مباشرة عقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سارعت سلسلة مطاعم الأكلات السريعة الأمريكية ماكدونالدز، في إسرائيل إلى إعلان دعمها لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بإرسال آلاف الوجبات المجانية إلى أفراد الجيش، مبررة ذلك بأنه "من واجبها الانخراط مع الجميع في حماية البلاد".
وهو الإجراء الذي فعلت مثله سلسلة المتاجر الكبرى الفرنسية كارفور، التي تبرعت هي الأخرى بآلاف سلال الطعام إلى الجنود الإسرائيليين، من أجل دعم مجهودهم الحربي خلال العدوان الذي يشنونه على غزة.
وتورطت سلسلة المقاهي الأمريكية، ستارباكس، هي الأخرى في دعم إسرائيل، بقمع تضامن عمالها مع الشعب الفلسطيني. فبعد نشر نقابة العمال لبيان أدانت فيه "جميع أشكال الاحتلال والتهجير والفصل العنصري، ومخاطر الإبادة التي يواجهها الفلسطينيون"، انتقمت الشركة الأم منهم برفع قضية اتهمتهم فيها بالاستخدام غير المشروع لعلامتها التجارية.
وفي وجه هذه التحركات المنحازة للشركات الغربية، اختارت شعوب الدول العربية والمسلمة، وحتى الجماهير المناصرة لفلسطين في الغرب، سلاح المقاطعة رداً على دعمها الاحتلال. وهو ما أثّر بشكل سلبي على مداخيلها، ودفع إداراتها للتحرك من أجل إنقاذ الموقف.
رقعة المقاطعة تتسع
في تقرير لها، كشفت وكالة رويترز، أن مطاعم سلسلة ماكدونالدز بالقاهرة أصبحت مهجورة، بعد أن كانت تعج قبل شهر بالزبائن. مشيرة إلى أن ماكدونالدز، وعدداً من الشركات الغربية الأخرى، يشهد جميعها حملة مقاطعة شعبية، عفوية إلى حد كبير، بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
مضيفة أن حملة المقاطعة في الدول العربية في اتساع، كما اتسع نطاق تأثير الدعوات لها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو "ما دفع المستهلكين المحليين إلى البحث عن بدائل محلية الصنع".
ونقلت الوكالة على لسان حسام محمود، عضو حركة المقاطعة في مصر، قوله: "إن حجم العدوان على قطاع غزة غير مسبوق. وبالتالي فإن رد الفعل، سواء في الشارع العربي أو حتى الدولي، غير مسبوق أيضاً".
وتظاهر محتجون في العاصمة اللبنانية خارج فرع ستارباكس، حيث وقفوا بصمت ووزعوا منشورات تدعوا إلى حملة المقاطعة. وفي تصريحاته لصحيفة واشنطن بوست، قال عبد الرحمن طيارة، وهو طالب جامعي كان من بين المشاركين في الاحتجاج: "اخترنا ستاربكس لإرسال رسالة".
وفي المغرب، وخلال المظاهرات المنددة بالعدوان على غزة والمطالبة بإسقاط التطبيع، كانت الدعوات إلى مقاطعة سلسلة متاجر كارفور الفرنسية حاضرة. واستنكرت الناشطة المغربية كوثر دازين، في حديثها لصحيفة لوموند، "تبرع كارفور بآلاف الطرود الغذائية لجنود جيش الاحتلال، في وقت يتعرض فيه سكان غزة للقصف والحصار الخانق".
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن المناضل المغربي المناهض للصهيونية سيون أسيدون، قوله أن: "ما ننتقده لدى هذه الشركات، ليس فقط أنها تتبرع للجيش الإسرائيلي، بل وقبل كل شيء أنها تنشط داخل مستوطنات الاحتلال، وهو ما تفعله شركة كارفور، التي تمارس نشاطها التجاري منذ سنوات في الأراضي المحتلة والتي نطالبها بوضع حد لهذه الأنشطة".
وحتى خارج العالم العربي، فإن مقاطعة الشركات الغربية الداعمة لإسرائيل سارية. وفي إندونيسيا استجابت قطاعات واسعة لدعوات المقاطعة. واحد من هؤلاء كان آدي أندريان، الذي أخبر موقع الجزيرة بالإنجليزية، أن "الوجبة العائلية لماكدونالدز كانت طلبي المفضل، لكن الآن لا أذهب إلى ماكدونالدز منذ أن اكتشفنا أن ماكدونالدز إسرائيل كانت تقدم المساعدة والخصومات للجيش الإسرائيلي".
في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، قرر البرلمان التركي مقاطعة منتجات الشركات التي تدعم "العدوان الإسرائيلي" على قطاع غزة، وإتلاف الموجود منها بحوزته..
وفي أوروبا والولايات المتحدة أيضاً، تتزايد دعوات مقاطعة الشركات الغربية الداعمة لإسرائيل. وفي فرنسا وبلجيكا، دعت جمعيات مناصِرة لفلسطين إلى مقاطعة متاجر كارفور. وأظهرت عدد من الفيديوهات المتداولة على منصة "تيكتوك"، مطاعم ماكدونالدز ومقاهي ستاربكس في الولايات المتحدة وهي فارغة، مرجعين ذلك إلى الاستجابة الكبيرة لحملة المقاطعة.
من الشركات المعنية بالمقاطعة؟
تهم المقاطعة الشركات الأجنبية الداعمة لإسرائيل، وفي إحصاء أجرته جامعة "يال" الأمريكية، فإن أكثر من 150 شركة غربية أعلنت دعمها لإسرائيل عقب هجوم "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ونشرت الحركة الدولية لـ"المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" على إسرائيل (BDS)، جرداً بما وصفته بـ"الشركات الغربية المستفيدة من المجازر التي تجري في قطاع غزة". وتضمن هذا الجرد شركات غربية متنوعة الأنشطة، من التكنولوجيا إلى صناعة السيارات إلى المطاعم والمتاجر والألبسة الرياضية، ومن بينها شركات غوغل وماكدونالدز وكارفور وبابا جونز وبوما وفولفو.
ودعت "BDS" إلى "أسلوب المقاطعة المستهدفة"، والذي تم استيحاؤه من حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وحركة الحقوق المدنية الأمريكية. ويعتمد هذا الأسلوب استهداف شركات بعينها، والتأثير فيها بشكل أكبر من خلال التركيز على مقاطعتها، من أجل ثني الشركات الأخرى عن الاستمرار في علاقاتها بإسرائيل.
وفي ذات السياق، سبق أن نشرت منظمات حقوقية وعمالية فرنسية، من بينها نقابة "الاتحاد العام للشغل" وجمعية "فرنسا متضامنة مع فلسطين"، تقريراً مفصلاً عن العلاقات الربحية المتبادلة بين مجموعة "Label vie" المالكة لسلسلة كارفور الفرنسية والحكومة الإسرائيلية، والتي تتراوح بين بناء المستوطنات وإنشاء متاجر كارفور في الأراضي المحتلة.
ما تأثير المقاطعة في هذه الشركات؟
بدأت نتائج مقاطعة الشركات الغربية تظهر، خاصة في الانخفاض الكبير للإقبال على مطاعم أو مقاهٍ مثل ستاربكس وماكدونالدز. ونقلت رويترز على لسان موظف بمطاعم شركة ماكدونالدز في مصر، رفض كشف هويته، بأن "مبيعات ماكدونالدز مصر في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني انخفضت بنسبة 70% على الأقل مقارنة بنفس الأشهر من العام الماضي".
وفي ماليزيا أيضاً، نقلاً عن ذات الوكالة، قال عامل في مطعم ماكدونالدز في بوتراجايا، العاصمة الإدارية للبلاد، أن الفرع الذي يعمل به يستقبل عدداً أقل من العملاء بنسبة 20%.
ومؤشراً على شعور هذه الشركات بآثار المقاطعة، سارع كثير من فروعها في الدول العربية إلى نشر بيانات تتبرأ فيها من دعم إسرائيل، كما أطلقت عروضاً مغرية للترويج لمنتجاتها.
وحسب الخبير في مجال الإشهار والتسويق تييري بوكارت، فإن المقاطعة عملية فعالة جداً، ولها "جانب قصير المدى وهو الذي يمس حجم المبيعات. ثم هناك الجانب طويل المدى، الذي يكون في بعض الأحيان أكثر ضرراً، إذ يمس بسمعة وصورة العلامة التجارية لمدة طويلة".