تابعنا
أعلنت 16 دولة تعليق تمويل المنظمة الأممية  "أونروا" في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وكندا واليابان، رداً على اتهام إسرائيل بضعة موظفين بالوكالة بالضلوع في هجوم مقاتلي حماس على مستوطنات وثكنات وقواعد غلاف غزة.

بدت لافتةً هرولةُ تعليق الدول المانحة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تمويل المنظمة الأممية بعد هجوم إسرائيلي عليها، وسط تساؤلات حول أسباب ذلك، ووجاهة الربط بين هذا الإجراء وقرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.

كانت محكمة العدل الدولية، وهي الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، قد أمرت إسرائيل بضرورة اتخاذ تدابير احترازية مؤقتة في دعوى جنوب إفريقيا التي رفعتها ضدها بتهمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وأعلنت 16 دولة تعليق تمويل المنظمة الأممية -وفق آخر إعلانات "أونروا"- في مقدمتها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا وكندا واليابان، رداً على اتهام إسرائيل بضعة موظفين بالوكالة بالضلوع في هجوم مقاتلي حماس على مستوطنات وثكنات وقواعد غلاف غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بدوره، قال المفوض العام لأونروا فيليب لازاريني، إن الوكالة اتخذت قراراً بفصل موظفين فوراً وفتح تحقيق إثر مزاعم قدمتها إسرائيل حول مشاركة عدد من موظفيها في الهجوم، في وقت حذرت وكالات أممية من عواقب كارثية لوقف تمويل الوكالة على سكان القطاع.

هجوم إسرائيلي

وزعم المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي، أن "أونروا"، "مخترقة بـ3 طرق رئيسية: توظيف إرهابيين على نطاق واسع، والسماح لحماس باستخدام بناها التحتية في أنشطة عسكرية، والاعتماد على حماس في توزيع المساعدات في قطاع غزة".

ولم يكن هذا التصريح الإسرائيلي الوحيد، إذ طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام وفد من الأمم المتحدة بإنهاء مهمة "أونروا"، معتبراً أن الوقت حان لذلك.

وأضاف نتنياهو: "نحن بحاجة إلى أن تحل وكالات أممية أخرى ووكالات مساعدات أخرى محل أونروا".

وخلال لقائه سفراء لدى الأمم المتحدة، قال وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، إن "أونروا لا تعمل بصفتها تنظيم إغاثة شرعياً، وإنها فقدت شرعيتها للبقاء في بنيتها الحالية، في أعقاب التكافل المستمر بينها وبين حماس".

خطة سرية

ونهاية عام 2023، كشفت وثيقة سرية لوزارة الخارجية الإسرائيلية عن خطة لدى حكومة تل أبيب لإخراج وكالة "أونروا" من قطاع غزة، في أعقاب الحرب، حسب القناة 12 الإسرائيلية، التي ذكرت أن الخطة ستُعرض على مجلس الوزراء "في المستقبل القريب".

وأوصى تقرير الخارجية الإسرائيلية، بتنفيذ خطة إخراج "أونروا" من غزة على 3 مراحل: الأولى هي "الكشف عن تعاون مزعوم بين حماس وأونروا"، وتشمل المرحلة الثانية "تقليص عمليات أونروا في القطاع، والبحث عن منظمات مختلفة لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين في غزة"، وترتكز المرحلة الثالثة على "عملية نقل كل مهام وكالة أونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب".

ودأبت إسرائيل على مهاجمة "أونروا" والزعم أنها تّديم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال توسيع وضعية "اللاجئ"، ليشمل الملايين من أحفاد الفلسطينيين بعد النكبة عام 1948، فيما تطالب تل أبيب بقصر هذا الوضع على اللاجئين الأصليين فقط.

وبالفعل قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن بلاده تهدف إلى ضمان "أن لا تكون أونروا جزءاً من المرحلة" التي تلي الحرب، مضيفاً أنه سيسعى إلى حشد الدعم من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وأطراف مانحة أخرى رئيسية.

أما موقع "أكسيوس" الأمريكي، فقد أفاد بأن أعضاءً يهوداً من الحزب الديمقراطي في مجلس النواب الأمريكي ناقشوا بدائل محتملة لأونروا، لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة.

وحسب الموقع، فإن المجموعة البرلمانية اليهودية تداولت تلك البدائل في اجتماع عُقد مع منسق الاتصال مع المدنيين الفلسطينيين بالجيش الإسرائيلي إيلاد غورين، الذي عرض عليهم 6 بدائل محتملة لأونروا، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

تنديد فلسطيني

في المقابل، أدانت حركة حماس بشدّة حملة التحريض الإسرائيلية ضد المؤسسات الأممية التي تسهم في إغاثة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة جماعية، مؤكدةً أن التحريض على أونروا يأتي "بهدف قطع التمويل عنها، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في خدمات تلك الوكالات الدولية".

وبينما انتقدت حماس قرار أونروا إنهاء عقود عدد من موظفي الوكالة في غزة، ودعت إلى "تحقيق محايد" في مزاعم إسرائيل، قالت حركة الجهاد الإسلامي إن "وقف تمويل أونروا مشاركة فعلية في حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني مدعوماً ببعض الحكومات الغربية ضد شعبنا الفلسطيني".

وأضافت الحركة أن "توقيت إعلان وقف التمويل، بالتزامن مع صدور مقررات محكمة العدل الدولية مؤشر واضح على نية هذه الدول معاقبة الشعب الفلسطيني على مقاومته الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بحقه"، محذرةً من "أن المساس بأونروا ستكون له نتائج خطيرة في المنطقة برمتها".

أما وزارة الخارجية الفلسطينية فعدّت قرارات "تعليق تمويل أونروا واستمرار دعم إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني، عقوبات جماعية وازدواجية معايير بائسة".

ووصفت الوزارة القرارات بأنها "مُسيّسة بامتياز، وغير متناسبة وغير مبررة"، ورأت تعليق التمويل "عقاباً جماعياً لملايين الفلسطينيين، خصوصاً في ظل الكارثة الإنسانية بقطاع غزة".

تصفية القضية الفلسطينية

ويقول مدير عام الهيئة "302" للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي، إن المرحلة الحالية هي الأشد خطورة على أونروا مع تعليق هذا الكم من الدول مساعداتها المالية للوكالة، عادّاً هذا التناغم "يأتي قي سياق دور اللوبي الصهيوني والضغوط التي يمارسها".

ويؤكد هويدي لـTRT عربي، أن الهدف الأساسي ليس الموظفين وإنما أونروا "لما تمثله من علاقة عضوية بقضية اللاجئين وحق العودة"، مشيراً إلى أن ما حدث جرى تسويقه على أنه ذريعة للضغط على الدول المانحة، وهو ما يفسر تسارع الدول في تعليق تمويلها.

ويشدد على أن "هناك مشروع تهجير للشعب الفلسطيني، وهو في صلب المشروع الصهيوني الذي يقوم على سرقة الأرض وطرد الشعب واستجلاب اليهود"، مبيناً أن الضغط من الجانب الإنساني ومحاولة التجويع لدفع الغزيين لطلب الانتقال إلى دول أخرى سيفشل رغم المعاناة والألم داخل القطاع.

ويضيف: "يُراد تصفية القضية الفلسطينية ولكن البداية بتصفية قضية اللاجئين وحق العودة"، مشيراً إلى أن أعيُن إسرائيل على شطب قرار الأمم المتحدة "194" لعام 1948، الذي نص على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، بعدما لم يعد يهمها تطبيق القرار "181" الخاص بتقسيم فلسطين عام 1947 وتحديداً بعد اتفاقية أوسلو التي تخلت عن 78% من أرض فلسطين التاريخية.

ويلفت هويدي إلى أنه حان الآن دور القرار "194" لكي يُشطب وتُثبت شرعية دولة الاحتلال بالأمم المتحدة، والطريق لإنهاء هذا القرار هي العمل على إنهاء قضية اللاجئين عبر استهداف أونروا؛ لكي يقال مستقبلاً إنه لم يعد هناك لاجئون لكي يكون هناك قرار متعلق بهم للعودة إلى ديارهم.

ويرى أن ما حدث هو "محاولة فاشلة لحرف الأنظار عن قرارات محكمة العدل الدولية"، إذ شدد على أن "أونروا مرجعيتها الأمم المتحدة، ولا تستطيع أي دولة مهما كان شأنها التدخل بولايتها أو استبدالها إلا من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة"، مضيفاً أن إنهاء عملها في إقليم من الأقاليم أو استبدال منظمة أخرى بها ليس سهلاً.

ويعتقد هويدي -وهو منسق الحملة الشعبية الدولية "الأونروا حقي حتى العودة"- أن تعليق تمويل الوكالة عقاب جماعي ومشاركة في عملية الإبادة الجماعية لسكان غزة، مشيراً إلى أن الأمر سينعكس سلباً على معاناة اللاجئين المعقّدة والمركّبة في مختلف مناطق عمليات "أونروا" الخمس وليست غزة فقط.

نبذة عن "أونروا"

تأسست "أونروا" بعد النكبة، وبدأت عملها في مايو/أيار 1950، وتعد شريان حياة أكثر من 5.5 مليون لاجئ فلسطيني، يتوزعون داخل فلسطين في القدس الشرقية والضفة الغربية (500 ألف)، وقطاع غزة (1.5 مليون)، وفي دول الشتات بالأردن (2.5 مليون)، وسوريا (500 ألف)، ولبنان (500 ألف).

وقُدرت ميزانية الوكالة عام 2022 بـ1.2 مليار دولار، قدمت الولايات المتحدة النسبة الأكبر منها بـ29.28%، تليها ألمانيا بـ17.2%، ثم الاتحاد الأوروبي بـ9.72%، من أصل 20 دولة مانحة، ليصل مجموع التمويل الضائع بعد تعليق المساعدات المالية إلى نحو 56% من ميزانية المنظمة الكلية.

وتَستخدم "أونروا" ميزانيتها في 5 أنشطة أساسية تنفّذها في مناطق عملها، هي: التعليم والصحة والإسناد والإغاثة والبنية التحتية.

يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلّق فيها واشنطن تمويلها المالي لـ"أونروا"، إذ قررت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، في 2018، وقف مساهمتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار.

TRT عربي