احتجاجات في جزيرة مارتينيك ضد عدم إنصاف ضحايا استخدام مبيد الكلورديكون. / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

من المنتظر أن تغلق المحكمة الفرنسية ملف الدعاوى الجنائية التي رفعها سكان مارتينيك، عام 2006 وغوادلوب عام 2007، ضد السلطات الفرنسية، متهمين إياها بالتسميم الجماعي لسماحها باستخدام مبيد الكلورديكون المحرم دولياً في زراعة الموز هناك. ذلك بعد أن قدم المدعي العام بباريس مذكرة يطلب فيها إغلاق ذلك الملف.

وأثار هذا الاحتمال سخط العديد من سكان الجزر الفرنسية، الذين خرجوا في مظاهرات منددة بالمأساة اليومية التي يعيشونها ورفض قضاء باريس إنصافهم. هذا وتعيد هذه الأحداث ذكرى أحد أبشع جرائم التسميم الجماعي التي ارتكبتها فرنسا في حق مواطنيها من سكان جزر الأنتيل، والذين يعيشون تبعاتها الصحية إلى اليوم.

سخط عام ومظاهرات

شهدت كل من جزر مارتينيك وغوادلوب مظاهرات عارمة، نهاية الأسبوع الماضي، ندد فيها المحتجون بمساعي باريس إلى إغلاق ملف تسميمهم بالكلورديكون، وطالبوا بالعدالة في حقهم وإنصاف الضحايا الذين يعدون بالآلاف.

وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تقدم المدعي العام الفرنسي بمذكرة من 132 صفحة، طلب فيها إغلاق ملف الدعاوى المرفوعة ضد الدولة الفرنسية في ملف سماحها باستمرار استخدام المبيد المحرم دولياً ذاته في زراعة الموز بالجزيرتين. واحتج المدعي العام بعدم ثبوت جرم التسميم خلال التحقيق الجنائي، كذلك بتقادم القضايا.

ووفقاً لصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإنه على الرغم من أن تحرك المدعي العام كان متوقعاً منذ فترة طويلة، فإنه يثير السخط في جزر الأنتيل الفرنسية. ونقلت عن سيرج ليتشيمي، رئيس المجلس التنفيذي لمارتينيك والمحامي الذي رفع الدعوى المدنية، قوله: "نحن مستمرون في الانغماس في مأساة (...) يمكن تفسير هذا الإجراء على أنه محاولة (باريس) لإنكار العدالة".

وخلال تغطية المظاهرات، قالت كريستيان سيزير، وهي عاملة زراعية سابقة تبلغ من العمر 69 عاماً، لوكالة "الصحافة الفرنسية"، إنها شهدت رحيل عدد من أفراد عائلتها بسبب المرض، ومن بينهم شقيقها ووالدها اللذان توفيا بسرطان البروستاتا، كما أن أمها مصابة بسرطان الثدي والرحم. وكشفت عن أنها هي نفسها تعاني من "الكثير من الآثار الصحية اللاحقة".

وأكدت الفحوص على ساكنة جزر الأنتيل الفرنسية تسمم 90% منها بمبيد الكلورديكون. فيما يرجح أن تصل حالات الإصابة بالسرطان في جزيرة مارتينيك، البالغ سكانها نحو 400 ألف نسمة، إلى حدود 30 ألف حالة بحدود عام 2030.

ظلم الكلورديكون

منذ سنة 1972 تسمح الحكومة الفرنسية لمزارعي الموز بغوادلوب ومارتينيك باستعمال مادة الكلورديكون القاتلة لمعالجة زراعتهم، هذه المادة عالية السميَّة التي تُوظَّف في الفلاحة مبيداً حشرياً للقضاء على العثَّة التي تهاجم شُجيرات الموز.

سنة 1979 صنّفت منظمة الصحة العالمية المادة مسرطنة، وحرَّمت استعمالها. لكن ذلك لم يثنِ الحكومة الفرنسية عن استمرار التصريح برشها في حقول تلك الجزر، بل استمرّ ذلك حتى حدود 1993، أي بعد أن منع قرار حكومي فرنسي استخدامها سنة 1990، إذ أصدر وزير الفلاحة وقتها تصريحات استثنائية لمُلّاك المزارع بغوادلوب ومارتينيك، في استهانة كاملة بالصحة العامة لسكان الجزيرة وبيئتها.

فيما قد يدوم الضرر الذي تسبب فيه لقرون عديدة، إذ لا تتحلل جزيئات الكلورديكون قبل مرور 700 سنة. وسبّب استخدام هذا المبيد تلوثاً كبيراً لتربة ومياه غوادلوب وسواحلها وقطعان مواشيها. وفي سنة 2000 أُغلقَ معمل لتعبئة المياه في الجزيرة لوجود آثار المادة السامة في منتجاتها، وبعدها بخمس سنوات يوثّق تقرير برلماني تلوث المياه الجوفية الغوادلوبية بنسب كلورديكون أعلى بـ100 مرة من المسموح به.

بالنسبة إلى الإنسان يؤدّي التسمم بالكلورديكون إلى سرطانات متعددة، كما يؤدي في بعض الحالات إلى العقم. ويحتاج الجسم البشري إلى 165 يوماً للتخلص من تلك المادة السامة، بشرط أن لا يتعرض لها مرة ثانية خلال تلك المدة. و95% من السكان في غوادلوب تحوي أجسادهم ذلك السم بنسب مختلفة.

هذا ما يجعل جزيرة غوادلوب تعرف معدلات قياسية في الإصابة بسرطان البروستاتا، وجارتها مارتينيك تحقّق أعلى نسبة عالمية في الإصابة بذلك الداء. وحسب تقارير وزارة الصحة الفرنسية، تسجّل كل من غوادلوب ومارتينيك نسب الإماتة العليا بسرطانات البروستاتا وعنق الرحم والمعدة.

في المقابل وعد رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون سنة 2018 بتصنيف الإصابات بسرطان البروستاتا في تلك الجزر "مرضاً مهنيّاً"، لكن حتى الآن لم يجد ذلك الوعد تحقيقه على أرض الواقع، في حين تخوض منظمات المجتمع المدني في غوادلوب ومارتينيك منذ 2006 معركة قضائية لمحاسبة الحكومة الفرنسية على جرائم "تعريض حياة الآخرين للخطر".



TRT عربي