هل هي نهاية الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا؟ / صورة: AFP (Michele Cattani/AFP)
تابعنا

في تصريحات أخيرة لوزير الجيوش الفرنسي كريستيان لوكورنو، كشف عن أن بلاده لا تستبعد سحب قواتها من بوركينا فاسو، بعد المظاهرات المنددة بالوجود العسكري الفرنسي، في العاصمة واغادوغو يوم الجمعة. فيما يأتي هذا بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون إنهاء عملية "بارخان"، التي تعد أكبر قوة عسكرية فرنسية في الساحل.

بالمقابل تشهد دول إفريقية تنامٍ للشعور المناهض للوجود العسكري الفرنسي على أراضيها، وهو ما يشكل موضوع احتجاجات واسعة شهدتها تلك الدول في الأسابيع الماضية. فيما يقرب حديث لوكورنو الأخير إن تحقق على أرض الواقع من تحقق تلك المطالب.

"سابر" بعد "بارخان"؟

وفي حديثه إلى أسبوعية "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية قال وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو: "من الواضح أن مراجعة استراتيجيتنا العامة في إفريقيا تطرح أسئلة حول جميع مكونات وجودنا، بما في ذلك القوات الخاصة". ذلك تزامناً مع اندلاع احتجاجات يوم الجمعة في بوركينا فاسو تنديداً بالوجود العسكري الفرنسي هناك.

هذا ولا تزال بوركينا فاسو تحتضن على أراضيها غرفة عمليات قوات عملية "سابر" التي يتراوح تعدادها ما بين 350 و400 من القوات الخاصة، والمنفذ الرئيسي لجل الضربات النوعية الفرنسية ضد قيادات الجماعات المسلحة بالمنطقة. وفي هذا الصدد أردف لوكورنو: "سابر كان لها دور رئيسي السنوات الأخيرة في مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل".

فيما ليست هي المرة الأولى التي يتظاهر فيها البوركينيون ضد هذه القوات منذ الانقلاب الثاني الذي شهدته البلاد مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ونقلاً عن "فرانس بريس" قال الشيخ محمودو، وهو أحد متزعمي هذه الاحتجاجات، إنه: "بعد رسالة أولى تطلب رحيل فرنسا، سلمنا رسالة ثانية اليوم. وستوجه رسالة ثالثة إلى السلطات للمطالبة ببساطة برحيل فرنسا".

في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنهاء عملية "بارخان" العسكرية التي تقودها بلاده في الساحل منذ 2013. وقتها شدّد ماكرون على أن ذلك القرار يأتي من أجل "الحد من انكشاف قواتنا العسكرية في إفريقيا والتركيز على التعاون بشكل أساسي مع الدول التي تريدها".

عداء متنامٍ للوجود العسكري الفرنسي

وتشهد منطقة الساحل تنامياً للشعور الشعبي المناهض للوجود العسكري الفرنسي هناك، وهو ما تعبر عنه الاحتجاجات العديدة المطالبة برحيل فرنسا عن تلك البلدان، والانقلابات العسكرية المتوالية هناك منذ 2021.

وقبل المظاهرات الأخيرة في وغادوغو شهدت مناطق من النيجر احتجاجات مماثلة أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وندد النيجريون خلالها بالوجود العسكري الفرنسي على أراضي بلادهم التي أصبحت معقل قوات عملية بارخان بعد أن جرى سحبها من مالي شهر يوليو/تموز.

وفي التشاد كذلك شهر مايو/أيار الماضي خرج آلاف بمظاهرات واسعة رافضة للنفوذ الفرنسي في البلاد، استجابة لدعوات كان عممها ائتلاف "وقيت تما" (حان الوقت) المعارض. ووفق ما ذكره وقتها شهود عيانٍ فإن متظاهرين هاجموا قاعدة عسكرية للقوات الفرنسية في أبشي أقصى شرقي البلاد، وحطموا نصباً تذكارياً كان بداخلها.

فيما ذهبت السلطات في مالي إلى أبعد من ذلك، إذ ألغت جميع اتفاقاتها العسكرية مع فرنسا، وطردت قواتها من البلاد. كما اتهمت باماكو نظيرتها باريس بدعم الجماعات الإرهابية، بمنحها الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، حول مواقع تمركز الجيش المالي ومسلحي فاغنر.

وكشف المجلس العسكري المالي في بيان سابق أنه "لاحظ منذ بداية العام أكثر من 50 حالة انتهاك متعمدة للمجال الجوي المالي من طائرات أجنبية، خصوصاً طائرات تابعة للقوات الفرنسية"، متهماً إياها بـ"التجسس وتلفيق الصور الكاذبة".

استراتيجية فرنسا الجديدة في الساحل

وأتى إعلان ماكرون نهاية "بارخان" ضمن خطاب مطول خصه لاستعراض الاستراتيجية العسكرية الجديدة لبلاده، من بينها منطقة الساحل، حيث لا تزال فرنسا تنشر نحو 3000 جندي، بعد أن كان عددهم يصل إلى 5500 جندي.

وقال ماكرون خلال خطابه: "سنطلق في الأيام المقبلة مرحلة مشاورات مع شركائنا الإفريقيين وحلفائنا والمنظمات الإقليمية من أجل أن نطور، معاً، وضع وشكل ومهمات القواعد العسكرية الفرنسية الحالية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا (...) هذه الاستراتيجية التي ستكون جاهزة خلال ستة أشهر".

ومن خطوط هذه الاستراتيجية مواصلة فرنسا وجودها العسكري في الساحل، لكن اشتراطه برغبة الدول الحليفة له هناك. وفي هذا أوضح: "سيتواصل دعمنا العسكري للدول الإفريقية في المنطقة، لكن وفق الأسس الجديدة التي حددناها مع هذه الدول (...) وسيتكيّف دعمنا مع مستوى كل دولة حسب الحاجات التي سيعبّر عنها شركاؤنا".

وفي هذا الصدد أكَّد وزير الجيوش الفرنسي في تصريحاته الأخيرة بأن بلاده تعمل حالياً على "تنظيم شكل القواعد العسكرية الحالية التي ينبغي أن تحتفظ بقدرات معينة لحماية مواطنينا على سبيل المثال، ولكن أيضاً للتوجه بقدر أكبر نحو تدريب الجيوش المحلية". في حين أن ذلك الوجود "لم يعد يتعلق بمكافحة الإرهاب عوضاً عن شركائنا، بل بتنفيذ ذلك معهم، إلى جانبهم".

TRT عربي