شهدت الأشهر الأخيرة انسحاب عدد من الشركات الفرنسية من المغرب.  (AFP)
تابعنا

تُعَدّ فرنسا ثاني أكبر شريك تجاري للمغرب، بعد إسبانيا المتصدرة لتلك العلاقات التجارية مع المملكة. من جهة أخرى فالمغرب هو الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، إذ فيه أكثر من 950 فرعاً لشركات فرنسية توفّر نحو 100 ألف فرصة عمل.

ولكن لا تبدو هذه الروابط الاقتصادية الكبيرة في أفضل حالاتها، أسوة بما يمسّ نظيرتها الدبلوماسية من توترات، وهو ما تكشفه تقارير إعلامية مغربية تتحدث عن أن عدداً من الشركات الفرنسية الكبرى يستعدّ لمغادرة المملكة.

شركات فرنسية تغادر المغرب

يشير تقرير لموقع "العمق" المغربي، إلى أن عدداً من الشركات الفرنسية الكبرى يستعد لسحب استثماراته ومغادرة المغرب، على رأسها شركة "ليديك" المكلفة التدبير المفوض للكهرباء والماء والتطهير السائل في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة.

وأعلنت "الهيئة المغربية لسوق الرساميل" (سوق رأس المال)، المنظّمة لتداول الأسهم ببورصة الدار البيضاء، في يونيو/حزيران الماضي، إيداع مشروع عرض عمومي إجباري لسحب أسھم شركة "ليديك" الفرنسية. وبعدها بأقلّ من شهر في 25 يوليو/تموز، طلبت الهيئة من بورصة الدار البيضاء وقف تداول أسهم الشركة المذكورة.

يأتي هذا بعد أشهر من إعلان مجموعة "جيرفي دانون" الفرنسية، التي تمتلك حصة بـ99.68% في مجموعة "سنطرال دانون" لمنتجات الألبان بالمغرب، استحواذها الكامل على ما تبقى من أسهم الشركة المغربية، في عملية فسرها التقرير الصحفي المذكور بأنها "إعداد لانسحاب سنطرال دانون من بورصة الدار البيضاء".

في ذات السياق توصل بنك "مصرف المغرب" التابع للمجموعة الفرنسية "كريدي أغريكول" إلى اتفاق مع مجموعة "هولماركوم" المغربية، تستحوذ بموجبه الأخيرة على حصص الفرع المغربي للمجموعة الفرنسية، حسب ما أُعلنَ في بلاغ شهر أبريل/نيسان الماضي.

منافسة محلية قوية

وحسب تقرير الموقع "المغربي" فإن عزم انسحاب "ليديك" من المغرب مرتبط بمشروع الشركات الجهوية الذي شرعت فيه المملكة، وتسهر عليه وزارة داخليتها مباشرة، إذ ستدبّر مؤسسات محلية قطاع توزيع الماء والكهرباء في المدن المغربية، وفق هياكل جديدة.

وأثارت شركات تدبير الماء والكهرباء الفرنسية بالمغرب، على رأسها "ليديك"، مرات عديدة سخط المغاربة، الذين اشتكوا سوء تدبير تلك الشركات وارتفاع فواتيرها.

إلى نفس السبب ترجع "العمق" نية "جيرفي دانون" الانسحاب من المغرب، إذ إن "هوامش الشركة لم تعُد كما كانت منذ ما قبل 2018، ثم تُوجَّه البلاد نحو استراتيجية السيادة الغذائية وتشجيع وتحفيز الشركات المحلية، ومنها بالأساس المنافس المباشر لـ"سنطرال دانون"، مجموعة "كوباك" التعاونية المغربية الخالصة".

هل تمتد الأزمة الدبلوماسية إلى الاقتصاد؟

تشهد العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباريس في الآونة الأخيرة فتوراً كبيراً يبلغ حدّ وصف إعلامياً بـ"الأزمة الصامتة"، فيما تعود جذور هذا الوضع إلى الاختلاف حول عدد من الملفات، على رأسها ملف إقليم الصحراء الذي يعدّه المغرب قضيته الوطنية الأولى.

وفي خطابه الأخير الذي خصّص جزءاً كبيراً منه لملف الصحراء، قال العاهل المغربي محمد السادس: "ننتظر من الدول التي تتبنّى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل"، وأن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات"، في رسالة اعتبرها مراقبون موجهة إلى فرنسا.

إضافة إلى هذا الملف، يظهر موضوع تأشيرات دخول التراب الفرنسي الذي أصبح يثير امتعاضاً كبيراً لدى المغاربة، ومطالبة بالمعاملة بالمثل وفرض تأشيرات على الفرنسيين، بعد أن قررت باريس في ديسمبر/كانون الأول الماضي تشديد شروط منح المغاربة الفيزا، ما اعتبرته الخارجية المغربية "قراراً غير مبرَّر".

في المقابل لم تربط التقارير الصحفية المغربية بين التوترات الدبلوماسية وانسحاب الشركات الفرنسية من المغرب، غير أنها تكشف جانباً من التقلبات التي تعرفها العلاقات الاقتصادية بين شريكين اقتصاديين تقليديين، في وقت أصبح فيه المغرب قبلة لعدد من الاستثمارات الأجنبية الجديدة من دول أخرى.

TRT عربي