تُشير العقوبات الجديدة إلى استمرار الولايات المتحدة في توسيع ما تسميه دائرة "الضغط الأقصى" التي تستهدف إيران وحلفاءها في المنطقة (Reuters)
تابعنا

بفرض الولايات المتحدة عقوبات على نواب ومسؤولين من حزب الله اللبناني، بتهمة "استغلال النظام السياسي والمالي" اللبناني لصالح الحزب، تدخل العقوبات إلى مرحلة جديدة طالت فيها للمرة الأولى الجناح السياسي والنيابي للحزب.

وتُشير العقوبات الجديدة إلى استمرار الولايات المتحدة في توسيع ما تسميه دائرة "الضغط الأقصى" التي تستهدف إيران وحلفاءها في المنطقة، وهي سياسة تلقى عدداً من الانتقادات التي تعتبر أن الإدارة الأمريكية تجاوزت الحد في فرض العقوبات.

توسيع دائرة "الضغط الأقصى"

وسّعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الثلاثاء، دائرة سياسة "الضغط الأقصى" على "إيران وحلفائها" عبر فرض عقوبات غير مسبوقة ضدّ نائبين برلمانيين من حزب الله اللبناني.

واتّهمت وزارة الخزانة الأمريكية النائب أمين شِرّي، ورئيس كتلة حزب الله في البرلمان النائب محمد رعد، بـ"استغلال النظام السياسي والمالي" اللبناني لصالح حزبهما وإيران الداعمة له.

وشملت العقوبات أيضاً مسؤولاً كبيراً في حزب الله، هو مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا.

وقالت وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية سيغال ماندلكير، إنّ حزب الله "يهدّد استقرار لبنان السياسي والاقتصادي واستقرار المنطقة، وكلّ ذلك على حساب الشعب اللبناني".

وفي بيانها نشرت وزارة الخزانة أيضاً صورة لشرّي إلى جانب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، واعتبرت الوزارة أنّ الصورة "تؤكّد عدم وجود أي فارق بين النشاطات السياسية والعسكرية لحزب الله".

من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، في بيان، إنّ "حملة الضغوط القصوى على النظام الإيراني، أول راعٍ للإرهاب في العالم، ووكلائه، نجحت في الحدّ من الدعم المادي الذي يتلقّاه حزب الله".

وأكّد الوزير الأمريكي أنّ "أيّ فصل بين الجناحين العسكري والسياسي لحزب الله هو فصل مصطنَع، وهو ما يعترف به الحزب نفسه"، مطالباً حلفاء الولايات المتحدة بـ"تصنيف حزب الله بأسره منظمةً إرهابية".

ويفصل الاتحاد الأوروبي بين الجناح العسكري لحزب الله وجناحه السياسي، وقد أدرج الجناح العسكري فقط للحزب الشيعي اللبناني على قائمته للمنظمات الإرهابية.

ردود لبنانية مختلفة

ندّد حزب الله بالعقوبات، ووصفها النائب في كتلته البرلمانية علي فياض الثلاثاء، بأنّها "إهانة" للشعب اللبناني، وطالب البرلمانَ والحكومةَ اللبنانية بإصدار موقف إدانة رسمي.

وأفادت قناة المنار التليفزيونية التابعة لحزب الله، عقب إعلان العقوبات، بأنّ الأمين العام للحزب حسن نصر الله سيُطِلّ على شاشتها في مقابلة مساء الجمعة يتحدّث فيها عن مختلف الملفات اللبنانية والإقليمية، ويرجَّح أن يتطرّق بشكل رئيسي إلى العقوبات الأخيرة.

من جهته أعرب الرئيس اللبناني ميشال عون الأربعاء، عن أسف بلاده إزاء قرار واشنطن، وقال في بيان إن "لبنان إذ يأسف للجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه الإجراءات، لا سيما لجهة استهداف نائبين منتخبين، سيلاحق الموضوع مع السلطات الأمريكية المختصة".

واعتبر عون أن القرار "يتناقض مع مواقف أمريكية سابقة، تؤكد التزام لبنان والقطاع المصرفي فيه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال، ومنع استخدامها في اعتداءات إرهابية".

القرار الأمريكي لن يؤثر لا على المجلس النيابي ولا على العمل الذي نقوم به في مجلسي النواب والوزراء

سعد الحريري - رئيس مجلس الوزراء اللبناني

بدوره اعتبر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، العقوبات الجديدة بمثابة "اعتداء" على لبنان، وقال في بيان إن العقوبات "اعتداء على المجلس النيابي وبالتأكيد على لبنان".

في السياق ذاته قال رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الأربعاء، إن العقوبات الجديدة "كسائر العقوبات السارية، لكن لا شك أنها أخذت منحىً جديداً من خلال فرضها على نواب في المجلس النيابي".

وأضاف الحريري أن القرار الأمريكي "لن يؤثر لا على المجلس النيابي ولا على العمل الذي نقوم به في مجلسي النواب والوزراء"، مضيفاً أنه "أمر جديد سنتعامل معه بما نراه مناسباً وسيصدر عنا موقف بشأنه".

وشدّد على أن "المهم أن نحافظ على القطاع المصرفي وعلى الاقتصاد اللبناني"، آملاً "أن لا يتمّ تضخيم هذا الموضوع، لأنه موجود أساساً، فلا داعي للتحليلات لأنها ستؤدي برأيي إلى تأزيم الواقع السياسي".

دوافع وتوابع القرار الأمريكي

اعتبرت وزارة الخزانة الأمريكية أنّ النائب محمد رعد "يواصل إعطاء الأولوية لأنشطة حزب الله وارتهان ازدهار لبنان".

وقال مسؤول رفيع في الوزارة للصحفيين إنّه "على كل عضو في حزب الله يفكّر في الترشّح للانتخابات، أن يدرك أنّه لن يستطيع الاحتماء تحت عباءة ولاية انتخابية"، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

في المقابل، يُتَّهَم وفيق صفا باستغلال موقعه لإدخال سلع مهرّبة إلى لبنان "بينها مخدّرات غير شرعية وأسلحة"، إضافة إلى تسهيل تحركات كوادر في الحزب، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وفي المجمل بات 50 عضواً أو كياناً مرتبطين بحزب الله موضوعين منذ عام 2017 على لائحة العقوبات الأمريكية للإرهاب.

وتُربط العقوبات الجديدة على حزب الله بسياسات الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط، التي تركّز على إيران وتتّهمها بزعزعة الاستقرار الإقليمي، إذ تراكم العقوبات الجديدة على العقوبات الاقتصادية ضدّ طهران عقب انسحابها من الاتفاق النووي، بهدف خفض واردات إيران المالية، ومن ذلك واردات حلفائها الإقليميين مثل حزب الله.

في هذا الصدد قالت صحيفة الأخبار اللبنانية المقرّبة من حزب الله، إن "واشنطن، في سياق تصعيدها ضدّ إيران في المنطقة، تمارس من خلال هذا القرار ضغوطاً على الحكومة اللبنانية ومجلس النواب للفصل بينهما وبين الحزب، وتضع بعضهما في مواجهة بعض، مع العلم أن الدولة اللبنانية لن تسايرها في ذلك على الإطلاق".

وأضافت الصحيفة أن العقوبات الجديدة تختلف عن سابقاتها بكونها تستهدف هذه المرة "نواباً منتخَبين من الشعب، وتحمل تحريضاً لفئة على فئة، لكون البيان يطلب مقاطعة المدرجين على اللائحة، فكيف يمكن للحكومة ومجلس النواب مقاطعة ممثلين للشعب داخل البرلمان؟".

من جهتها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن استخدام الولايات المتحدة الموسَّع للعقوبات يواجَهه عدد من الانتقادات باعتباره مُقارَبةً تجاوزت حدّها، مشيرة في الآن ذاته إلى أنها ستكون مزعجة للحكومة اللبنانية وستواجه مقاومة.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً