تابعنا
أثار تصويت الكنيست الإسرائيلي لصالح إحياء مشروع قانون يمكّن اليهود المتشددين من التجنيد في الجيش، الخلافات والانقسامات الداخلية في إسرائيل، لما تثيره القضية من جدل، بخاصة بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وكان التصويت، الذي جرت الموافقة عليه بأغلبية 63 صوتاً مقابل 57، بمثابة خطوة استباقية تهدف إلى إبقاء القضية في أيدي المشرّعين بدلاً من القضاة، الذين أكدوا مراراً أن الإعفاء، الذي يعود تاريخه إلى تأسيس إسرائيل، يجب أن لا يستمر.

وسبق أن عارضت الأحزاب الحريدية وقف الإعفاء، إذ قال كبير الحاخامات السفارديم، يتسحاق يوسف، في مارس/آذار الماضي إن "اليهود الأرثوذكس المتشددين سيغادرون إسرائيل بشكل جماعي إذا ألغت الحكومة إعفاءهم من التجنيد الإلزامي".

ومن شأن مشروع القانون أن يحد من إعفاء الشباب اليهود المسجلين في الدراسة الدينية، ويحدد حصص التجنيد لهم ويوفر خيارات خدمة بديلة من بين تغييرات أخرى.

وبذلك يمكن للكنيست الاستمرار من نفس النقطة التي توقف عندها التشريع في عام 2022، على أن يجري عرضه لاحقاً على لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست لمناقشته، تمهيداً للمصادقة عليه في القراءة الثانية والثالثة، وفق موقع "والا" العبري.

خلافات إسرائيلية داخلية

وحسب وكالة "رويترز"، فإن إقرار الكنيست الإسرائيلي للقانون المثير للجدل جاء وسط "مشاهد غاضبة" إذ طالبت عائلات بعض الأسرى في غزة بمزيد من الإجراءات لإعادة أبنائهم إلى وطنهم، وذلك يفسر حالة الاحتقان القصوى التي يعانيها الإسرائيليون وسط عدم وجود أي أُفق لانتهاء الحرب وفق مراقبين.

ويأتي التصويت أيضاً بعد يوم من استقالة الجنرال السابق من التيار الوسطي، بيني غانتس، من الحكومة بسبب نزاع حول الأهداف الاستراتيجية لحرب غزة، ما يسلط الضوء أيضاً على المزيج المتقلب للقوى التي تواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد الآن بشكل متزايد على حلفائه من اليمين المتشدد، وفق ما ذكرته الوكالة.

وكان وزير الدفاع يوآف غالانت الوحيد من الائتلاف الحكومي (64 مقعداً بالكنيست)، الذي صوّت ضد القانون. وعقب التصويت سُمع مدير مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تساحي برافرمان، وهو ينتقد غالانت بوصفه: "إنه وقح، ويجب إقالته"، وفق مصدر من صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، كان وزير الدفاع غالانت قد أعلن مسبقاً أنه سيصوّت ضد مشروع القانون، وبالنسبة إلى الأحزاب الحريدية ورغم معارضتها لمشروع القانون الأصلي، إلّا أنها صوتت لصالح استمرار هذا التشريع، في ضوء مطالبة محكمة العدل العليا الحكومة بتقديم خططها رداً على الالتماسات ضد مشروع الإعفاء من التجنيد.

ولم يصوّت أي من أعضاء حزب "الليكود" الحاكم ضد مشروع القانون أو يمتنع عن التصويت، وقالت عضو الحزب تالي غوتليف، التي أعلنت في وقت لاحق أنها ستمتنع عن التصويت، إنها ستدعم مشروع القانون.

من جهته، قال عضو الكنيست ألموغ كوهين المنتمي إلى حزب "عوتسما يهوديت"، السياسي اليميني المتطرف، إنه لن يؤيد التصويت ما لم تحصل مدينة "أوفاكيم" (مستوطنة استهدفتها المقاومة خلال عملية طوفان الأقصى) على تعويضات، كما عارض أعضاء الكنيست من حزب الوحدة الوطنية (معسكر الدولة)، الذين أعلنوا استقالتهم من حكومة الطوارئ يوم الأحد الماضي، مشروع القانون، وكذلك فعلت الأحزاب العربية.

وعلى الرغم من أن بيني غانتس (المنتمي إلى معسكر الدولة) كان قد طرح مشروع القانون في عام 2022 في ظل الحكومة السابقة، فإنه يعارض الآن هذا الإجراء الذي يقول إنه "غير مناسب للمواصفات الجديدة للأفراد الذين يحتاجهم الجيش".

وقال غانتس رداً على التصويت: "لقد أثبتوا الليلة أنهم عادوا إلى 6 أكتوبر"، بإشارة إلى ما قبل اندلاع الحرب. وأضاف عبر بيان أنه "في زمن الحرب، عندما يقاتل جنود الجيش الإسرائيلي من أجل الوطن، يكافح الائتلاف من أجل إدامة الإعفاء من التجنيد".

وفي هذا الصدد يقول الأكاديمي والباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، محمد هلسة، إنه كان من المفترض أن يقدم وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، مشروع القرار وأن يأتي من خلاله، بخاصة عندما كان غانتس في الحكومة، إذ أصر غالانت أن يأتي القانون بتوافق مختلف أطياف الحكومة.

ويضيف هلسة في حديث إلى TRT عربي أنه بعد خروج غانتس من الحكومة أتيح لنتنياهو المجال أن يقدم مشروع القرار وأن يحظى بالغالبية بالإجماع، باستثناء غالانت الذي صوّت ضد هذا القرار.

ويتابع: "هذا يقودني إلى ما أشارت إليه هيئة البث الاسرائيلية وهو أن بنيامين نتنياهو يعتزم ربط موضوع التصويت حول التجنيد ببند عدم الثقة بالحكومة، وذلك لأن حالة التمرد التي يخلقها غالانت كوزير في الحكومة، وكعضو ليكود مزعجة لنتنياهو الذي يريد قمع كل من يفكر في معاندة هذا التوجه مستقبلاً سواء من أعضاء الليكود أو في الائتلاف الحكومي".

ويلفت هلسة إلى أنه "حين يقول نتنياهو إنه يريد ربط قانون التجنيد ببند عدم الثقة بالحكومة، هذا يعني إطلاق يده ليتخذ كل الإجراءات التي يسمح بها القانون لإقصاء وإبعاد وربما إقالة الوزراء الذين يصوتون ضد هذا الأمر، بخاصة أن بعض الأصوات التي ظهرت بعد القراءة الأولى تقول بأن هناك حاجة إلى تعديلات وإخراج صيغة توافقية وغيره، ونتنياهو يفهم أن هذه هي المساحة فقط المتاحة لتمرير هذا القانون ولا يريد إحداث تغيير جوهري في صلبه".

ما تفاصيل مشروع القانون؟

سيشهد مشروع قانون التجنيد، دخولاً تدريجياً إلى الجيش لبعض اليهود المتشددين، الذين قاوموا تقليدياً الخدمة في القوات المسلحة.

وفي شهر مايو/أيار الماضي، بدأ نتنياهو الترويج لمشروع قانون الإعفاء الذي جرى تقديمه أصلاً في عهد حكومة لابيد-بينيت، على الرغم من أن المستشارة القضائية للحكومة، غالي باهاراف ميارا نصحت بعدم الموافقة عليه، معتبرةً أن "مشروع القانون لم يكن مصمماً ليتناسب مع الواقع الحالي ويتجاهل احتياجات الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الدفاعية منذ بداية الحرب"، وفق ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.

وجرى تقديم مشروع القانون في الكنيست سابقاً كخطوة مؤقتة تهدف إلى تقديم إجابة جزئية حول قضية تجنيد اليهود المتدينين، والذي من شأنه زيادة معدل تجنيد الحريديم في الجيش الذي يمثل مشكلة من الناحية القانونية، ولا يلبي الاحتياجات العسكرية الحالية لإسرائيل.

ويتضمن مشروع المخطط خفض سن الإعفاء من التجنيد للحريديم إلى 21 عاماً (حالياً 26)، لكن يطبق الخفض خلال مدة عامين.

وحسب هيئة البث الرسمية "وفق المخطط، سيتمكن الشاب المتدين البالغ من العمر 21 عاماً من الانضمام إلى نظام الطوارئ والإنقاذ الوطني والحصول على تدريب مهني، ويرتفع سن الإعفاء بعد عامين إلى 22، وبعد ثلاثة أعوام إلى 23".

واقترح المخطط أيضاً مسودة أهداف للرجال الأرثوذكس المتطرفين، كما سيفرض عقوبات اقتصادية على المدارس الدينية التي لم تحقق هذه الأهداف، ولكن ليس على الشباب الذين فشلوا في التجنيد، حسب هآرتس.

ووفقاً لمشروع القانون، فإن العقوبات على المعاهد الدينية ستكون تدريجية، تبدأ بتخفيض بنسبة 20% في التمويل، وتخفيض أكبر فقط بعد عدة سنوات متتالية من الفشل في تحقيق الأهداف.

ويقول الأكاديمي والباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة إن "الأجواء العامة لتصويت الكنيست تتعلق بمسألة الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد قطاع غزة وحاجتها إلى قوة بشرية نتيجة الإصابات والقتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي، ونتيجة وجود ساحات مواجهة مختلفة مثل جبهة غزة وشمال فلسطين المحتلة وجبهة الضفة، وهذه كلها تضع ضغط على الجيش وحاجته إلى مزيد من القوى بشرية".

ويشرح هلسة أنه من الناحية القانونية، محكمة العدل العليا ألغت قبل فترة قانون شرعه الكنيست في عام 2015 وقضى بإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، واعتبرت المحكمة أن الإعفاء يمس بمبدأ المساواة وتقاسم الأعباء، وهو الأساس الذي تجري عليه الاحتجاجات داخل المجتمع الإسرائيلي، أي أن نصف المجتمع الإسرائيلي تقريباً ممن تقع عليهم مسألة الخدمة لا يؤدون الخدمة، والنسبة الأكبر منهم من الحريديم المتدينين.

من 2017 حتى اللحظة فشلت كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التوصل إلى قانون توافقي في هذا الشأن، وهذا سببه موقف الحريديم المتشدد جداً من فكرة فرض التجنيد عليهم، وحاجة الحكومات المختلفة وتحديداً "الليكود" إلى الحريديم لتشكيل الحكومات واستقرارها.

ويضم نتنياهو شركاء من الحريديم في الائتلاف الحكومي، متمثلين في حزبَي "شاش" (11 مقعداً من أصل 120 بالكنيست) و"يهدوت هتوراه" (7 مقاعد) الحريديين.

ويشرح هلسة أن القانون وفق ما قدم بشكل عام يعفي أعداداً كبيرة جداً من الحريديم ويستمر في إعفاء أعداد كبيرة جداً منهم من التجنيد، ونتنياهو من باب "ذر الرماد في العيون" ذهب إلى مسارات الخدمة الوطنية وإلى زيادة بشكل متدرج في عدد المنخرطين بشكل طوعي من الحريديم في الخدمة العسكرية، وبنسب محدودة حتى يقول بأنه ليس ضد أو مع إعفاء الحريديم بشكل مطلق، باعتبار أنه "ها هم الحريديون يؤدون الخدمة الوطنية المدنية وهاهم ينخرطون بشكل تدريجي في الخدمة العسكرية".

أما الطرف الآخر المعاند والرافض لهذا الأمر، فوفق هلسة، يستند إلى فكرة تقاسم الأعباء، إذ إن جزءاً من المجتمع الإسرائيلي مع هذه الحرب وتحديداً العلماني الذي يؤدي الخدمة ويدفع الثمن الأكبر في هذه المواجهة، وهم من يسقط أبناؤهم في الحرب في حين يستمر الحريديم في التمتع بالامتيازات التي تفرضها الحكومة والدولة من تملص من الحرب والحصول على مئات الملايين للمدارس الدينية، "بالتأكيد هذا القرار سيحدث صدى في الداخل الإسرائيلي وسيزيد من تعاظم احتجاجات الشرائح المختلفة"، وفق ما يقوله هلسة.

TRT عربي