تابعنا
تقود الجزائر في الفترة الأخيرة حراكاً ديبلوماسياً نشطاً، تطمح من خلاله إلى استعادة دورها الإقليمي في المنطقة، وتفعيل وساطتها في حلحلة أمهات ملفات السياسة الخارجية العالقة.

منذ توليه حقيبة وزارة الخارجية الجزائرية، كثف رمطان العمامرة الجهود في إعادة الجزائر من جديد إلى المشهد الديبلوماسي بالمنطقة، وذلك عبر إجراء عدة اتصالات وأداء عدة زيارات إلى دول المنطقة وإطلاق حوارات ومباحثات في عدة قضايا، من أهمها تفعيل الدور الجزائري في ليبيا، وإيجاد حلول للملف الصحراوي مع الجارة المغرب، ودعم الاستقرار في الساحل الإفريقي، والوساطة في حل أزمة سد النهضة، وغيرها.

ويبدو أن عودة العمامرة إلى التركيبة الحكومية، تأتي ضمن خطة استراتيجية ترسمها الجزائر تعزز من مكانتها ودورها في ظل ظرف دقيق وحساس بأغلب بلدان القارة الإفريقية. بخاصة أن الوزير الجزائري يملك خبرة ديبلوماسية تقدر بـ45 عاماً، طور وثمن فيها علاقاته مع نظرائه العرب والأفارقة والأوروبيين، ووطد العلاقات مع المنظمات الدولية والإقليمية.

وفي سياق متصل تعكس التصريحات الرسمية الجزائرية مؤخراً، إثر الزيارات الدبلوماسية إلى عدد من بلدان القارة الإفريقية، توجهاتها في السياسات الخارجية، وموقفها من عدة ملفات.

الجزائر وسيطاً في أزمة سد النهضة

في إطار جولته الإفريقية التي شملت القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، تقدم وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة بمبادرة عقد قمة ثلاثية تجمع بين بلدان المصب المتنازعة، لحل أزمة سد النهضة.

ولاقت مبادرة العمامرة الترحيب والتأييد، وذلك بعد أن أبدت الجزائر في وقت سابق استعدادها التام للتدخل في حل الأزمة.

وفي هذا السياق كانت أديس أبابا من بين الأطراف التي وجهت الدعوة للجزائر في التدخل والوساطة، بخاصة أنها بذلت جهوداً كبيرة في السابق في التوسط في النزاع الإثيوبي-الإريتري. ومن جانبه عبر العمامرة عن ترحيبه بذلك وكتب في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر إثر لقائه بمفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والأمن الاقليمي بانكولي أديوي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا: "أكدت له دعم الجزائر واستعدادها للمساهمة الفعلية في تعزيز الجهود من أجل تجاوز مختلف التحديات وترسيخ مبدأ الحلول الإفريقية لمشكلات القارة".

وبهذا فإن مبادرة القمة الثلاثية التي طرحتها الجزائر، تعتبر من لبنات اللقاءات الدبلوماسية الأخيرة.

الموقف الجزائري من الأزمة التونسية

عقب إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد أعمال البرلمان وحل الحكومة استناداً على تأويله لفصل دستوري، وما صاحب ذلك من أزمة سياسية، تفاعل معها الدخل والخارج بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أول من تواصل هاتفياً مع نظيره التونسي للتباحث حول الأزمة. وعبر تبون عن دعمه ومساندته للرئيس التونسي، وأصدرت الرئاسة الجزائرية بياناً رسمياً تؤكد فيه بأن قيس سعيد قد أعلم تبون بأن "تونس تسير في الطريق الصحيح لتكريس الديمقراطية والتعددية وستكون هناك قرارات مهمة عن قريب". على حد تعبيره.

عقب الاتصال الهاتفي بين الرئيسين زيارة خاطفة لوزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة إلى تونس التقى فيها بقيس سعيد، وأكد على إثرها بضرورة التعاون والتنسيق المشترك وتوطيد العلاقات بين البلدين. وبذلك يبدو أن الجزائر الحليف المهم لتونس، قد اختارت الانحياز إلى الرئيس التونسي ودعم إجراءاته الاستثنائية، في وقت وصفت فيه أطراف سياسية تونسية وقوى دولية ما قام به قيس سعيد، انقلاباً على الديمقراطية والشرعية الدستورية.

تأمين الحدود المشتركة مع الجانب الليبي

تواجه ليبيا والجزائر تحديات أمنية مشتركة وذلك بسبب الحدود الطويلة التي تربط بين البلدين، التي تجعل من تقديم الجزائر المساعدة والدعم للجانب الليبي من أهم الضروريات في المرحلة الراهنة.

وقد عبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ أيام قليلة عن استعداد الجزائر لتأمين الجنوب الليبي، ملوحاً بالتدخل العسكري إذا ما اقتضى الأمر ذلك. وتتطلع ليبيا في الوقت ذاته إلى أن تدعم الجزائر المصالحة الوطنية في ليبيا ومساعدتها في مكافحة الإرهاب وطرد عصابات المرتزقة من أراضيها.

وعقب لقاء جمع مؤخراً بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون و رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، صرح فيه الأخير قائلاً: "تحدثنا عن قضايا مشتركة، مثل أمن الجنوب الليبي، الذي هو أمن قومي مشترك جزائري ليبي، وتحدثنا عن فتح المعابر، وهذا أمر مهم جداً لليبيين في هذه الفترة".

وبدوره أكد تبون أن الجزائر رهن إشارة الأشقاء الليبيين في تأمين مسار الانتقال الديمقراطي وتجاوز التحديات الأمنية، على حد تعبيره.

هل تستأنف العلاقات الدبلوماسية مع المغرب؟

بعد أن وصفها كثيرون بالمستحيلة، يجدد العاهل المغربي محمد السادس دعوته للجزائر لتخطي الأزمة وخفض التوتر بين البلدين وفتح الحدود من جديد.

وقال العاهل المغربي في كلمة ألقاها مؤخراً "إننا نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر، للعمل سوياً، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار". مؤكداً حرصه على تطوير العلاقات الأخوية بين البلدين، نافياً مسؤولية إغلاق الحدود عن نفسه وعن الرئيسين السابق والحالي للجزائر.

وقد استمر الخلاف والتوتر بين البلدين منذ فترة، وتداخلت فيه أطراف خارجية للاستثمار في لحظة النزاع وخلق منطقة توتر واحتقان بالقارة الإفريقية تزعزع أمنها واستقرارها.

ويتطلع الجميع إلى التفاعل الجزائري بعد المبادرة المغربية لفتح الحدود وبخاصة أن الجزائر اليوم على أعقاب حقبة ديبلوماسية جديدة اتخذت فيها مواقف عديدة وأطلقت فيها مبادرات مختلفة كعنصر فاعل ضمن الإطار الإفريقي والعربي.

TRT عربي