تابعنا
إذا كانت ليون تعتبر مختبراً لليمين المتطرف، فقد تدهور الوضع في جميع أنحاء فرنسا، مستهدفاً بشكل خاص المهاجرين والفرنسيين من ذوي الأصول المسلمة. فهل نحن أمام خطر انتشار إرهاب أقصى اليمين المتطرف؟

على إحدى قنوات النشر الخاصة بأقصى اليمين المتطرف على تطبيق تليغرام، أعلنت مجموعة صغيرة تسمى فرقة غينيول مسؤوليتها عن هجوم استهدف مركزاً ثقافياً يحتضن فاعلية مساندة لفلسطين يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني. هجوم زرع الرعب في قلوب الحاضرين وتسبّب في إصابة ثلاثة أشخاص، لكنه أعاد إلى الأذهان شبح إرهاب اليمين المتطرف.

انتهى الهجوم بتدخل الشرطة وإلقاء القبض على مشتبه به يبلغ من العمر 26 عاماً، مع فتح تحقيق بتهمة "العنف الشديد والإهانة في الاجتماعات"، وهذا الحادث جزء من أعمال عنيفة عدّة صار يمارسها أقصى اليمين المتطرف في فرنسا ضدّ المسلمين والمهاجرين العرب.

إدانات سياسية

يبدو أن هذا "الهجوم لم يكن متوقعاً"، وفقاً لجان إيف كامو، المختص في اليمين المتطرف ومدير مرصد الراديكالية السياسية في مؤسسة جان جوريس (منظمة مدنية).

وعبّر كامو في حديثه مع TRT عربي عن دهشته من عمل كهذا، قائلاً: "أنا دَهِش. لا أتذكّر أنهم سبق وهاجموا اجتماعاً لجمعية أو منظمة مساندة لفلسطين في أوروبا منذ زمن بعيد جداً. قد لا تكون أول مرّة، لكنّها نادرة جداً، لأنه داخل حزب اليمين المتطرف الفرنسي (الجبهة الوطنية) والمجموعات اليمينية المتطرفة يوجد انقسام حول هذا الصراع".

فور تأكيد خبر الهجوم أدان غريغوري دوسيه، عمدة مدينة ليون، أعمال العنف وكتب على موقع X (تويتر سابقاً) أن "هذه الهجمات التي تنظمها مجموعات صغيرة متطرفة غير مقبولة"، معرباً عن دعمه للضحايا واتخاذ الإجراءات القانونية.

بدوره أدان وزير الداخلية أعمال العنف، وكتب جيرالد دارمانان على موقع X أن "التحقيق جارٍ مع تعبئة موارد كبيرة للقبض على الجناة".

وطالب نُوّاب يساريّون من وزير الداخلية، عبر منصة X أو من خلال المشاركة في مظاهرة احتضنتها مدينة ليون، أن "يغلق على الفور مقارّ هذه المنظمات، ويحلّ هذه المجموعات الفاشية الصغيرة".

لماذا مدينة ليون؟

قد يكون هذا العمل العنيف يتيماً في ما يخص القضية الفلسطينية حتى الآن، لكنّه ليس الأول لليمين المتطرف في مدينة ليون، حيث ينشط عديد من المجموعات المتطرفة.

وهذا ما يؤكّده المتخصص في اليمين المتطرف جان إيف كامو قائلاً إن "ليون لديها خاصيّة معيّنة حالياً، إذ منذ نحو 20 عاماً أصبحت تعرف حوادث مماثلة، فهي المدينة التي تضمّ أكبر عدد من المجموعات اليمينية المتطرفة النشطة، والدولة لم تتوقع أن هذه المجموعات التي جعلت ليون مركزاً لها ستكبر وتتكاثر".

ولمحاربة هذا التوسع، يناضل ضد هذه الجماعات المتطرفة اتحاد يجمع بين المنظمات النقابية والسياسية والجمعوية يحمل اسم "دعونا نغلق المباني الفاشية في ليون" الذي نظّم مظاهرة ضد اليمين المتطرف وجميع أشكال العنصرية في ليون، شارك فيه أكثر من 1200 شخص يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

من ضمن المشاركين رافائيل أرنو، المتحدث باسم جمعية "الحرس الشاب" الذي يرى أن "هجوم ليون كان متوقعاً بحكم أن حيّ ليون القديمة يضم مراكز اليمين المتطرف التي نفذت هجمات عنصرية عدة في المنطقة، كان آخرها عندما واجه منتخب المغرب نظيره الفرنسي في كأس العالم 2022".

وفي حديثه مع TRT عربي فإن هذا الهجوم يدفع للتساؤل قليلاً عن دور أجهزة المخابرات في ولاية الرون، ويضيف: "ندرك نحن النشطاء البسطاء أن ميليشيات فاشية تنتشر في شوارع ليون، فيما لا تتدخل محافظة الشرطة، بل تنتظر أن يهاجموا ويستغرقوا بعض الوقت في ذلك قبل التدخل".

ولا يستبعد الشاب المناهض للخطاب العنصري في المقابل أن "تنفَّذَ مستقبلاً هجمات أخرى على المظاهرات المؤيدة لفلسطين، لأنه قد يتحالف مثلاً نشطاء من اليمين اليهودي مع مجموعات اليمين المتطرف الفرنسي".

هل نحن أمام إرهاب أقصى اليمين المتطرف في فرنسا؟

إذا كانت ليون تعتبر مختبراً لليمين المتطرف فقد تدهور الوضع في جميع أنحاء فرنسا، مستهدفاً بشكل خاص المهاجرين والفرنسيين من ذوي الأصول المسلمة.

وتستمر مستويات العنف في الارتفاع، وتتعدّد حالات إحراق المنازل والهجمات المخطّطة والتهديدات والاعتداءات.

هذا النموّ في حجم عنف أقصى اليمين المتطرف في فرنسا أكّده نيكولا ليرنر، المدير العامّ للاستخبارات الداخلية المعروفة بالإدارة العامة للأمن الداخلي (DGSI)، في مقابلة نادرة أجراها مع صحيفة لوموند، نُشرت في يوليو/تموز 2023.

وعبّر ليرنر خلال الحوار عن قلقه من "التهديد الإرهابي" الذي يمثّله أقصى اليمين المتطرف الذي يتفاقم في فرنسا منذ أشهُر عدة.

وذكر أن هؤلاء يقدَّرون بألفَي شخص، وأن مصالح الأمن أحبطت 10 مشاريع هجمات إرهابية لليمين المتطرف المحسوب على النازية الجديدة منذ عام 2017.

وأضاف أنهم ينتمون إلى عقيدة أيديولوجية تؤمن بتسريع وتيرة الصراع، وبالتالي الإسهام في تسريع اندلاع حرب أهلية، كما حدث في هجمات في الولايات المتحدة والنرويج.

كما اعترف بأن هذه الحركات تثير اهتمام بعض رجال الشرطة والجيش السابقين الذين يلتحقون بصفوف هذه المجموعات، لكنه قلّل من حجم هذه الظاهرة.

وأتت المقابلة مباشرة بعد المظاهرات اليمينية المتطرفة التي استمرّت لمدة ثلاثة أشهُر ضد نقل مركز استقبال طالبي اللجوء إلى بلدة سان بريفين ليبان (إقليم لوار أتلانتيك)، وانتهت بإحراق منزل عمدة البلدة يانيك موريز بإلقاء زجاجة حارقة (مولوتوف) بالقرب من منزله، ما دفعه إلى الاستقالة احتجاجاً على عدم دعم السلطات له بما يكفي.

ويوضح كامو أنه إضافة إلى استهداف المسلمين والمهاجرين وأصحاب البشرة السوداء أو اليهود، فقد أصبح أفراد أقصى اليمين المتطرف "يستهدفون الدولة ومنشآتها باعتبارها عدواً لهم، إذ أغلبهم يقول إنّ المنتخبين مرتشون ويسيّرون الدولة وفق قوانين أوروبية لا تصبّ في مصلحة الجمهورية".

ويرى أن الدولة تحاول كبح جماحهم بشكل غير مسبوق، "فمثلاً مُنعت اجتماعات لهم وأُصدرت قرارات عديدة لحل الجمعيات اليمينيّة المتطرفة في عهد ماكرون".

وأمام هذا التغيير في الأسلوب الذي بدأ يتخذ بُعداً إرهابياً في بعض الأعمال التخريبية، صار بعض الملفات يُعالَج على مستوى مكتب المدّعي العامّ لمكافحة الإرهاب.

لماذا تصاعدت الوتيرة؟

وفقاً للمدير العامّ للاستخبارات الداخلية فقد "تغيرت الأمور خلال الأشهُر الستة إلى الثمانية الماضية تحت تأثير عوامل مختلفة، بما في ذلك تطرف بعض الخطابات السياسية، لكن أيضاً قناعة بعض الناشطين بأن العمل العنيف وحده هو الذي يؤدي إلى نتائج".

من جهته ينسب رافائيل أرنو أسباب "الإسلاموفوبيا الآخذة في النمو وأعمال العنف" إلى "جزء من الطبقة الإعلامية التي تنشر خطابات العنصرية والكراهية ضد المسلمين، وتستمد منها هذه المجموعات شرعيّة لتستهدف هذه الأقلية في بلادنا".

ويقول الناشط إنه "بفضل التعبئة التي نقوم بها، نجحنا في فرض وضع هذا الملف على جدول الأعمال السياسي. لم يعُد بإمكان المحافظة ودارمانان (وزير الداخلية) إغماض أعينهم، وأسهم نضالنا في إغلاق ثلاثة مبانٍ تابعة لهم".

ويوضح أرنو أن "هذه المباني تسمح لنشطاء اليمين المتطرف بالتدريب وتنفيذ هجمات عنيفة وعنصرية ومعادية، ومن المُلحِّ القيام بكل شيء لضمان إغلاق هذه المباني في كل مكان في جميع أنحاء البلاد".

لكنّ المتخصص في اليمين المتطرف يُصِرّ على أنّ "حلَّ المجموعات أو إقفال الفروع والمراكز الرئيسية لها لا يحلّ المشكلة".

ويفسر أنه "قد جرى بالفعل حلّ مجموعات يمينية متطرفة عدة سابقاً، لكنها تجد طريقة أخرى للتجمع قد تكون غير رسمية. لذلك تبقى الطريقة الأنسب هي تقديم شكاوى والمتابعة القضائية التي تسمح بالتعريف بالجناة. وهؤلاء الذين تجري محاكمتهم بالسجن مثلاً وإنْ كان موقوف التنفيذ يُدفع بعضهم إلى التفكير بشكل أعمق. أظن أن القمع الفردي أهمّ بكثير من القمع الجماعي".

TRT عربي
الأكثر تداولاً