رغم أنها تمكنت خلال وقت قصير من إحكام السيطرة على المدن الأفغانية كافة، لا تزال حركة طالبان تحارب لدخول منطقة وادي بنجشير، التي لا تزال إلى اليوم بيد المعارضة. ولطالما عرفت المنطقة بعدائها التاريخي للحركة.
ومع اشتداد المعارك في محيط إقليم بنجشير، وجه أحد قادة "جبهة المقاومة الوطنية" أحمد مسعود، نجل الراحل أحمد شاه مسعود أبرز القادة المعارضين لطالبان، نداءاته إلى القوى الدولية بالتدخل وتزويد المقاتلين المعارضين بالسلاح.
وإن كان مسعود قد استحث جميع مكونات المجتمع الدولي لمجابهة ما اعتبره تهديد طالبان، فقد ناشد في خطابه باريس على وجه الخصوص باعتبارها أمله الرئيسي في ذلك، على حد تعبيره. وبينما لم تبد باريس أي تعليق على كلمات مسعود، يتساءل الرأي العام عما إذا كانت ستتحول إلى ملجأ للمعارضة الأفغانية إبان استعادة طالبان للحكم وتقدمها في المحادثات لتحديد خارطة طريق المرحلة المقبلة.
وادي بنجشير معقلاً للمعارضة
كما كانت عليه منذ عقود، لا تزال منطقة وادي بنجشير الواقعة في شمال وسط أفغانستان، معقلاً لأشد معارضي حركة طالبان. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، أي في الفترة التي حكمت فيها الحركة البلاد، تزعم أحمد شاه مسعود، وهو أصيل المنطقة، "تحالف جبهة الشمال" وهو عبارة عن تحالف للجماعات المتمردة التي قاومت السوفييت في ثمانينيات القرن الماضي وقاومت حكم "طالبان"، إلى أن غزت القوات الأمريكية البلاد عام 2001 وأنهت حكم الحركة.
واليوم وبعد مرور 20 عاماً، استعادت طالبان الحكم من جديد وسط ذهول عالمي، وتمكنت من اجتياح جميع الأقاليم والمناطق الأفغانية في وقت قصير، إلا أن منطقة وادي بنجشير لا تزال خارج السيطرة، ففضلاً عن تضاريسها الصعبة التي حالت تاريخياً دون وصول مقاتلي طالبان إليها ولو لمرة واحدة، فهي تؤوي اليوم بعض مسؤولي الحكومة السابقة والمقاتلين في ما أطلق عليه تسمية جبهة المقاومة الوطنية، وجميع المناهضين لحكم طالبان. ولعل أبرز هذه الأسماء التي تصدرت الصحف الأجنبية، أحمد مسعود نجل الراحل أحمد شاه مسعود، الذي ناشد الغرب لتزويده بالسلاح.
وانضمت إلى الجبهة أسماء قيادية بارزة تسعى لإحياء تحالف الشمال من جديد، وتحرض على عدم الاستسلام، ومن بينهم وزير الدفاع، الجنرال بسم الله محمدي، ونائب الرئيس الأفغاني ورئيس الاستخبارات السابق، أمر الله صالح، الذي كتب مؤخراً في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر : "لن أنحني أبداً، وتحت أي ظرف، لإرهابيي طالبان. لن أخون أبداً روح وإرث بطلي أحمد شاه مسعود، القائد، الأسطورة والمرشد. لن أخيّب آمال الملايين الذين استمعوا إليّ. لن أكون أبداً تحت سقف واحد مع طالبان".
فرنسا.. الملاذ الأخير؟
بينما أبدت عدة دول استعدادها للتحاور والاعتراف بطالبان وإن لم يكن ذلك بطريقة رسمية، في إطار دعم أي مبادرة للسلام يقررها الشعب الأفغاني دون تدخل خارجي، يحاول أحمد مسعود في الأثناء جذب الدعم الدولي لمناصرته في معركته ضد مقاتلي طالبان، في أقليم بنجشير، جيب المعارضة الأخير.
وبانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تصدرت عناوين الصحف فرنسية مناشدة أحمد مسعود لفرنسا باعتبارها أمله الأخير. حيث أنه في 14 أغسطس/آب الجاري، أي قبل يوم واحد من سقوط كابل، كتب مسعود رسالة إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسي برنارد هنري ليفي، يحثه فيها على الوساطة وتوجيه نداءات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائلاً: "فرنسا هي الملاذ الأخير لنا، والأمل الوحيد المتبقي لنا".
وبعد أن أعلنت طالبان استعادة سيطرتها على الحكم، صاغ مسعود مجدداً رسالة أخرى قائلاً فيها: "انضموا إلينا بروح أو بدعم مباشر." ، وشبه في معرض رسالته أفغانستان بحالة أوروبا عام 1940، معتبراً حينها أن فرنسا بزعامة شارل ديغول خسرت معركة ولم تخسر حرباً، محاولاً بذلك استمالة الرأي العام الفرنسي.
وإن كان أحمد مسعود يعول في أفغانستان بشكل كبير على رمزيته التاريخية باعتباره ابن أحد أبرز المقاتلين للسوفييت وأشد المعارضين لحكم طالبان، فإنه في فرنسا يعول بشكل كبير على تاريخ والده الذي تلقى تعليمه بمدرسة ثانوية في فرنسا وأصبح بعد ذلك أحد أهم مشاهيرها الأدبيين، والذي افتتح في مارس/آذار الماضي طريقاً باسمه في حدائق الشانزيلزيه بباريس، بحضور نجله وعدة شخصيات ديبلوماسية فرنسية وأوروبية، وبإشراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعمدة باريس آن هيدالغو.
وفي الوقت الذي يراواغ فيه الإليزيه على حد توصيف الصحف الفرنسية، في تقديم تصريح واضح حول إذا ما كانت فرنسا تعتزم تقديم الدعم إلى الجبهة المقاومة في بنجشير بقيادة أحمد مسعود، يواصل مسؤولون فرنسيون مزيداً الضغط على الحكومة لتقديم الدعم اللازم.
وقد صرحت الخارجية الفرنسية في سياق متصل، بأن أولويتها في الوقت الحالي إجلاء المواطنين وحماية الأفغان. ويرجح خبراء ومحللون فرنسيون، أنه إذا ما أصبحت حكومة طالبان أمراً واقعاً، وقررت فرنسا إثر ذلك تقديم المساعدة، فربما سيكون ذلك بشكل سري.