مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من 45 يوماً وتعثر الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو هدنة إنسانية على الأقل، تبرز مشكلة من مشكلات عديدة يواجهها القطاع الصحي الذي يتلقى الضربات الأبرز في ظل الاستهداف والحصار، وهي مشكلة أصحاب الأمراض المزمنة.
ويعاني هؤلاء الأشخاص ظروفاً صعبة وقاسية، لغياب الرعاية الصحية الأولية وصعوبة إدخال الأدوية والحرمان من تلقّي العلاج، بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع.
الفلسطيني خليل الكحلوت (60 عاماً) يواجه أزمة صحية شديدة جرّاء معاناته من مرض الضغط والسكّري منذ سنوات، وهو ما يجعله يحتاج إلى رعاية صحية متواصلة، إلّا أنّ عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة ضاعف معاناته الجسدية، الأمر الذي جعله يفتقر إلى العلاج خلال هذه الحرب.
نزح الكحلوت من مدينة بيت لاهيا شمالي القطاع إلى أحد مراكز الإيواء في مدينة خان يونس، ويقول لـTRT عربي: "لم أحصل على علاجي الذي كانت توفره لي وكالة الأونروا منذ أكثر من شهر جرّاء نزوحي، إذ أحتاج إلى مجموعة من أدوية الضغط والسكّري التي بتُّ ألجأ إلى شرائها من الصيدليات التي أغلق أغلبها الأبواب".
ويشكو المسنّ الفلسطيني من عدم حصوله على الرعاية الصحية اللازمة لمتابعة حالته كما كان معتاداً في الفترات التي سبقت الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويطالب الكحلوت المؤسسات الصحية الدولية ووكالة الأونروا بفتح مراكزها الصحية أمام المصابين بالأمراض المزمنة، وإيجاد حلول بديلة تمكِّن من متابعة الحالة الصحية لكل مريض وحصوله على العلاج، لا سيّما مع تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في القطاع.
القطاع الصحي يُدمَّر
وكشفت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة أنّ 26 مستشفى من أصل 35 توقفت تماماً وخرجت عن الخدمة في قطاع غزة، وباتت غير قادرة على تقديم خدماتها للجرحى، إما بسبب استهدافها بشكل مباشر، وإما بسبب نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي عنها، 9 منها تحوي 1200 سرير تعمل بشكل جزئي، وتقدم الخدمات الأساسية.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) عن الكيلة قولها في 18 من نوفمبر/تشرين الثاني إنّ "ما يجري بحق المستشفيات والأطباء والمرضى في قطاع غزة عدوان سافر، وجريمة نكراء، وإبادة جماعية بحق القطاع الصحي برمّته".
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن إغلاق 71% من مرافق الرعاية الأولية في جميع أنحاء غزة، بسبب الأضرار أو نقص الوقود، وأن 15 مرفقاً صحياً و51 عيادة صحة أولية تعرضت للتدمير.
تدهور القطاع الصحي برمّته ترك عديداً من أصحاب الأمراض المزمنة مثل مرضى السكّري والضغط أو الربو والأزمات أو نقص المناعة من دون العلاجات اللازمة أو حتى الرعاية الصحية الأساسية الخاصة بهم التي اعتادوا تلقّيها قبل بداية العدوان الإسرائيلي.
نزوح رغم المرض
السيدة الفلسطينية هناء أبو زيد (55 عاماً) المريضة بالربو تواجه صعوبة بالغة في توفير طاقة لتشغيل جهاز يساعدها على التنفس، إذ توجد في مساكن على شكل خيام للإيواء في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وهو ما يفاقم حالتها الصحية في الفترة الأخيرة.
وتقول هناء لـTRT عربي إنها نزحت من منطقة إلى أخرى خلال أسابيع الحرب الإسرائيلية رغم وضعها الصحي الذي يتفاقم مع مرور الوقت في ظل إغلاق مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات أبوابها بسبب القصف الإسرائيلي أو نقص في الطاقة.

وتوضح أن صهرها يلجأ إلى البحث عن مناطق لشحن بطارية صغيرة خاصة بتشغيل الجهاز، وهو أمر لا يتوفر بشكلٍ دائم، ما يعرض صحتها لانتكاسات متكررة نتيجة عدم توفر الطاقة وصعوبة الحركة من مكان إلى آخر في الفترة الأخيرة.
وتشير السيدة الفلسطينية إلى أنها لا تستطيع التحمُّل، وتخشى على حياتها إنْ بقيَت طويلاً في الخيمة من دون توفر مكان لتلقّي الرعاية الأولية والعلاج، وهو ما يجعلها عرضة للموت إذا ما تواصل العدوان الإسرائيلي وبقيت مراكز الرعاية والمستشفيات متوقفة عن العمل خلال الفترة المقبلة.
أمّا ابن السيدة المسنّة سرار الشاعر فيُضطر إلى اصطحابها بين فترة وأخرى لمسافة طويلة حيث يقطن في مدينة رفح جنوبي القطاع، ويسير مشياً على الأقدام معها عبر كرسي متحرك خاص بها لنقلها، إذ تعاني من أمراض مزمنة عدة، أبرزها السكّري والضغط والقلب.
ويقول الشاب لـTRT عربي: "تكلفة العلاج الخاص بوالدتي ترهقني نظراً إلى عدم توفر فرصة عمل، إذ أعمل بأجرٍ يوميّ، وقد توقف عملي مع الحرب الإسرائيلية التي بدأت على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول".
ويبيّن أن فاتورة العلاج الواحدة لوالدته تبلغ ما يقارب 40 دولاراً أمريكياً، أي 150 شيكلاً تقريباً، لا سيما العلاج الخاص بالقلب، إلى جانب العلاجات الخاصة بالسكّري وضغط الدم التي تعاني منهما منذ سنوات طويلة، وهو ما أجلسها قعيدة.
10% فقط يتلقون العلاج
وتُظهِر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ارتفاع نسبة الأفراد -18 سنة فأكثر- المصابين بمرض مزمن واحد على الأقل بشكل طفيف خلال العقد الماضي، إذ بلغت هذه النسبة في عام 2010 نحو 18%، وارتفعت لعام 2021 لتبلغ نحو 20%، وتزداد الإصابة بالأمراض المزمنة مع التقدم بالسنّ.
وأظهرت بيانات عام 2021 أن أكثر من ثلثي كبار السنّ في فلسطين مصابون بمرض مزمن واحد على الأقل، وتفاوتت هذه النسبة بشكل كبير بين الذكور والإناث من كبار السن، إذ بلغت على التوالي 66% و76%.
ويقول رامي العبادلة نائب مدير الرعاية الصحية في وزارة الصحة بغزة إنّ "في أعداد متلقي الخدمة الصحية الخاصة بمرضى الأمراض المزمنة تراجعاً واضحاً جرّاء إغلاق عشرات المراكز الصحية أبوابها إلى جانب توقف عدد من المستشفيات".
ويضيف العبادلة لـTRT عربي أن "10% فقط من إجمالي المصابين بالأمراض المزمنة يحصلون على الخدمة خلال الفترة الحالية، فيما لا يتلقى قرابة 90% الخدمة جرّاء التوقف الحاصل في عمل المؤسسات الصحية بفعل العدوان وعمليات القصف ونقص الوقود".
ويشير إلى أن هناك خشية من تفاقم الأوضاع الصحية لهؤلاء المرضى، "لا سيّما مرضى السكّري والضغط والأزمات الصدرية أو نقص المناعة، وهو ما يعرض حياة الآلاف منهم للخطر في ضوء استمرار الحرب الإسرائيلية وتحوُّل المستشفيات إلى مؤسسات جراحية فقط"، وفق قول المسؤول في وزارة الصحة.
ويطالب العبادلة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بـ"التدخل للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لأصحاب الأمراض المزمنة خلال فترة الحرب، وتوفير العلاجات والأدوية في ضوء عدم توفر قرابة 50% من الأدوية".
زيادة مطّردة
من جهته يقول مدير المستشفى الكويتي الطبيب صهيب الهمص إنّ نسبة الزيادة في الإقبال على المستشفى منذ العدوان الإسرائيلي على غزة بلغت 1000% مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب، حيث كان المستشفى يستقبل في أقصى حد قبل الحرب 100 حالة.
ويضيف الهمص لـTRT عربي أن "المستشفى يستقبل حالياً ما نسبته 500 إلى 1000 حالة يومياً، تتوزع على مختلف الأقسام الموجودة في المستشفى"، لافتاً إلى أن "محافظة رفح الواقعة جنوبي القطاع لا يوجد بها عناية مكثفة كبيرة".

ويشير إلى أن كثيراً من المؤسسات الدولية توقفت عن أداء دورها وأصبح دورها هامشياً للغاية، خصوصاً وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) التي عليها القيام بدورها تجاه المرضى وتحمُّل الأعباء في ضوء انهيار المنظومة الصحية بالكامل.
ويؤكد الهمص وصول المستشفيات إلى السعة الاستيعابية الكبرى التي لا تستطيع من خلالها توفير الأسِرَّة الخاصة برعاية المرضى بعد انتهاء علاجهم، فهناك مرضى بُترت أطرافهم، أو حالاتهم خاصة، لا توجد لهم أي أماكن خاصة.