تابعنا
يؤثر تغير المناخ بشكل مباشر على السياحة نتيجة الظواهر الجويّة القاسية المتكررة وطويلة الأمد، وتغيّر أنماط الطقس الموسمية.

كشف التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، في مارس/آذار الماضي، عن ارتفاع درجة حرارة الأرض العالمية بمقدار 1.1 درجة مئوية بين 2011 و2020، مقارنةً بالـ50 عاماً التي تلت بداية عصر الصناعة (1850-1900)؛ وذلك نتيجة استمرار زيادة انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، والاعتماد بشكل كبير على مصادر الطاقة الأحفورية، وأنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة.

ومع توقع الوصول إلى 1.5 درجة مئوية في المدى القريب، سيؤدي الأمر إلى مزيدٍ من المخاطر، تتأثر فيها المجتمعات الضعيفة التي أسهمت تاريخياً في تغيّر المناخ الحالي بنسبة ضئيلة وبشكل غير عادل، وفي مقدمة المتأثرين بتداعيات تغيّر المناخ البشرية والاقتصادية، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم التصحر وزيادة الإجهاد المائي، وينطوي على اضطرابات اقتصادية وسياسية تهدد الأمن الغذائي والصحة العامة، إضافةً إلى آثار مضاعفة تتجلى في زيادة معدلات الفقر والجوع وعدم المساواة والنزوح والصراع.

ويؤثر تغير المناخ بشكل مباشر على السياحة نتيجة الظواهر الجويّة القاسية المتكررة وطويلة الأمد، وتغيّر أنماط الطقس الموسمية.

السياحة العربية في مناخ متغير

تشكل السياحة مصدراً أساسياً للدخل في عددٍ من الدول العربية، ومورداً مهماً لاقتصادها، كما يوفر هذا القطاع الحيوي الآلاف من فرص العمل، ويضخ كميات كبيرة من العملة الأجنبية في أسواق المنطقة.

ففي تونس، التي زارها أكثر من مليون سائح خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، تعد السياحة ركيزة مهمة للاقتصاد التونسي، حيث تمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتشير السجلات الرسمية إلى أن تونس سجلت في عام 2022 أكثر من 6.3 مليون زائر، وتوفر السياحة في تونس ما يقرب من 400 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

ويتوقع المجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC) نمو القطاع السياحي في المملكة العربية السعودية بمعدل 11% سنوياً خلال العقد المقبل، مما يجعله أسرع قطاعات السفر والسياحة نمواً في الشرق الأوسط.، كما ستصل مساهمة قطاع السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي عام 2023 إلى ما يقرب من 635 مليار ريال سعودي، وهو ما يمثل 17.1% من إجمالي الاقتصاد، كما سيوفر أكثر من 1.4 مليون وظيفة جديدة خلال العقد القادم.

وتمتلك المنطقة العربية مقومات سياحية وثقافية جاذبة، إلا أنّ تأثر المنطقة بتبعات التغير المناخي والاحترار العالمي، بات يهدد هذا المورد الاقتصادي المهم.

وعلى سواحل البحر الأحمر، تُعد الشعاب المرجانية مقصداً سياحياً مهماً لهواة رياضة الغوص، خصوصاً على سواحل شرم الشيخ المصرية، وسواحل خليج العقبة في الأردن.

لكنّ ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى موت كثير من الكائنات المرجانية ويتسبب بتحولها إلى اللون الأبيض، ما يهدد النظام البيئي البحري بالكامل، وسياحة الغوص في البحر الأحمر.

تهديد للسياحة الشاطئية

وفي هذا الصدد، تؤكد ذلك الباحثة المصرية المتخصصة في الإرشاد السياحي الدكتورة نعمات حسين حسونة، مشيرةً إلى أنّ عوامل الجذب السياحية الرئيسية في مصر هي السياحة الشاطئية وسياحة الغوص في منطقة جنوب سيناء والبحر الأحمر، نظراً لغناها بالحياة البحرية والشعاب المرجانية.

وتبيّن الدكتورة نعمات في حديثها مع TRT عربي، أنّ ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على البحار ويهدد الحياة البحرية فيها، وقد تتعرض بعض الكائنات البحرية للانقراض أو النفوق.

من ناحية أخرى، قد يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر، الناتج عن التغير المناخي إلى اختفاء بعض الشواطئ، وغمر المناطق الساحلية.

وتشير دراسة نُشرت في مجلة اتحاد الجامعات العربية للسياحة والضيافة (يونيو/حزيران 2019)، إلى خطر تعرض المنطقة الساحلية في البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء لارتفاع مستوى سطح البحر بنسبة كبيرة، وزيادة ملوحة المياه، وزيادة هبوب الرياح الرملية، ما يهدد الاستثمار السياحي في هذه المناطق.

وتلفت الدراسة ذاتها إلى أنّ ارتفاع مستوى سطح البحر من 18 إلى 59 سنتيمتراً، نتيجةً لارتفاع معدلات درجات الحرارة؛ يؤدي إلى غرق المناطق الساحلية، حيث تفقد المناطق السياحية فيها معظم الشواطئ الرملية تحت منسوب متر واحد، ما لم تُحمَ بالوسائل الهندسية والحلول المناسبة، وفي حالة فقدان الشواطئ الرملية للسواحل ستتأثر الأنشطة السياحية في المناطق الساحلية، إذ تمثل سياحة الشواطئ 60% من حجم السياحة العالمي.

وكشف تقرير للبنك الدولي في عام 2021 عن أنّ منطقة المغرب العربي هي ثاني أسرع المناطق عالمياً التي تواجه تلفاً في المناطق الساحلية، فالشواطئ تعرضت للتآكل بمعدل 15 سنتيمتراً في المتوسط سنوياً ما بين عامي 1984 و2016، وهو ما يزيد على ضِعف المتوسط العالمي البالغ 7 سنتيمترات.

وتأتي تونس في المرتبة الأولى بمتوسط بلغ نحو 70 سنتيمتراً سنوياً، تليها السواحل الليبية التي تنحسر بمقدار 28 سنتيمتراً سنوياً في المتوسط.

وفي المغرب، فإنّ الخط الساحلي الرملي ينحسر بمقدار 12 سنتيمتراً سنوياً في المتوسط على سواحل المحيط الأطلسي، وبمعدل 14 سنتيمتراً على ساحل البحر المتوسط.

مستقبل السياحة

وتتأثر الوجهات الشتوية السياحية بتراجع هطول الثلوج وتناقصها على المرتفعات التي تعد مقصداً سياحياً لممارسة الرياضات الشتوية، كما أنّ ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى ذوبان الثلوج عن هذه المرتفعات، الأمر الذي يدفع الشركات المشغلّة إلى الاعتماد على الثلوج المُصنعة، وغيرها من الحلول المكلفة، ما ينعكس سلباً على جودة الخدمات السياحية المقدمة وجمالية المناظر الطبيعية، كما ينتج عنها زيادة التكاليف وزيادة استهلاك الطاقة وارتفاع أسعار الخدمات.

وعلى سبيل المثال، ومع ارتفاع درجات الحرارة في أعالي جبل تيتليس، إحدى الوجهات الأكثر شعبية في جبال الألب في سويسرا، عمل موظفو المنتجع على تغطية مساحات واسعة من الجليد بأغطية عازلة خلال أشهر الصيف؛ لحجبها عن أشعة الشمس والحدّ من تأثير ارتفاع درجات الحرارة العالمية على المنحدرات الجليدية، حيث شهد الجبل -ذو الارتفاع 3238 متراً- اختفاء مساحات واسعة من نهره الجليدي خلال العقود الأخيرة، ومن المتوقع ذوبانها بشكل كامل خلال الأعوام الخمسين القادمة.

وعلى الجانب الآخر، تُلحق الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات، التي أصبحت أكثر تواتراً مع تغير المناخ، أضراراً كبيرة بالبنية التحتية للسياحة، مثل الطرق والجسور ووسائل النقل، بالإضافة إلى الأصول المعمارية والثقافية والتاريخية للمدن التي تشكل مقصداً سياحياً مهماً.

وحول تأثير موجات الحر الشديدة خلال فصل الصيف، تؤكد الباحثة نعمات حسونة أنّ ارتفاع درجة الحرارة سيؤدي إلى استهلاك أكبر للطاقة، نتيجة استخدام الأجهزة المبرّدة، كما سيقلل الأنشطة الترفيهية طوال فترة النهار لتفادي ضربات الشمس والإجهاد الحراري وغيرها من الأضرار على البشرة والصحة.

ويمكن أن تتسبب ظواهر تغيّر المناخ في إجلاء الزوار من المناطق السياحية عند حدوث كوارث مثل حرائق الغابات أو السيول والفيضانات، وقد أجبرت حرائق الغابات مؤخراً في جزيرة رودوس، السلطات اليونانية على إجلاء أكثر من 20 ألف شخصاً -معظمهم من السياح- من القرى والشواطئ المتضررة التي حاصرتها الحرائق وتسببت في تدمير مساحات شاسعة من الغابات.

إمكانيات التكيف

وفي تقرير أعدّته جامعة كامبردج عام 2014 بعنوان «تغير المناخ: الآثار المترتبة على السياحة» -معتمدةً على تقرير التقييم الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ- أشارت إلى أنّ خيارات التكيف موجودة، لكن من المُرجح أن يؤدي كثير منها إلى زيادة التكاليف على المدى القصير فقط، إذ يمكن للمواقع المعرّضة للخطر الاستثمار في بنية تحتية أكثر مرونة، واستكشاف مناطق جديدة، أو تسويق نفسهما كوجهات سياحية على مدار العام.

ومن الممكن أن تُعيد المنشآت السياحية ووكالات السفر جدولة مواسم السياحة، فبدلاً من الأعداد المفرطة من السائحين في أشهر الصيف الثلاثة، قد يكون من الحكمة تقديم عروض سياحية جاذبة تمتدّ إلى أشهر الشتاء الأولى، ونحو وجهات جديدة أكثر برودة.

ووفق تقرير جامعة كامبردج، قد تتأثر السياحة بالتغيرات في السياسات والجهود الدولية المبذولة للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، وتمثل الانبعاثات الناجمة عن النقل والبيئة المشيَّدة 95% من انبعاثات السياحة، وهذا يعني أنّ تخفيض الانبعاثات من هذَين القطاعين سيترك أثراً واضحاً في القطاع السياحي.

ويؤكد التقرير ذاته أهمية إعادة تأهيل المنشآت السياحية لتكون أكثر استدامة وأقل تسبباً بانبعاث غازات الدفيئة، من خلال الابتكار والاستثمار بالتقنيات الصديقة للبيئة، وتقليل البصمة الكربونية للسياحة من خلال تعزيز مفاهيم السياحة الخضراء والمستدامة لدى الجمهور.

TRT عربي