جماعة الحوثي اليمنية صعّدت مؤخراً هجماتها في العمق السعودي لأسباب دولية وتكتيكية وفقاً لمراقبين (Hani Mohammed/AP)
تابعنا

شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في الهجمات التي تشنّها جماعة الحوثي اليمنية في العمق السعودي، بما يتوافق مع تهديدات أطلقتها الجماعة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، باتخاذ خطوات تصعيدية ضد أهداف عسكرية واقتصادية حيوية في السعودية، بدعوى الرد على "التصعيد العسكري المستمر" من التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن.

وبعد نحو 24 ساعة من إعلان السعودية استهداف سفينة وقود بمدينة جدة غربي المملكة، قال عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثي محمد علي الحوثي بشكل ساخر كما يبدو، إنهم مستعدون لـ"حماية المواني السعودية في حال طُلب منهم ذلك".

وأضاف في تغريدة على تويتر، أن "المؤسسة الأمنية والعسكرية اليمنية لديها خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب الأمريكي وفروعه"، في إشارة إلى وصف الرياض الهجوم الأخير في جدة بـ"العمل الإرهابي".

الهجوم الرابع

أعلن مصدر سعودي الاثنين، أن "قارباً مفخخاً" كان وراء "العمل الإرهابي" الذي تعرّضت له سفينة وقود في جدة غربي البلاد، مشيراً إلى أن الهجوم جاء بعد 3 هجمات استهدفت سفينة في مدينة الشقيق ومحطة توزيع منتجات بترولية شمالي جدة ومنصة تفريغ للمنتجات في جازان.

وأوضح أن "سفينةً مخصصةً لنقل الوقود، كانت راسيةً لتفريغ الوقود في جدة، تعرضت في الدقائق الأولى من صباح اليوم (الاثنين)، لهجوم بقارب مُفخخ".

وأضاف: "نتج عن الهجوم اشتعال حريقٍ صغير، تمكنت وحدات الإطفاء والسلامة من إخماده، ولم ينجم عن الحادثة أي إصاباتٍ أو خسائر في الأرواح، كما لم تلحق أي أضرار بمنشآت تفريغ الوقود، أو تأثير في إمداداته".

وتعرضت ناقلات نفط على سواحل السعودية إلى جانب منشآت، لهجمات متفرقة، فيما أشارت بأصابع الاتهام إلى جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً، وسط نفي متكرر من الجانبين.

تصعيد الحوثيين يأتي في سياق رغبتهم في الحصول على تنازلات سعودية في أكثر من ملف، أهمها التوصل إلى مقايضة تتوقف الرياض بموجبها عن ضرب مسلحي الجماعة في الجبهات، مقابل توقف الحوثيين عن استهداف المملكة

عبد الناصر المودع - محلل سياسي

السعودية تخسر داعمها الأهمّ

تأتي هجمات الحوثيين المتكررة في العمق السعودي في ظل فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأمريكية التي عُقِدت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على حساب الرئيس دونالد ترمب الذي يُعد أبرز الداعمين الدوليين للسعودية وحربها في اليمن.

وكان بايدن تعهّد خلال حملته الانتخابية، بإعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة بالسعودية، والعمل على إنهاء حرب اليمن التي دخلت عامها السادس وأودت حتى الآن بحياة 233 ألف شخص، كما دفعت 80% من السكان إلى الاعتماد على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.

ويبدو أن الحوثيين يهدفون من هذا التصعيد العسكري إلى الزعم بأنهم الأقوى على الأرض، لقدرتهم على ضرب أهداف في العمق السعودي، وبالتالي الحصول على مكاسب سياسية في أي مباحثات مقبلة قد تضغط الإدارة الأمريكية المقبلة لإجرائها، بغرض إنهاء الحرب.

ويرى المحلل السياسي عبد الناصر المودع، أن "تصعيد الحوثيين يأتي في سياق رغبتهم في الحصول على تنازلات سعودية في أكثر من ملف، أهمّها التوصل إلى مقايضة تتوقف الرياض بموجبها عن ضرب مسلحي الجماعة في الجبهات، مقابل توقف الحوثيين عن استهداف المملكة".

ويشير المودع في حديث للأناضول، إلى أن "السعودية لن تقبل على الأغلب بصفقة كهذه، لأنها عملياً تعني القبول بالهزيمة وستؤدي إلى تمدد الحوثيين إلى مناطق تعتبرها السعودية حيوية، كمحافظة مأرب (شرق) ومحافظات جنوبية"، ملاصقة لأراضٍ سعودية.

ووفق أهدافها المعلنة، دخلت المملكة حرب اليمن بالأساس للدفاع عن السلطة الشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحماية أمنها القومي.

ويجادل المودع بأن "الحوثيين يحاولون من خلال الهجمات على المراكز الحيوية السعودية إحراج المملكة وإظهار عجزها عن الرد بعد أن استنفدت الرياض بنك الأهداف العسكرية التي يمكن ضربها عبر الطائرات الحربية".

ويضيف: "أي هجمات موجعة للحوثيين ستؤدي إلى خسائر بين المدنيين، فالحوثيون يخزنون الأسلحة الاستراتيجية ويختفي زعماؤهم داخل مناطق مكتظة بالسكان المدنيين" حسب قوله.

عجز سعودي

على الرغم من عجز الرياض خلال الأعوام السابقة عن تحقيق هدفها المعلن من الدخول إلى الحرب في اليمن، وهو إسقاط الانقلاب الحوثي وإعادة الحكومة الشرعية إلى سدة الحكم، فإن خسارة السعوديين وجود ترمب في البيت الأبيض تمثّل نقطة تحوُّل يحاول الحوثيون استغلالها لتحقيق مكاسب عسكرية قبيل أي تسوية سياسية مرتقبة، وفقاً لما يراه مراقبون.

وفي هذا الصدد، يقول الكاتب السياسي يعقوب العتواني للأناضول، إن "جماعة الحوثي تضع في اعتبارها حساسية وضع السعودية في الوقت الراهن، مع التغير الذي حدث بفوز بايدن، وانتظار صعود إدارة واضحة جداً في توجهها لاحتواء التدخل السعودي في اليمن، والدفع باتجاه التسوية بدلاً من الحرب".

ويشير العتواني إلى أن "نسبة التوتر وصلت إلى أعلى مستوياتها حالياً عند صانع القرار السعودي، وكثير من السياسات السعودية معلقة على نتائج ما يحدث في البيت الأبيض، وأن الحوثيين يستشعرون هذا الارتباك السعودي مع فوز بايدن، ويسعون لاستغلاله من خلال التصعيد والضغط على الرياض وإحراجها أمام الإدارة الأمريكية المقبلة، لتحقيق مكاسب سياسية عن طريق التصعيد".

الضغط الحوثي يستثمر الشلل الراهن في إدارة ترمب التي تدفع إلى اتخاذ قرار يصنِّف جماعة الحوثي تنظيماً إرهابياً، وهو التطور الذي حاولت السعودية استثماره لإعادة فرض خيار المنطقة العازلة (مع اليمن) مقابل الذهاب إلى تسوية متعددة الأطراف للحرب اليمنية

ياسين التميمي - محلل سياسي

ضغوط تكتيكية

من جهته يرى المحلل السياسي ياسين التميمي أن "الهجمات الحوثية الأخيرة على السعودية، تأتي لتحقيق أهداف تكتيكية، في سياق ضغوط ميدانية تمارسها الجماعة في الجبهات الداخلية والعابرة للحدود، عبر الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، لإعادة تصويب نتائج المعركة الحالية نحو تسوية ثنائية بين الحوثيين والرياض".

ويضيف التميمي في حديث للأناضول، أن "الجماعة تهدف إلى إبعاد السلطة الشرعية اليمنية واللاعبين المحليين الآخرين من المعادلة السياسية".

ويرى أن "هذا الضغط الحوثي يستثمر الشلل الراهن في إدارة ترمب التي تدفع إلى اتخاذ قرار يصنِّف جماعة الحوثي تنظيماً إرهابياً، وهو التطور الذي حاولت السعودية استثماره لإعادة فرض خيار المنطقة العازلة (مع اليمن) مقابل الذهاب إلى تسوية متعددة الأطراف للحرب اليمنية".

ويتابع: "الضغوط الحوثية المدعومة من إيران تستثمر أيضاً في التحولات الدراماتيكية التي تشهدها السعودية في إطار محاربة جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهي معركة خلطت الأوراق ورسمت مساراً قاتماً للحرب التي تقودها السعودية في اليمن".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً