الحرائق التي سببتها بالونات الفلسطينيين كبّدت إسرائيل خسائر فادحة (AFP)
تابعنا

"لم يتخيّل أحد من سكان المناطق المحاذية لقطاع غزّة أبداً، أن تستمر مظاهرات العودة التي أطلقها الفلسطينيون لمدة عام كامل"، تقول صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في مقدمة تقرير أُعد في الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة السلمية التي يشارك فيها آلاف الفلسطينيين أسبوعيّاً.

المسيرات بدأت في الذكرى الـ44 ليوم الأرض عام 2018، وتميّزت بسلميتها التي أربكت جيش الاحتلال والسلطات الإسرائيلية، فيما أصبحت المسيرات لاحقاً الشغل الشاغل لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي وضعتها سلمية المتظاهرين في مأزق كبير، بخاصة أنها تصدت لها بالرصاص الحي، فقتلت نحو 259 فلسطينياً، وجرحت آلافاً.

كان للعنف الإسرائيلي ضد المتظاهرين تداعياته على مستوى دولي، بخاصة بعد صدور تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول الموضوع، والتي أشارت إلى ارتكاب قوات الاحتلال جرائم ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية خلال تصديها للمسيرات المذكورة.

على الجهة المقابلة، كان للمسيرات المذكورة تداعيات كبيرة على الداخل الإسرائيلي نفسه، تداعيات سياسية أدت إلى تراجع شعبية نتنياهو، وأخرى اقتصادية كان لها أثر بالغ على الاقتصاد الإسرائيلي، وأدت إلى خسائر جسيمة قُدّرت بملايين الدولارات، بينما أدت البالونات الحارقة التي كان يطلقها الفلسطينيون إلى زعزعة أمن البلدات والمستوطنات المجاورة، وأحدثت حالة من القلق والخوف المستمرين للمستوطنين والسكان الإسرائيليين.

أمن مفقود وقلق مُزمن

تقول ميراف كوهن التي تعيش في القرية التعاونية الإسرائيلية العين الثالثة المحاذية لقطاع غزة "على مدار عام كامل، وكل يوم جمعة، بل بشكل يومي مؤخراً، يُصرّ الفلسطينيون أن نتذكرهم ولا ننساهم أبداً. الحرائق، ورائحة الغاز، تذكرنا بهم دائماً".

ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن كوهن قولها "الإثارة مستمرة منذ عام، نكاد نتعوّد أصوات الانفجارات وروائح الدخان، ومنظر الأحراش المحترقة، لقد أصبحنا أسرى المشاعر غير الإيجابية، نعيش حياة لا يجب أن نعيشها. الحكومة تتحدث عن المناعة! أي مناعة تلك؟ إننا نتعرض للعبة لا نرى لها أي نهاية".

الشعور بالقلق الدائم والخوف وقلة الأمن في صفوف الإسرائيليين، أدى إلى اندلاع أكثر من مظاهرة تطالب الحكومة بإيجاد حل للطائرات الورقية والبالونات التي تحمل فتيلاً محترقاً. إذ اتهمت حكومة نتنياهو بالتراخي إزاء ما بات ظاهرة يومية.

تفشي الأمراض النفسية

في سياق متصل، أكدت وزارة الصحة الإسرائيلية أن نحو 5 آلاف من سكان المناطق المحاذية لغزة، توجّهوا إلى مراكز طبية مختلفة لتلقي العلاج النفسي منذ بدء مسيرات العودة.

وذكر موقع واللا الإسرائيلي أن السنة الماضية لم تكن سهلة بالنسبة لسكان القرى والمستوطنات، حيث هطلت عليهم الطائرات الورقية والبالونات الحارقة على مدار العام، إلى جانب تداعيات التفجيرات التي يقوم بها الجيش قرب الحدود، وكذلك الغارات التي تستهدف مطلقي البالونات.

أزمات سياسية

البالونات الحارقة صارت فجأة الشغل الشاغل للحكومة الإسرائيلية، فوزير الدفاع السابق أفغيدور ليبرمان نفسه، الذي وصف الأمر في بدايته بأنه "مجرد بالونات"، بات المسؤول الأول عن تداعياته أمام المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وظلت البالونات الحارقة التي تؤرق الإسرائيليين على حدود غزّة، تؤرق حكومة نتنياهو وأقطابها على مدار عام كامل، بل واستُخدمت في المناكفات بين السياسيين والحملات الانتخابية لبعض القيادات والمسؤولين، وكان أهمّهم ليبرمان الذي قال في تغريدة "حرائق البالونات ما زالت مستمرة، من كان يظن أن الهدوء قبل الانتخابات يبرر الخضوع للإرهاب عليه أن يصوّت لحزب الليكود، ومن كان يظن العكس فليصوت لحزب يسرائيل بيتينو".

وقال رئيس بلدية المجمع الإقليمي إشكول "البلدات القريبة من غزة هي جزء من دولة إسرائيل، الآن بدأ المرشحون للانتخابات يدركون ذلك، يزورون قرانا باستمرار يطالبون بدعمنا وأصواتنا، وأنا أدعو الناس إلى مساءلتهم حول سياستهم المستقبلية تجاه البالونات الحارقة".

تقول يديعوت أحرونوت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى جاهداً في الآونة الأخيرة وبكل ثمن إلى منع أي حالة تصعيد مقابل قطاع غزة قبل الانتخابات. وتشير إلى أنّ نتنياهو كان قد أعرب عن موقفه هذا خلال اجتماع أمني عقده قبل يومين لبحث التطورات في غزة.

وحسب الصحيفة، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن آلافاً سيشاركون في مسيرات العودة بالقرب من الحدود في الذكرى السنوية للمسيرات يومي الجمعة والسبت القادمين، وهو ما من شأنه أن يؤجج المشهد.

وتخشى قيادات الجيش الإسرائيلي من تطور الأوضاع السبت المقبل، ويرجع ذلك لأسباب عدّة أهمها أن إسرائيل مقبلة على انتخابات في 9 أبريل/نيسان المقبل، إضافة إلى أنها تخشى من رد المقاومة على أي تصعيد إسرائيلي تجاه المتظاهرين ما قد يقود إلى حرب، "لن تستطيع إسرائيل تحقيق مكتسبات من خلالها في الفترة الراهنة"، حسب مصادر عسكرية.

ولعل الأهم، هو خشية الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من تداعيات مهاجمة المظاهرات على الصعيد الدولي، "إذ سيكون من الصعب على إسرائيل أن تكسب الشرعية الدولية، في حال قتلت عشرات المتظاهرين بالقرب من الحدود، ولا بد أن يوصف هذا السلوك بالبربري"، حسب يديعوت.

وقالت مصادر إسرائيلية إن حكومة نتنياهو، حاولت مساومة فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة خلال التصعيد العسكري الذي اندلع قبل أيام عدة، حيث عرضت الحكومة على الفصائل أن توافق على التهدئة وعدم التصعيد مقابل منع خروج مظاهرات يوم السبت القادم.

خسائر اقتصادية فادحة

مع نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، وبعد مرور نحو ثلاثة أشهر فقط على بدء مسيرات العودة، وإطلاق دفعات من البالونات الحارقة تجاه مناطق إسرائيلية، أعلن وزير المالية موشي كحلون أن الأضرار التي تسببت بها الحرائق الناجمة عن البالونات، تقدر بنحو 5 ملايين شيكل، وهو رقم ظل يرتفع مع مرور الأيام خاصة وأنّ الحرائق ظلت مستمرة، واتسعت رقعتها.

وخلال الصيف الماضي وما بعده، أحرقت البالونات نحو 8800 دونم من الأحراش في إسرائيل، إضافة إلى 11 ألف دونم من السهول والمحميات. حسب صحيفة معاريف.

وأشار وزير الاقتصاد الإسرائيلي إلى أن الحكومة قررت دعم الفلاحين في المناطق القريبة من غزة، وتعويضهم بنسبة 50% عن الأضرار التي تعرضوا إليها بسبب البالونات، مشيراً إلى أنه تم رصد نحو 16 مليون شيكل لهذا الغرض.

وذكر أن البالونات أدت إلى إحراق نحو 5 آلاف دونم إضافية من الأراضي الزراعية.

وبلغ إجمالي الأراضي التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال عام واحد، نحو 30 ألف دونم، حسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، التي أشارت أيضاً إلى أن طواقم الإطفاء تعاملت مع 14 حريقاً يومياً.

ولفتت صحيفة معاريف إلى أن نحو 1800 حريق اندلعت في أراضٍ إسرائيلية بسبب البالونات الحارقة، وهو ما دفع ما يعرف بدائرة أراضي إسرائيل إلى رصد نحو 100 مليون شيكل لمساعدة سكان المناطق المحاذية لغزة وعلى رأسهم الفلاحون، والبدء في إصلاح ما تعرض للضرر من الأراضي.

البالونات أحرقت نحو 8800 دونم من الأحراش خلال الصيف الماضي (AFP)
جيش الاحتلال تصدى للمظاهرات السلمية بالرصاص الحي وقتل 259 فلسطينياً         (AFP)
TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً