تابعنا
خلال العقود الماضية استطاع المغرب مراكمة تجارب مهمة على مستوى تنظيم البطولات القارية والدولية في رياضات مختلفة، إلى جانب المؤتمرات الدولية من قبيل قمة المناخ "كوب 2016" لتأكيد جديته وقدرته على تنظيم فعالية بحجم كأس العالم 2030.

بعد مسار المنتخب المغربي المشرّف في نهائيات كأس العالم 2022 في قطر، وبلوغه نصف النهائي للدورة كأول بلد عربي وإفريقي، تحقّق حلمٌ آخَر للمملكة، بقبول الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تنظيم المغرب كأس العالم لكرة القدم بشكل مشترك مع جارتَيه الشماليّتين إسبانيا والبرتغال عام 2030.

ووفق بيان للديوان الملكي المغربي، "زَفّ العاهل المغربي الملك محمد السادس، للشعب المغربي بفرحة كبيرة خبر احتضان المملكة مونديال 2030، بعد اعتماد مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم بالإجماع ملف المغرب وإسبانيا والبرتغال، كترشيح وحيد لتنظيم كأس العالم 2030 لكرة القدم".

ورأى بيان الديوان الملكي أنّ هذا القرار يمثل "إشادة واعترافاً بالمكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب بين الأمم الكبرى"، مجدداً التأكيد على "التزام المملكة المغربية العمل، في تكامل تام، مع الهيئات المكلفة بهذا الملف في البلدان المضيفة".

طموح لإنجاح الحدث

وعقب ذلك، عيّن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، رئيس "الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم" (الاتحاد المغربي)، فوزي لقجع، رئيساً للجنة كأس العالم 2030 من الجانب المغربي.

وأعرب الملك عن "الأمل والإرادة في أن يكون تنظيم هذه التظاهرة العالمية مدفوعاً بطموح قوي ينبني على مشروع قادر على ضمان النجاح الكبير لهذه الدورة".

هذا الترشيح المشترك، الذي يضمّ ثلاثة بلدان من قارتَين مختلفتَين، يعدّ سابقة في تاريخ كرة القدم، إذ بيّنت رسالة الملك المغربي بدقّة مميّزات تنظيمٍ ثلاثي الأبعاد "يحمل عنوان الربط بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، وبين القارة الإفريقية والعالم العربي والفضاء الأورومتوسطي".

إصرار عقود

يقول هشام رمرام، الصحافي والمحلل الرياضي، إنّ "الجميع كانوا ينتظرون أن يُعلِن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) هوية المضيف عام 2024"، لكن "في نهاية المطاف اعتمد مجلس (فيفا)، بشكل لم نكن نتوقعه، ملف المغرب وإسبانيا والبرتغال مرشحاً وحيداً".

ويضيف رمرام لـTRT عربي: "علينا أن ننتظر كثيراً من الوقت لنفهم ما جرى في كواليس المفاوضات"، لافتاً إلى أنّه "لم نكن مهيئين لتلقي خبر بهذا الحجم، خصوصاً أنّ تجارب المملكة السابقة مع الترشح لتنظيم المونديال علّمتنا أن نتحفّظ ونحتاط في تفاؤلنا".

ويلفت المحلل الرياضي إلى أنّ تنظيم كأس العالم سيكون "نهاية قصة جميلة بدأت بجرأة من المغرب ليكون أوّل من بادر بالترشح باسم إفريقيا والعرب لدورة 1994، وواصل الترشح لنسخ لاحقة من المونديال".

قبل أن يتحقق الحلم المغربي، قدّمت المملكة ترشيحها خمس مرات سابقاً، لاحتضان المونديال الكروي، من دون أن يتحقق لها ذلك، ثم تفطّنت لتقديم الملف الثلاثي مع جارتَيها شمال المتوسط، ونالت دعماً دولياً بدأت ملامحه داخل الاتحاد الإفريقي للكرة (كاف) الذي ساند الترشيح المغربي.

ويذهب أحمد العلمي، الباحث في السياسات العمومية الرياضية، إلى أنّ المغرب تمكّن من الحصول على حقّ تنظيم المونديال "بعد تحوّل كبير في استراتيجية التعامل، على مستوى آلية الدبلوماسية، وكذا الوجود في دائرة القرار إفريقياً أو دولياً".

ويضيف العلمي لـTRT عربي، أنّ هذا التوجه "سمح له بتثبيت الأواصر وتعميم سياسته عبر تعزيز البنيات التحتية، وتنظيم تظاهرات قارية ودولية، إلى جانب الدبلوماسية والاتفاقيات، وغير ذلك، وهي عوامل مُحدِّدة".

لهذا، فتتويج المغرب بمعيّة البرتغال وإسبانيا بتنظيم كأس العالم 2030، يؤكد -وفق العلمي- أنّ "مثل هذه المحافل الرياضية لم تعدّ ترتكز على المسابقة فقط، بل هناك عوامل أخرى تقتضي الإشارة إليها؛ تتعلق بالعوامل الجغرافية والتاريخية والسياسية والاقتصادية وحتى السياحية، أي المشترك الاجتماعي".

وإضافةً إلى الشروط السابقة كمؤشر حاسم في اختيار الملف الثلاثي، يشير الباحث إلى أنّ هناك أيضاً "تحوّل دولي نحو إفريقيا كقارة ستنقذ العالم برمته غذائياً وصناعياً فهي سوق عذراء"، حسب العلمي.

إنجازات وتجارب مغربية مهمة

خلال العقود الماضية، لا سيّما في السنوات العشر الأخيرة، استطاع المغرب مراكمة تجارب مهمة على مستوى تنظيم البطولات القارية والدولية في رياضات مختلفة، إلى جانب المؤتمرات الدولية من قبيل قمة المناخ "كوب 2016" لتأكيد جديته وقدرته على تنظيم فعالية بحجم كأس العالم 2030.

ويرى أيوب قطاية، الاستشاري في تنظيم التظاهرات الرياضية، أنّ "المملكة بنت سياستها الكروية بشكل أساسي على توجه يصب في اتجاه تطوير البنية التحتية الرياضية؛ على رأسها الملاعب الكروية التي تحتضن المباريات، وتجديد وتحديث ملاعب التّداريب، ثم مراكز تكوين اللاعبين".

ويضيف قطاية لـTRT عربي، أنّ المغرب لم يهمل كذلك ما يتعلق "بتسويق صورته دولياً، إضافةً إلى المجهود الكبير المبذول في مجال التدريب العلمي في المجال الكروي، مع الحرص على مراقبة تدبير وتسيير الأندية الوطنية".

كما حقّقت المملكة -وفق قطاية- "إنجازات عدّة على مستوى الفرق؛ باحتلال منتخب الكبار المركز الرابع في مونديال قطر، وبلوغ المنتخب النسوي الدور الثاني في مونديال أستراليا، وتأهل جميع المنتخبات الشابة لكؤوس العالم والألعاب الأولمبية".

المونديال أداة تحفيز اقتصادي

ويتوقع المراقبون أن تكون هناك انعكاسات اقتصادية مهمة لتنظيم تظاهرة عالمية مثل كأس العالم، إذ تضمّن الملف المغربي مشاريع على مستوى البنية التحتية الرياضية، وبشكل موازٍ سيعزّز المغرب من بنياته التحتية كالطرقات وشبكات الاتصالات، وبنياته الفندقية أيضاً.

ويقول علي الغنبوري، المحلل الاقتصادي، إنّ "زخماً اقتصادياً كبيراً يرافق تنظيم حدث عالمي كبير من هذا الحجم؛ فالمغرب محتاج حسب التقديرات الأولية لميزانيّة تنظيم تتراوح ما بين 8 و12 مليار دولار، ستُخصص بشكل أكبر لتجهيز البنية التحتية، فضلاً عن المرافق الرياضية من ملاعب وبنى رياضية مختلفة".

ويبيّن الغنبوري في حديثه مع TRT عربي، أنّ هذه المشاريع "ستنعكس بشكل أساسي على مستويات النمو التي سترتفع بنقطة ونصف على الأقل، وعلى مستويات التشغيل كذلك طيلة المدّة الفاصلة بين الاستعداد والتنظيم، ناهيك بالزخم السياحي القوي الذي سيستفيد منه المغرب".

ويشير المحلل الاقتصادي إلى أنّ "تنظيم المونديال يتقاطع بشكل أساسي مع النموذج التنموي الجديد للمغرب (خطة حكومية) الذي يسعى إلى رفع الناتج المحلي الخام إلى 140 مليار دولار في أفق 2035، وهو ما يجعل من تنظيم المونديال أداة تحفيز وتسريع اقتصادي قوي للمغرب".

TRT عربي