميع صلاحيات رئيس الإدارة المدنية إليه".
وأضاف: "إن كل الصلاحيات في يد هيلل روث، فهو يوقِّع على الأوامر، ويدعو لجنة التخطيط العليا إلى الانعقاد، ويعلن عن الأراضي المملوكة للدولة، ويوقِّع على الخطوط الزرقاء، ويدير ضباط الأركان، ويُصدر عطاءات الموظفين، ويوقِّع على قرارات مصادَرة الطرق، كل شيء في يديه. كل الصلاحيات المدنية".
إفقار الضفة الغربية
ويضع سموتريتش تدمير السلطة الفلسطينية ومؤسساتها في الضفة الغربية أو أي كيانية فلسطينية على رأس أهدافه السياسية في خطة الحسم، فسموتريتش يعتقد بضرورة ضم كل أراضي الضفة الغربية وإلحاقها بدولة الاحتلال، وفيما يتعلق بالسكان فإنه يضعهم أمام خيارات: "إما الموت في المعركة، وإما الهجرة إلى الخارج، وإما أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية إلى الأبد"، كما يوضح الصحفي ناحوم برنياع في مقالته على يديعوت أحرونوت.
وفي إطار جهوده هذه يشير برنياع إلى أن سموتريتش "بصفته وزيراً للمالية، يجمِّد أو يؤخر أو يمنع تحويل أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، وهذا الأمر يؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية ويجعلها عاجزة عن دفع رواتب نحو 140 ألف موظف".
أما الأمر الآخر الذي يفعله سموتريتش ويسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية فهو منع حركة العمال الفلسطينيين الذين وصل عددهم قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى نحو 170 ألف عامل.
ويشير برنياع إلى أن سموتريتش ونواب حزبه رفضوا خطة قدمها جهاز الأمن وجيش الاحتلال الإسرائيلي تسمح بدخول العمال لتنفيس الوضع الاقتصادي المتردي في الضفة الغربية خشية انفجار الأوضاع الأمنية هناك.
مصادرة الأراضي
انعكست الإجراءات السابقة بشكل واضح على خريطة الضفة الغربية التي عاشت الآثار الكارثية لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ووفقاً لتقرير برنياع السابق فإن عمليات مصادرة الأراضي، وأذونات البناء للمستوطنين الإسرائيليين تضاعفت أربع مرات خلال عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية، يقابلها حرمان الفلسطينيين من أي حقوق سواء على صعيد تراخيص البناء أو تصعيد في عمليات هدم المنازل الفلسطينية.
ووفقاً لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية، فقد وافق المجلس الأعلى للتخطيط الإسرائيلي على بناء ما يقرب من 12 ألف وحدة سكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية خلال فترة تولي الحكومة الإسرائيلية الحالية، بالمقارنة مع 8000 وحدة سكنية في العامين السابقين لها.
وفي شهر يوليو/تموز الماضي كشفت المنظمة أن الحكومة الإسرائيلية وافقت، أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، على مصادرة 12.7 كيلومتر مربع من الأراضي في غور الأردن، وهو ما عدَّته صحيفة الغارديان البريطانية "أهم وأكبر عملية استيلاء على الأراضي منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993".
كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلية قد صادرت 8 كيلومترات مربعة من أراضي الضفة في مارس/آذار الماضي، وصادرت 2.6 كيلومتر مربع في فبراير/شباط الماضي، ما يجعل عام 2024 عام "الذروة" لمصادرة الأراضي في الضفة، وفق حركة "السلام الآن".
وامتدت الإجراءات الإسرائيلية إلى عمليات تهجير السكان، وتحديداً في المناطق "C". ووفق تصريحات رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، الوزير مؤيد شعبان، في 5 سبتمبر/أيلول الحالي، فقد هجرت سلطات الاحتلال سكان 28 تجمعاً بدوياً في الضفة الغربية المحتلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال رئيس الهيئة الحكومية في بيان، إن "عنوان التهجير القسري للتجمعات البدوية ما زال يحمل دلالة خطيرة بالنظر إلى المنهجية التي تعتمدها دولة الاحتلال في فرض البيئة القهرية الطاردة على هذه التجمعات".